الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التكنولوجيا الحديثة وتطور أساليب الغش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ظاهرة الغش في الامتحانات ليست جديدة، فهي موجود في كل الازمنة ولكن بدرجات متفاوته. الجديد هو استخدام التكنولوجيا الحديثة في الغش. أساليب الغش التقليدية كتلك التي استخدمتها الفنانة عبلة كامل في فيلم اللمبي (الميكرفون)، أو الذي استخدمه عادل إمام في فيلم مرجان (البرشام)، أصبحت نادرة الحدوث إلا في القرى الصغيرة، وحل محلها طرق حديثة تشمل تسريب الامتحانات، والغش من التليفون المحمول، والساعة والنظارة وسماعة الأذن اللاسلكية (البلوتوس والايربود). الجديد أيضا، هو انتشار المراسلين الصحفيين، فأصبح كل مواطن يحمل في يده تليفون محمول يستطيع أن يقوم بتسجيل أي واقعة غش، وبثها عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. 

 

ما حدث في امتحانات الشهادة الإعدادية خلال الأسبوع الماضي، رغم أسفنا الشديد لوقوعه، ورغم خطورته على العملية التعليمية، إلا أنه قد تم تضخيمه في برامج التوك شو. بعض المغرضين وجدوها فرصة سانحة للإساءة لمنظومة التعليم، رغم المجهود الذي تبذله الوزارة، وتنافسوا في استخدام عبارات رنانة، مثل فشل التعليم وفساد المجتمع، والغش الجماعي وغيرها، وهي عبارات مجافية للحقيقة، وإن كانت مرتبطة بالواقع الذي نعيشه. ماحدث في مدرسة في السنبلاوين عندما تجمع بعض الأهالي وحاولوا  الاعتداء البدني على المُدرسة التي رفضت السماح للتلاميذ بالغش، شاهدته بنفسي منذ عدة عقود، كما نعرض في هذا المقال.
اولا: طرق الغش التقليدية
أتذكر وأنا في مدرستي الابتدائية في قريتي، بين أعوام ١٩٧٠-١٩٧٦، أن كان الغش (تحت مسمي مساعدة التلاميذ المتعثرين لتخطي الامتحانات)، شيئًا معتادًا خلال سنوات النقل من السنة الأولي الي السنة الخامسة من المرحلة  الابتدائية، بل كان يحدث بمعرفة المدرسين والمراقبين في المدارس. كان الغش يتم من خلال السماح للتلميذ الشاطر تغشيش باقي زملائه أثناء الامتحانات. أتذكر في امتحانات احد سنوات النقل ان جاء مدرس وقال لي، خلصت الاجابة قلت له نعم، قال طيب ساعد زملائك وهات ورقتك علشان اساعد باقي التلاميذ، تعجبت من الطلب ورفضت، فما كان منه الا ان اخذ ورقتي وقام بإخراجي من اللجنة. ذهبت واشتكيت لوالدي رحمه الله، فجاء وقابل ناظر المدرسة، والذي قام بتسوية الموضوع بعد تأكيده بأنني ولد شاطر وجاوبت كل الامتحان وحصلت علي الدرجة النهائية. أمًا في السنة السادسة الابتدائي، وكانت شهادة إتمام المرحلة الابتدائية، وكان تشكيل المراقبين من خارج المدرسة، فحدث موقف طريف مع والدي أيضًا رحمه الله، ان جاء (فاعل خير) من القرية وطلب من والدي مبلغ جنيه واحد، لزوم ضيافة اعضاء لجنة المراقبة، وكان الطلب غريبًا، فتعجب والدي، وقال له، لماذا نُضّيف اعضاء اللجنة؟ قال لكي يتمكن التلاميذ من الغش في الامتحان، فنظر له والدي نظرة استنكاريه وقال له؛ "ومن قال لك اني عاوز ابني يغش في الامتحانات؟ من غشنا فليس منا"، ورفض دفع الجنيه. رد الرجل وكان يقوم بجمع تبرعات لفعل الخير ومساعدة الفقراء في القرية: " ياعم الحاج الناس لبعضها، والشاطر يساعد الخايب، والعيال تنجح". هكذا كان العرف المتعارف عليه في قرانا قبل نصف قرن من اليوم.


وخلال المرحلة الاعدادية بين أعوام ١٩٧٦-١٩٧٩، لم يتغير الوضع كثيرًا، وكان علي المراقبين السماح للتلاميذ بالغش او مواجهة غضب الاهالي، ولكن لم يصل الامر الي استخدام العنف. وفي المرحلة الثانوية بين أعوام ١٩٧٩-١٩٨٢، في مدرسة علي مبارك الثانوية والتي تقع بجوار مركز دكرنس، فكان الوضع أفضل كثيرًا، حيث كان ناظر المدرسة حاسمًا ومخيفًا لكل من يحاول الغش في سنوات النقل. أما في امتحان الثانوية العامة سنة ١٩٨٢، فكانت لجان المراقبة من خارج محافظة الدقهلية، وكانت لجنة شديدة ولم تسمح بالغش. جاء امتحان مادة الفيزياء صعبًا للغاية، واتذكر انني طلبت وقتا إضافيًا لاستكمال الإجابة فرفض المراقب. ازداد الأمر سوءًا مع مرور الوقت، عندما حاول بعض الزملاء الغش بالقوة، وقام أحدهم وجذب ورقتي بالقوة وانا مازلت أجاوب، وحينها تدخل المراقب وقام بطرد الزميل الذي حاول الغش. الزميل أصيب بحالة هستيرية، وقام بتهديد اللجنة، مما استدعي رئيس لجنة المراقبة لاستدعاء الأمن، وخرج المراقبون في حماية قوات الامن، تمامًا مثلما حدث في الاسبوع الماضي في امتحان الشهادة الاعدادية.
 

ثانيا: الغش باستخدام التكنولوجيا


تطورت طرق الغش في العصر الحديث، وأصبحت تعتمد على أحدث طرق الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال التليفون المحمول، رغم انه ممنوع رسميا من دخول لجان الامتحانات. اتذكر وأنا عميد بطب المنصورة ان قام المراقب بتفتيش طالب وافد واستخرج من ملابسه عدد ٣ تليفونات محمولة. وفي احد اللجان وجدنا طالبة تغش من خلال سماعة صغيرة جدا في اذنها (Airpod)، مخبئة تحت طرحة الحجاب، وشاب آخر وجدنا معه الامتحان منقولًا بالاجابة على نظارة حديثة جدا،  وطالب كان يغش من ساعة كان يرتديها في يده. لقد تطورت أساليب الغش ولم تعد تقليدية مثل برشام عادل امام، او ميكروفون عبلة كامل.


وفي النهاية، أود أن أقول إن الغش في جميع أشكاله عملًا مجرمًا وغير مقبول دينيًا أو أخلاقيًا، ولكنه ليس مستحدثا. يجب ان يقوم علماء التربية وعلم النفس والاجتماع بدراسة الظاهرة، ومدى انتشارها بين طبقات المجتمع، ومدي تأثرها بمعدلات النمو والتطور وتداخلها مع الظروف  الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. كذلك يجب تغليظ العقوبة على كل غشاش، مهما كان مركزه الاجتماعي، وعدم السماح له بتحقيق رغباته والوصول إلى أهدافه بالغش والتدليس. وفي النهاية فإن الضرر الذي يُحدثه الغشاش، أينما كان موقعه، يقع على عاتق المجتمع الكبير.