الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في فلسفة الفلسفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بداية نطرح سؤالا، هل يعرف الجواب من عنوانه؟!، بمعني آخر هل الصورة والشكل تغني عن المضمون؟!
أليس من الممكن أن تكون الصورة جميلة ومنمقة وبروازها مطلي بالذهب، لكن مضمونها أجوف، لا يضيف جديدا، تحصيل حاصل.
هكذا كثيرة هي العناوين البراقة التي تلفت النظر وتشد الانتباه، لكن عندما تقرأ مضمونها تجده فارغا لا يستحق حتي عناء قراءته.
يبدو لأول وهلة أن هذا العنوان لافتا للأنظار، المتخصص المدقق، وغير المتخصص، لكل محب للاطلاع ومحب للقراءات الفلسفية.
فما الذي سيضيفه هذا العنوان لرصيد القراء المعرفي، القراء بكل توجهاتهم الفكرية وميولهم المعرفية؟!
وهل سيلاقي قبولا، أم سيمر عليه المارة مرور الكرام دون أن يعيروه انتباههم، أو علي استحياء مجاملة يكتبون كلام في أي كلام كعبارات الثناء والمدح دونما مناقشة، وهذه هي المشكلة الكبرى التي تؤرق مضاجع المفكرين، ألا يناقشوا في فكرهم، لأنه في يقيني المعرفي وقناعاتي بعقلي الفردي، أن ذلك يكسب الفكر حركية وديناميكية واستمرارية ويسهم في إخراج منتوج راق يستفيد منه وبه العقل الجمعي، خصوصا عندما تكون الفلسفة خطابا عقلانيا يحتكم إلي العقل ومدعوما بيقينية القلب، وتناقش موضوعات حيوية تتعلق بواقعنا المعيش وقضاياه محاولة أن تقدم حلولا لمعضلاتنا التي قد يظن ظن السوء أنها عصية الحلول.
في فلسفة الفلسفة، فلسفتنا حياتنا ونشاطاتنا الذهنية ما هي إلا فلسفة نحياها، بمعني أن الفلسفة تدخل في كل تفاصيل حياتنا، وذلك من خلال إثارة السؤال، السؤال بكل معانيه، السؤال الميتافيزيقي، ألم تطرح أسئلة عن وجود الله، وذاته وصفاته وعلاقته بالعالم، والبعث والجزاء والجنة والنار، وإذا كانت هناك حياة أبدية أزلية فما حقيقتها وكيف سنحياها، وما حقيقة الصراط والميزان واللوح والقلم، والملائكة، وأين كان الله قبل خلق السموات والأرض والأكوان والعوالم، كل هذه أسئلة طرحتها الذات المفكرة علي ذاتها محاولة أن تجد لها إجابات شافية تخرجها من حيز الوهم إلي الإدراك المعرفي اليقيني، إجابات يرضي عنها العقل.
نعم كل إنسان بداخله ذات بحاثة مفكرة تواقة إلي الابستمولوجيا المعرفية التي تحررها من القلق والحيرة والشك إلي يقين ولو حتي يقينا جزئيا يمكنه من ممارسة بحوثه الاستدلالية، وهذا دأب وديدن كل مفكر.
فالإنسان بطبعه دائم البحث عما هو مستغلق فهمه، عما كل ما يثير دهشته وانتباهه ساعيًا سعيا حثيثا نحو بناء شخصيته المعرفية.
حتي وإن لم يأت بنظرية فلسفية كالتي آتي بها الفلاسفة علي مر عصور الفكر الإنساني، كالنظرية الذرية مثلا لديمقريطس، أو نظرية المعرفة السقراطية والأفلاطونية، والأفلوطينية، أو كالتي آتي بها أرسطو ومدارس العصور الوسطي، الإسلامية والمسيحية واليهودية.
ولا حتي مدارس الفكر الفلسفي في العصر الحديث والمعاصر كالمدرسة الألمانية والمدرسة الفرنسية، والمدرسة الدنماركية.
ولا حتي أيضا ما آتي به المفكرون العرب في الفكر العربي وحديثهم عن الجامعة العربية والإسلامية، وقضايا التوحيد والالوهية والاهتمام بالتربية والتعليم بمؤلفات ملئت الدنيا، ولا أيضًا حديث عن المرأة وقضاياها وتمكينها، ولا حديث عن جمهورية جديدة ومدينة مثالية تتحقق فيها كل طموحات الإنسان المعاصر من أجل أن يحيا حياة كريمة يضمن من خلالها هدوءه وراحة باله وعيشه آمنا مطمئنا.
