السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التكنولوجيا الحديثة وتطور أساليب الغش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ظاهرة الغش فى الامتحانات ليست جديدة، فهى موجود فى كل الأزمنة، ولكن بدرجات متفاوتة. الجديد هو استخدام التكنولوجيا الحديثة فى الغش. أساليب الغش التقليدية كتلك التى استخدمتها الفنانة عبلة كامل فى فيلم اللمبى «الميكرفون»، أو الذى استخدمها عادل إمام فى فيلم مرجان «البرشام»، أصبحت نادرة الحدوث إلا فى القرى الصغيرة، وحل محلها طرق حديثة تشمل تسريب الامتحانات، والغش من التليفون المحمول، والساعة والنظارة وسماعة الأذن اللاسلكية «البلوتوس والايربود».
الجديد أيضا، هو انتشار المراسلين الصحفيين، فأصبح كل مواطن يحمل فى يده تليفونا محمولا يستطيع أن يقوم بتسجيل أى واقعة غش، وبثها عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى. ما حدث فى امتحانات الشهادة الإعدادية خلال الأسبوع الماضى، رغم أسفنا الشديد لوقوعه، ورغم خطورته على العملية التعليمية، إلا أنه قد تم تضخيمه فى برامج التوك شو. بعض المغرضين وجدوها فرصة سانحة للإساءة لمنظومة التعليم، رغم المجهود الذى تبذله الوزارة، وتنافسوا فى استخدام عبارات رنانة، مثل فشل التعليم وفساد المجتمع، والغش الجماعى وغيرها، وهى عبارات مجافية للحقيقة، وإن كانت مرتبطة بالواقع الذى نعيشه. ما حدث فى مدرسة فى السنبلاوين عندما تجمع بعض الأهالى وحاولوا الاعتداء البدنى على المُدرسة التى رفضت السماح للتلاميذ بالغش، شاهدته بنفسى منذ عدة عقود، كما نعرض فى هذا المقال.
أولًا- طرق الغش التقليدية
أتذكر وأنا فى مدرستى الابتدائية فى قريتى، بين أعوام ١٩٧٠-١٩٧٦، أنه كان الغش «تحت مسمى مساعدة التلاميذ المتعثرين لتخطى الامتحانات»، شيئًا معتادًا خلال سنوات النقل من السنة الأولى إلى السنة الخامسة من المرحلة الابتدائية، بل كان يحدث بمعرفة المدرسين والمراقبين فى المدارس. كان الغش يتم من خلال السماح للتلميذ الشاطر تغشيش باقى زملائه أثناء الامتحانات. أتذكر فى امتحانات إحدى سنوات النقل أنه جاء مدرس وقال لى، خلصت الإجابة قلت له نعم، قال طيب ساعد زملاءك وهات ورقتك علشان أساعد باقى التلاميذ، تعجبت من الطلب ورفضت، فما كان منه إلا أن أخذ ورقتى وقام بإخراجى من اللجنة. ذهبت واشتكيت لوالدى رحمه الله، فجاء وقابل ناظر المدرسة، الذى قام بتسوية الموضوع بعد تأكيده بأننى ولد شاطر وجاوبت كل الامتحان وحصلت على الدرجة النهائية.
أمًا فى السنة السادسة الابتدائى، وكانت شهادة إتمام المرحلة الابتدائية، وكان تشكيل المراقبين من خارج المدرسة، فحدث موقف طريف مع والدى أيضًا رحمه الله، أن جاء «فاعل خير» من القرية وطلب من والدى مبلغ جنيه واحد، لزوم ضيافة أعضاء لجنة المراقبة، وكان الطلب غريبًا، فتعجب والدى، وقال له، لماذا نُضّيف أعضاء اللجنة؟ قال لكى يتمكن التلاميذ من الغش فى الامتحان، فنظر له والدى نظرة استنكاريه وقال له؛ «ومن قال لك إنى عاوز ابنى يغش فى الامتحانات؟ من غشنا فليس منا»، ورفض دفع الجنيه. رد الرجل وكان يقوم بجمع تبرعات لفعل الخير ومساعدة الفقراء فى القرية: «ياعم الحاج الناس لبعضها، والشاطر يساعد الخايب، والعيال تنجح». هكذا كان العرف المتعارف عليه فى قرانا قبل نصف قرن من اليوم.
وخلال المرحلة الإعدادية بين أعوام ١٩٧٦-١٩٧٩، لم يتغير الوضع كثيرًا، وكان على المراقبين السماح للتلاميذ بالغش أو مواجهة غضب الأهالى، ولكن لم يصل الأمر إلى استخدام العنف. وفى المرحلة الثانوية بين أعوام ١٩٧٩-١٩٨٢، فى مدرسة على مبارك الثانوية، والتى تقع بجوار مركز دكرنس، فكان الوضع أفضل كثيرًا، حيث كان ناظر المدرسة حاسمًا ومخيفًا لكل من يحاول الغش فى سنوات النقل. أما فى امتحان الثانوية العامة سنة ١٩٨٢، فكانت لجان المراقبة من خارج محافظة الدقهلية، وكانت لجنة شديدة ولم تسمح بالغش.
جاء امتحان مادة الفيزياء صعبًا للغاية، وأتذكر أننى طلبت وقتا إضافيًا لاستكمال الإجابة فرفض المراقب. ازداد الأمر سوءًا مع مرور الوقت، عندما حاول بعض الزملاء الغش بالقوة، وقام أحدهم وجذب ورقتى بالقوة وأنا ما زلت أجاوب، وحينها تدخل المراقب وقام بطرد الزميل الذى حاول الغش. الزميل أصيب بحالة هيستيرية، وقام بتهديد اللجنة، مما دعا رئيس لجنة المراقبة لاستدعاء الأمن، وخرج المراقبون فى حماية قوات الأمن، تمامًا مثلما حدث فى الأسبوع الماضى فى امتحان الشهادة الإعدادية.
ثانيًا- الغش باستخدام التكنولوجيا
تطورت طرق الغش فى العصر الحديث، وأصبحت تعتمد على أحدث طرق الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال التليفون المحمول، رغم أنه ممنوع رسميا من دخول لجان الامتحانات. أتذكر وأنا عميدًا لطب المنصورة أن قام المراقب بتفتيش طالب وافد واستخرج من ملابسه عدد ٣ تليفونات محمولة. وفى أحد اللجان وجدنا طالبة تغش من خلال سماعة صغيرة جدًا فى أذنها «Airpod»، مخبأة تحت طرحة الحجاب، وشابا آخر وجدنا معه الامتحان منقولًا بالإجابة على نظارة حديثة جدا، وطالبا كان يغش من ساعة كان يرتديها فى يده. لقد تطورت أساليب الغش ولم تعد تقليدية مثل برشام عادل اإمام، أو ميكروفون عبلة كامل.
وفى النهاية، أود أن أقول إن الغش فى جميع أشكاله عمل مجرم وغير مقبول دينيًا أو أخلاقيًا، ولكنه ليس مستحدثا. يجب أن يقوم علماء التربية وعلم النفس والاجتماع بدراسة الظاهرة، ومدى انتشارها بين طبقات المجتمع، ومدى تأثرها بمعدلات النمو والتطور وتداخلها مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. كذلك يجب تغليظ العقوبة على كل غشاش، مهما كان مركزه الاجتماعى، وعدم السماح له بتحقيق رغباته والوصول إلى أهدافه بالغش والتدليس. وفى النهاية فإن الضرر الذى يُحدثه الغشاش، أينما كان موقعه، يقع على عاتق المجتمع الكبير.