السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوادث وقضايا

المستشار محمد خفاجي: الإبداع لا يعني ابتعاد أهل الفن عن مشكلات المجتمع 

 المستشار الدكتور
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الفن لا يمكن أن يعيش بلا حرية، وهو وثيق الصلة بالصراع بين الخير والشر والقبح والجمال قوام الحياة الإنسانية، وتثير بعض الأعمال الفنية من بين الحين والأخر صخبا مجتمعيا كبيرا إذا ما مست تقاليد المجتمع وأخلاقياته من وجهة نظر الرأى العام ولا يراه الفنانون كذلك , مما يثير التشابك بين الطرفين ويلزم فض هذا التشابك من طرف محايد بسياج القانون المنظم لحياة المجتمعات .

ويثور التساؤل حول مدى حرية الفن، هل يتجرد من كل شئ  ويصبح مطلقا أياً كان أم يتقيد بضوابط تحد  من حريته لصالح المجتمعات؟.. نجد الإجابة على هذه التساؤلات فى دراسة قانونية للمستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان: "مدى حرية الفن  بين محاكمة الإبداع والمقومات الأساسية للأمة المصرية"، حيث نعرض للجزء الرابع والأخير من تلك الدراسة لفض التشابك بين الرأى العام وأهل الفن فى خمسة عناصر، هي:

أولاً: الإبداع لا يعني استقلال أهل الفن بعيداً عن مشكلات المجتمع، بل بتناولها ونقدها ومعالجتها بحلول مبتكرة وهى رسالة الفن الحقيقى الهادف:

يقول المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، إن الإبداع لا يعني استقلال أهل الفن بذاتهم بعيداً عن مشكلات المجتمع، بل إن حقيق الإبداع يكمن فى الخوض في مشكلات المجتمع والعيش فيه بالتناول وبالتحليل والتفسير والنقد والقدح والمعالجة للبحث عن حلول مبتكرة مستجدة والأخيرة هى رسالة الفن الحقيقى الهادف، وإذا كان الإبداع عملاً فرديا أو جماعياً فهو رسالة مجتمعية تبغى الارتقاء بالمجتمع لرفع بنيته المعنوية نحو الأفضل، ومن ثم فإن الفنان الحقيقى الذى يعيش خالدا بين جمهوره هو الذى يجب أن يتجاوز ذاتيته الشخصية ورؤيته النفسية ليعبر بهما عن حقيق مجتمعه ليضيف إليه معان مستجدة من الايجابية والتقدم والرقى والفضيلة ولو على حساب ما يعالجه من ظواهر الرذيلة والجريمة ليستشرق المجتمع به ويساهم فى  القدرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل .

ثانياً: المبدع لا يردد أفكار غيره  ولا ينغلق به استئثارًا، بل يتعداه إلى الناس انتشارًا ليصبح مؤثرًا فيهم برسالته
ويضيف خفاجى، أن الإبداع الفنى أو الثقافى هو عبارة عن موقف حر واع من الفنان والمبدع يتناول فيه ألوانًا من الفنون والثقافات تتعدد أشكالها وصورها ، وتتباين طرائق التعبير عنها ، فلا يتناول ما هو نقل كامل عن أخرين ، ولا ترديد لآراء وأفكار يتداولها غيره  بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة ، وأن ينحلّ عملاً ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا. 

وأضاف: لو لم يكـن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدة، وأن يتخـذ كذلك ثوبًا ماديًا فعمل  الفنان المبدع لا ينغلق به استئثارًا، بل يتعداه إلى الناس انتشارًا ليصبح مؤثرًا فيهم برسالته، فحرية الفن والإبداع صار تشجيعها مطلوبًا عملاً بالدستور الذى تكفل لكل مواطن مبدع بحرية الإبداع الأدبى والفنى والثقافى مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكداً بذلك أن لكل فرد مجالاً حرًا لتطوير ملكاته وقدراته ، فلايجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها ، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها ، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاؤها كافل لحيويتها ، فلا تكون جثة هامدة دون حراك , وهى تكون جثة فنية لا فائدة ترجى منها إذا خلت من ثمة رسالة ايجابية تبعثها للمجتمع من وراء العمل الفنى .