لكن أليست كل هذه الأفكار موجودة بداخل الإنسان، الإنسان بما هو كذلك، بما هو ذات مفكرة لكنها لم تخرج من حيز الوجود بالقوة إلي حيز الوجود بالفعل، لأنه قد يظن أنه لو عبر عنها أو ناقشها من الممكن أن يصاب بالاحباط، أو قد يظن أنه سيتعرض للسخرية، وأن ما يتحدث عنه أضغاث أحلام، فيعتكف على ذاته، وقد يصاب بالقلق الوجودي، وينطوي على نفسه.
لكن السؤال لك أيها الإنسان، خير لك أن تعبر عما يجيش بخاطرك ولو حتي تحدثت مع نفسك بصوت مرتفع، خير لك أم تنطوي على نفسك وتصاب بالاحباط واليأس الذي يجعلك تقول نحن قلق، ولماذا نحن قلق، وما الذي يسبب القلق، هذا السؤال، الذي تحار معه العقول.
في اعتقادي ويقيني أنه على الإنسان ألا يتوقف، وألا ينغلق على ذاته وألا يتوحد مع نفسه، فتوحد ابن باجه فيلسوف المغرب توحدا وجوديا، بمعني البحث عن الذات في أعماق الذات، من أجل الوصول إلي كنه المعرفة، والاتصال بالعقل الفعال، والوصول إلي الإدراك واليقين العقلي، وأن ثم علة هى المهيمنة على الكون يقينا عقليا رافضا اليقين القلبي ناقدا الإمام الغزالي.
لكن أنت أيها الإنسان لا أطالبك بوضع نظرية فلسفية، وانما كل ما أدعوك إليه هو ألا تتوقف عن التعقل فالتعقل تفلسف والتفلسف حكمة والحكمة رجاحة العقل، وأصحاب العقول الراجحة هم الذين يزنون الأمور بموازين عقولهم، متي يتحدثون، متي يتناقشون، متي يتوقفون، وكل ذلك تفلسف.
ومن خلال تعريفات الفلسفة المختلفة واتفاق الفلسفة على ألا يتفقوا ففي ذلك تفلسف، فالفلسفة تضع سنة للاختلاف، لماذا لأنها وجهات نظر متباينة قد تتفق حينا وتختلف أحايين كثيرة، فالشيئ الوحيد الذي أتفق عليه الفلاسفة أنفقوا على ألا يتفقوا، وهذا الاختلاف محمود لماذا، لأنه يثري حياتنا الفكرية بفكر متجدد سيال متدفق عبر أزمنتنا الوجودية، وهذا دليل دامغ على معايشة الفلاسفة على مر العصور لقضايا مجتمعاتهم، وشاهدي على ذلك سقراط ومشاركته للحياة السياسية في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، وكذلك تلميذه أفلاطون وحديثها عن العدالة وبناء جمهورية مثالية، والفارابي في مدينته الفاضلة، وابن رشد الذى أحرقت كتبه، لا وكما يظن البعض لأنه أتي بآراء مخالفة للعقيدة وإنما لوقوفه فى وجه الحاكم آنذاك فنكل به وكيلت له الإتهامات متذرعين بذريعة أنه أتي بآراء وأفكار مخالفة للدين.
بات الأمر واضحا جليا عيانا بيانا، فالمفكر والفيلسوف بحاث عن الحقيقة لا يحتقر شيئا مهما بلغ من ضآلة الشأن مبلغ الطين والشعر.
وليس كما كان يظن قديما أن الفلاسفة يعيشون في أبراج عاجية، لا يهتمون بقضايا واقعهم المعيش.
ولا كما كان يزعم البعض، أن المفكر في بحثه كمن يبحث عن قطعة سواء في حجرة مظلمة، في ليلة مظلمة، وأن الفلسفة عديمة النفع والفائدة.
وحتي هذه القطة لو افترضنا جدلا أنه يبحث عنها في ليلة مظلمة وفي حجرة مظلمة، فإن هذه الهرة قد تصدر صوتا، يحرك شيطان الماكر الذي بداخلنا والذي يؤز الإنسان أزا إلي البحث المعرفي وإثارة التساؤل.
شيطان المعرفة القابع داخلنا، فيخرج ما بداخلنا من أفكار إلي حيز الوجود، فنأتي بأفكار قيمة تثري واقعنا وترقي بعقولنا التي هي هبة ربانية أمرنا الإله بأعمالها.