الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التحدي الذي يواجه معرض الكتاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ الأهم والأضخم والأجدر بين معارض الكتب العربية في العالم العربي والشرق الأوسط، رغم المنافسة الشرسة التي بات يجدها من كثير من المعارض الناشئة الفتية التي تجد دعما هائلا من دولها، مما يشكل تحديا كبيرا أمام وزارة الثقافة المصرية ليظل معرض القاهرة في موقع الصدارة كما نتمنى جميعا، ورغم أن تحدي المعارض المنافسة ليس الوحيد من نوعه، وإن كان يمثل الجزء الذي يطفو من جبل الجليد.

وقد أثبتت وسائل الإعلام الوطنية أنها تقف مع الدولة في خندق واحد قبل وأثناء فعاليات المعرض الذي استمر من يوم 23 يناير وحتى 7 فبراير الجاري، لدعم المعرض إعلاميا وبث فعالياته بشكل يومي وحث المواطنين على المشاركة في هذا الماراثون الثقافي السنوي الذي تحول إلى كرنفال تنتظره الأسرة المصرية بكبارها وشبابها وأطفالها، خاصة مع التطور الكبير الذي يحسب للدولة المصرية التي أحدثت تغييرا هائلا في بنيته التحتية كما وفرت وسائل المواصلات العامة من جميع ميادين القاهرة الكبرى، بسعر زهيد وخدمة مميزة، فضلا عما توفره المنصة الرقمية للمعرض من خدمات كبيرة وغير مسبوقة بالتعاون مع الشركة المتحدة.

ولكن يظل التحدي الداخلي لإدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، هو الأصعب والأكثر إلحاحا، رغم الدعم اللامتناهي من وزارة الثقافة بقيادة الدكتورة إيناس عبدالدايم؛ ولذا تجاوز عدد رواد المعرض أكثر من 2 مليون زائر، بينما سجلت المنصة الرقمية أكثر من 128 مليون زيارة وبلغ عدد مشاهدات الكتب علي المنصة للهيئات ودور النشر المشاركة في المعرض 2.5 مليون مشاهدة، إلى غير ذلك من الأرقام الرسمية التي تم الإعلان عنها مؤخرا.

ورغم هذه الأرقام الضخمة فإننا إذا قارنا بين مستوى دورة اليوبيل الذهبي للمعرض بدورته الثالثة والخمسون التي انتهت منذ أيام خلت؛ سوف يتضح الفارق جليا فرغم مرور ثلاثة أعوام من المفترض أن يشهد المعرض خلالها تطورا أكبر، بعد دراسة كل كبيرة وصغيرة، إلا أن عددا من الهنات الصغيرة يمكن أن تكون قد سقطت من القائمين على إدارة المعرض في غمرة العمل ويجب علينا أن نلفت النظر إليها، غيرة على مستوى المعرض خلال الدورات المقبلة، خاصة أن التحدي الداخلي لإدارة المعرض هو الأخطر كما قلنا لأنه يتطلب الكثير من تطوير الذات وتحديث البنية الثقافية للعاملين بهيئة الكتاب وهو أمر لو تعلمون عظيم، ولن يأتي بسهولة أو يتم بيسر، خاصة، مع انطلاق موسم الإشادة بالمعرض على مدار الأيام الماضية وهو ما يمكن أن يعتبر القائمون عليه أن أي انتقاد للمعرض أمر في غير محله أو يأتي لأسباب أخرى.

علينا أن نصارح أنفسنا بأن أغلب الانتقادات التي توجه للمعرض تنصب على البرنامج الثقافي، باعتباره العمود الفقري للمعرض، وتكمن الأزمة الرئيسية به أن بعض القائمين على إدارته يبدأون العمل قبيل أشهر قليلة من إقامة، وليس من اليوم الأخير لانتهاء الدورة الحالية، وهو أمر يكشف بوضوح أن نظام العمل لا يقوم على أساس علمي، وإنما يعتمد على الفهلوة، ومن هنا تأتي مشاكل البرنامج الثقافي التي نواجهها كل عام، وكأنه مسلسل كتب علينا أن نشاهده بنفس مشاهده المملة والرتيبة دون أدنى تغيير، فبعد انتقادات كثيرة لتأخر صدور البرنامج الثقافي، إذا به يصدر في اليوم الأول للمعرض، ليت الأمر اقتصر على هذا الأمر فقط، فقد تلقى الصحفيون في اليوم الأول للمعرض نسخة من البرنامج الثقافي للمعرض وتبين أنها نسخة غير مكتملة نظرا لأنها أرسلت بشكل عاجل وعندما استفسرت عن بعض التفاصيل فوجئت بسؤال غريب "انتوا مستعجلين على إيه"، وكأن علينا أن ننتظر إلى نهاية الدورة حتى يتم الحصول على البرنامج الثقافي النهائي؛ وهنا لا مانع من التأكيد على أن الظروف الاستثنائية الخاصة بانتشار متحورات فيروس كورونا، أمر مقدر ومفهوم ويمكن أن نلتمس لهم العذر، إلا أننا نطمح إلى أن يكون أداء إدارة المعرض بلا أخطاء أو تأخير حتى لو كانت الظروف غير مهيأة لذلك، خاصة أن الإمكانيات التي تتاح للمعرض يمكن أن يتم استغلالها بشكل أفضل وتؤتي ثمارا أفضل لتعظيم قوة مصر الناعمة.