ثالثاً: الإبداع يجب أن يكون في إطار قيم المجتمع وتقاليده وألا يمس أخلاقيات المجتمع وعقائد الناس , ورسالة نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية النهوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى والمحافظة على التراث الإنسانى والقومى والمصرى والعربى بين الأصالة والمعاصرة, ورسالة أكاديمية الفنون الاتجاه بها اتجاها قومياً يرعى تراث البلاد وأصالتها:

يقول المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، إن الفن بما يحمله من إبداع لا ينفصل عن حرية التعبير، بل هو من روافدها ، يتدفق عطاءً عن طريق قنواتها , وإذا كان القضاء يؤمن بأن قهر الإبداع هو عدوان مباشر عليه ، فإنه وبذات القدر يؤمن بأن حريـة التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصـوص عليهـا قانونا يجب أن يظل الإبداع الفنى والثقافى خلالها في إطار قيم المجتمع وتقاليده وألا يمس أخلاقيات المجتمع وعقائد الناس ومقدساتهم الدينية التى تحوط لها الدستور وكفل حمايتها .

ويشير نائب رئيس مجلس الدولة، إلى أنه وفقا للقانون رقم 35 لسنة 1978 فى شأن إنشاء نقابات وإتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية هناك ثلاث نقابات معنية بالفن بوجه عام هى:

- نقابة المهن التمثيلية
-  نقابة المهن السينمائية
- نقابة المهن الموسيقية. 
ولكل نقابة شخصيتها الاعتبارية المستقلة , حيث تضم نقابة المهن التمثيلية جميع المشتغلين بفنون التمثيل للسينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة والإخراج المسرحى وإدارة المسرح والمكياج والتلقين وتصميم المناظر والملابس المسرحية والفنون الشعبية والبالية ومؤدى ولاعبى العرائس وغيرهم.

كما تضم نقابة المهن السينمائية جميع المشتغلين بفنون الإخراج والسيناريو والتصوير وإدارة الإنتاج والمونتاج والمناظر والمكياج والصوت والمعامل وذلك فى قطاعات السينما والإذاعة المرئية " التليفزيون". بينما تضم نقابة المهن الموسيقية جميع المشتغلين بفنون الغناء بأنواعه المختلفة والعزف بأنواعه المختلفة والتأليف الموسيقى والتلحين والتوزيع الموسيقى وقيادة الفرق الموسيقية والتاريخ الموسيقى. ويجوز أن تضم كل نقابة إلى عضويتها النقاد المسرحيين والسينمائيين والموسيقيين وكتاب النصوص المسرحية والسينمائية والموسيقية بما يتفق وتخصص كل منهم، وتهدف كل نقابة من النقابات سالفة الذكر لتحقيق ما يخصها فيما يأتى: النهوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى , والمحافظة على التراث الإنسانى والقومى بوجه خاص المصرى والعربى فى هذه الفنون وتطويرها وفقاً لمقتضيات التقدم العالمى بما يجمع بين الأصالة والمعاصرة. والعمل على نشر وعرض وإذاعة الأعمال الفنية لأعضاء النقابة فى الداخل والخارج وتوفير العناصر الملائمة والإمكانات المتطورة اللازمة لهذا الغرض، وتنشيط الدراسات الفنية والإبداعية وتشجيع القائمين بها ورفع المستوى الفنى والعلمى لأعضاء النقابة وترشيح العناصر المتميزة فى مجالها الفنى لجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية على اختلاف أنواعها.

ويضيف المستشار خفاجى، أن المشرع فى القانون رقم 158 لسنة 1981 بشأن تنظيم أكاديمية الفنون أختص أكاديمية الفنون بكل ما يتعلق بتعليم الفنون والبحوث العلمية التي تقوم بها معاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضارياً، كما تسهم في رقي الفكر والفن والقيم الإنسانية والاتجاه بالفنون اتجاها قومياً يرعى تراث البلاد وأصالتها وإعداد المختصين في المجالات التي تختص بها، كما تعمل على توثيق الروابط الثقافية والفنية مع الأجهزة المشتغلة بالفنون في الوطن العربي والدول الأجنبية على الصعيدين المحلي والعالمي. وذلك فى جميع معاهد الأكاديمية وهى : المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى ( الكونسرفاتوار) والمعهد العالي للسينما. والمعهد العالي للباليه ,والمعهد العالي للموسيقى العربية , والمعهد العالي للنقد الفني، والمعهد العالي للفنون الشعبية.