ما سبق من التعامل باستخفاف مع البرنامج الثقافي قبل انطلاق معرض الكتاب بوقت كاف، ترتب عليه مجموعة من المشاكل التي ظهرت بوضوح خلال المعرض، كان المشهد "الماستر سين" فيها من بطولة الفنان القدير محيي إسماعيل الذي انسحب بشكل سينمائي من ندوة "200 عام على ميلاد ديستوفسكي"، معترضا على عدم وجود جمهور كاف، منتقدا عدم وجود دعاية كافية للندوة.

ما تعرض له الفنان محيي إسماعيل واعتبره إهانة لتاريخه، حدث لأغلب الندوات وإن اختلف رد الفعل، وكانت المفاجأة الكبيرة وجود ندوات وفعاليات مهمة للغاية بالفعل، لم يتم الترويج لها بالشكل الأمثل، وتم إقامتها بشكل روتيني، مما أهدر وجودها رغم أنها تتسم بأهمية بالغة مثل ندوتي الكاتبة الكبيرة جوخة الحارثي الفائزة العربية الوحيدة بجائزة البوكر الدولية، وكذلك الكاتبة الكبيرة هدى بركات الفائزة بجائزة البوكر العربية، إذ شهدتا حضورا هزيلا لا يتناسب مع قيمة الكاتبتين.

وإذا عدنا إلى اختيار الأعمال التي يدور حولها النقاش بالمعرض وتقام لها ندوات سنجد أن عددا كبيرا من الأعمال الهامة لم يتم مناقشته، وهذا لا ينفي أن كثيرا من الندوات الجادة تم مناقشتها،وهنا تكمن المشكلة في طريقة اختيار الأعمال، التي تكمن في طريق واحد تقريبا يتمثل في سعي الكاتب لدى إدارة المعرض لإقامة ندوة لكتابه، ومنهم من تقبل طلباتهم ومنهم من يتم تجاهلهم، ولذا لابد من وجود شفافية في اختيار الأعمال تتولاها لجنة تقرر الأعمال التي يتم مناقشتها من الأعمال التي لا ترقى لذلك.

ويظل التضييق على العدد الكبير من الناشرين المشاركين في المعرض من أصحاب المساحات الصغيرة (٩ متر)، أمر غير مفهوم بالنسبة لي، خاصة مع تحرير عدد كبير من المحاضر لهم بسبب حصول بعضهم على توكيلات من دور نشر أخرى غير مشاركة، وذلك على الرغم من أن هذا الأمر متاح لدور النشر الكبيرة التي تحتل مساحات ضخمة بطول القاعات وعرضها، حيث يتم السماح لهم بقبول بيع أعمال الغير بنظام التوكيلات، يأتي هذا في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى تشجيع المشروعات الصغيرة والوقوف بجانب الكيانات الناشئة، وكان أولى بهيئة الكتاب واتحاد الناشرين أن يفعل ذلك، وأن يتم تغيير نصوص اللوائح التي تنص على هذا الوضع الغريب، لأن دور النشر الصغيرة وأغلبها يعاني من مشاكل مالية مزمنة أولى بالدعم، من الكيانات العملاقة في عالم النشر والكتاب.

يبقى التأكيد على أن البرنامج المهني يظل حدثا مضيئا هذه الدورة، لأنه تم وفق أسلوب علمي حقيقي، بحيث يقدم خدمات وإحصائيات جديدة، ويجمع الأطراف المعنية بصناعة النشر على طاولة واحدة مما يفكك الأزمات المتوارثة ويعمل على إزالة المعوقات، كما يضع خارطة طريق جديدة أمام صناع المعرفة حول ما يتطلبه السوق والشكل الأمثل لإدارة مؤسسات النشر.

أما ما حدث في نتائج جوائز معرض الكتاب، وما حدث من استبعاد بعض المثقفين مثل الشاعر سامح محجوب من المشاركة في مؤتمر مقاومة الإرهاب قبل إقامته بساعات قليلة، أمر يستحق أن نفرد له مساحة جديدة، وختاما فإننا نتمنى إقامة الدورة الجديدة لمعرض الكتاب وفق رؤية جديدة ودماء جديدة تضم كبار المثقفين وليس الأصدقاء والزملاء وأهل الثقة.