رابعاً: ترجمة قصص السينما الأجنبية تتوقف على قدرة المترجم علي اختيار المعنى الدقيق من بين المعانى المترادفة

يوضح المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، أن الترجمة للأعمال الفنية الأجنبية ليست محض نقل عمل أدبى أو مؤلف أو سيناريو من لسان إلي لسان أو من لغة إلي لغة وإنما هي في ذاتها عمل أدبى وفنى لحمته الإبداع وسداه الفن حيث تعد ثقافة المترجم التي تختلف من مترجم لأخر هي مفتاح تميزه , فهو شريك للمؤلف فلا يقتصر دوره علي نقل العمل من لغة إلي لغة وإنما تحدد قيمة الترجمة علي قدرة المترجم علي اختيار المعنى الدقيق من بين المعانى المترادفة , ونقل أجواء الرواية والأحداث التي وقعت وشخوص هذا العمل الأدبي ومشاعرهم الإنسانية المتباينة , وهي قدرات تختلف من مترجم إلي أخر، ومن ثم كان المتلقى لهذا العمل الفنى يفاضل بين من قام بترجمته فيقبل ترجمة مترجم ويرفض أخرى , ويقبل سماع عمل موسيقى لفنان عالمى بقيادة قائد – مايسترو- معين ولا يسيغه إذا قام به قائد أخر , ذلك أن المترجم أو القائد يضفى علي هذا العمل من ذاتيته وبراعته في الترجمة والقيادة ما يختلف عن قدرة وبراعة غيره من المترجمين والقادة , ومن ثم كان للترجمة مبدعيها كما للمؤلفين من إبداع .

ويذكر أنه في ضوء ذلك حق لكل من يتصدى لإخراج عمل فنى سواء علي المسرح أو شاشة التلفاز أو السينما أن يختار ترجمة لهذا العمل الفنى تولاها مترجم محدد اَنس إليه واطمأن إلي أن لديه القدرة علي نقل النص المترجم بأجوائه وأحداثه وأشخاصه إلي اللغة العربية علي نحو يرتضيه ويعينه علي إخراجه بالشكل الذي يصبو إليه هو أيضاً كمبدع .

خامساً : الفن يجب أن يتمخض عن قيم وآراء ومعان يؤمن الفنانون والمبدعون بها ويدعون إليها تجعل مجتمعهم أكثر وعيًا بالحقائق والقيم التى يحتضنها :

ويختتم المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، دراسته موضحا أن المشرع الدستورى كفل حرية الإبداع الفنى والأدبى بموجب المادة (67) من الدستور وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والأدب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك , بحسبان أن الإبداع هو عمل ذهنى وجهد خلاق - علميًا كان أم أدبيًا أم فنيًا أم ثقافيًا - ليس إلا موقفًا حرًا واعيًا يتناول ألوانًا من الفنون والعلوم تتعدد أشكالها.

وأكمل: تتباين طرائق التعبير عنها ، فلا يكون نقلاً كاملاً عن آخرين ، ولا ترديداً لآراء وأفكار يتداولها الناس فيما بينهم - دون ترتيبها أو تصنيفها ، أو ربطها ببعض وتحليلها بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة ، وأن ينحلّ عملاً ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا، ولو لم يكـن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدة ، وأن يتخـذ كذلك ثوبًا ماديًا - ولو كان رسمًا أو صوتًا أو صورة أو سيناريو أو قصة فيلم أو عملاً حركيًا أو ترجمة لعمل أدبى – فلا ينغلق على المبدع استئثارًا، بل يتعداه إلى آخرين انتشارًا ، ليكون مؤثرًا فيهم , ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها ، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاؤها ، كافل لحيويتها ، فلا تكون هامدة ، بل إن التقدم فى عديد من مظاهره يرتبط بها ,فالإبداع لا ينفصل عن حرية التعبير بل هو من روافدها ، يجب أن يتمخض عن قيم وآراء ومعان يؤمن الفنانون والمبدعون بها ويدعون إليها ، ليكون مجتمعهم أكثر وعيًا بالحقائق والقيم التى تحتضنها.