الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الثورة التونسية في عشر سنوات.. من المهد الى اللحد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 أيام قليلة ويعيش التونسيون الذكرى الـ11 من ثورتهم التي لم يتّفقوا على تاريخها إن كان 17 ديسمبر 2010 أو 14 يناير2011، رغم ذهاب الكثيرين إلى تسميتها بثورة 17 ديسمبر 14 يناير، ومن المنتظر أن يخرج الآلاف من التونسيين لا للاحتفال ولكن للاحتجاج. 

غير أن شقا آخر من التونسيين لا يعتبرون ما حدث ثورة وأن الأحداث التي عاشتها البلاد في تلك الفترة إنما دبّر لها بليل وهي انقلاب عن حكم قائم وليس نسفا لنظام. هذا الجدل في حد ذاته قسّم التونسيين بحدّة وأدخل البلاد في أتون مسارات غريبة عنها، وكاد يؤخون الدولة بأكملها لولا مقاومة الوطنيين لهذا المد الخطير والذي نجح في تحطيم الاقتصاد وترزيل السياسة مقابل ظهور طبقة أسميها "أثرياء الثورة المسروقة" تتكون من عدد كبير من الإخوان المسلمين، تحوّلوا بسرعة قياسية من الفقر إلى الثراء الفاحش. هي ثورة؟ ! قبل الحديث والحسم في الثورة التونسية لابد من العودة الى مفهوم الثورة عند الفلاسفة القدامى وعند المعاصرين حيث يعتبر أرسطو الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحرّكه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب. وهي التغيير الكامل من دستور لآخر أو التعديل على دستور موجود. وتعرّف أيضا على أنها اندفاع عنيف من جماهير الشعب نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييرا أساسيا. أما التعريف الأكثر حداثةً للثورة فهو التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع. إذن وفق ما تقدّم من تعريفات وغيرها ما حدث في تونس بين 17ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 هو ثورة مبتورة لم تستكمل ويمكن تسميتها شرارة ثورة تراوحت بين الاشتعال والانطفاء خلال عشرية كاملة تراجعت فيها البلاد وتميزت بتراجع المؤشرات وتناميها في نفس الوقت حيث تراجعت المؤشرات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية وثقافة العمل مقابل تنامي مؤشرات الفقر والارهاب والجريمة والتضخم والعجز الاقتصادي. المؤشرات المعكوسة سياسيا: شكّل تاريخ 14جانفي 2011 لحظة انفجار سياسي بامتياز حيث انتقلت البلاد من حالة التكلس السياسي بحزب حاكم حكم البلاد لأكثر من نصف قرن وبعض الاحزاب الكرتونية الى مشهد سياسي بلغ في أشهر مئات الاحزاب أو الحزيبات مع ظهور تيارين حزبيين أحدهما اسلامي بجسد تونسي وقلب اخواني متجسدا في حركة النهضة واخر تقدّمي تمثل في احزاب كثيرة عجزت عن الانصهار في حزب واحد. ولم تنجح تجربة نداء تونس الذي فاز بتشريعية ورئاسية 2014 في الاستمرار وخلق المعادل للإسلاميين الذين ظلوا يحكمون ويتحكمون في المشهد السياسي، ويفتّتون الحزب تلو الآخر ما أنتج مشهدا سياسيا مقرفا وتراجعت معه كل المؤشرات السياسية المثالية، فأصبحت التحالفات المغشوشة فنا في ممارسة السياسة وأصبح نكث الوعود الانتخابية ثقافة محمودة في المشهد السياسي التونسي وماركة تونسية بامتياز فلن تكون سياسيا ناجحا في تونس إن لم تكن تكذب وتسرق وتنكث الوعود وتتقن فنّ التآمر وهندسة المؤامرات. وكان البرلمان ساحتها المثلى. كل هذا خلق نوعا من التململ الشعبي وصل حد الغضب والثورة على الطبقة السياسية برمتها يوم 25جويلية/ يوليو 2021 لتتراجع المؤشرات السياسية للصفر مع ما يمثل ذلك خطرا على البلاد يتعدّى السياسي الى الاجتماعي والاقتصادي. واليوم بعد مرور حوالي 6 أشهر على تجميد البرلمان، ومسك الرئيس سعيد كل السلطات، تواجه البلاد تصحّرًا سياسيًا لم يعرفه التونسيون حتى في أوج سنوات الديكتاتورية وحكم الحزب الواحد. وينظر العالم للخطوات العملية التي سيقدم عليها الرئيس سعيد لإعادة البلد الى الحضيرة الدولية بقوة. اجتماعيا: المجتمع ما قبل 14جانفي 2011 كان أفضل بإجماع كل التونسيين سواء في مستوى عيشهم اليومي أو في أمنهم أو في صحتهم فالمجتمع التونسي وحتى بشهادة الأجانب الذين يعيشون في تونس كان متماسكا وآمنا وكانت من أبرز دعائمه الطبقة الوسطى التي كانت تشكل 70بالمائة من المواطنين والتي بدأت بالتعرّض للتآكل وتختفي في ظرف سنوات قليلة حيث أصبح السلم الاجتماعي يتكون من طبقة صغيرة لا تتعدى 10بالمائة من الاثرياء وطبقة فقيرة في حدود 70بالمائة. والمؤشر الأخطر هو توسع طبقة الفقراء جدا حيث تجاوزت نسبة الفقر المدقع في تونس 18 بالمائة وهو رقم لم يسجلّ سابقا في البلاد حتى إبان الاستقلال. هذه الأرقام كانت لها انعكاسات مباشرة على مستوى الجريمة والسرقة اللذين بلغا مستويات قياسية في العشرية الأخيرة حيث سجلت تونس كما كشفت تقارير رسمية أن تونس سجلت في الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2020 أكثر من مليون قضية عنف على المستوى الوطني دون اعتبار حالات العنف التي لم تسجل بشأنها قضايا موثقة. وقد تطور معدل جرائم القتل منذ سنة 2011 بحوالي 40بالمائة عما كان عليه قبل سنة 2011. واللافت هو الانحدار الاخلاقي الكبير الذي بدا يسم المجتمع الذي أنتج سلوكا عدوانيا ظاهرا بالعين المجردة بين التونسيين في الشارع وفي الطرقات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث تصنف دراسات غير رسمية الشعب التونسي في قائمة الشعوب الاكثر عدوانية بعد أن كان التونسيين مثالا يحتذى ومرحب بهم في كل مطارات العالم. هذه الوضعية الاجتماعية والتي غذّاها الإخوان الحاكمون في البلد والأحزاب المتشددة القريبة منها بالخيمات الدعوية وبإغراءات التسفير الى بؤر التوتر بحجة الجهاد فرّخت آلاف الإرهابيين في وقت وجيز وهم في أغلبهم شبان في عمر الزهور تم استغلال فقرهم وحاجتهم ليصنعوا منهم قنابل موقوتة منها ما انفجر والكثير لايزال يهدد المجتمع التونسي بالانفجار الكبير الذي سيكون في شكل ثورة جياع آتية لا محالة كما يؤكد الخبراء. اقتصاديّا: لا يختلف عاقلان أن الاقتصاد كان أكبر الضحايا من السنوات العجاف 2011/2021 حيث تراجعت نسبة النمو من حوالي 5و6 بالمائة قبل الثورة إلى 1 فصفر فإلى واحد واثنين وثلاثة مقابل ارتفاع التضخم الى 5،7 بالمائة في أواخر سنة 2021، كما يغرق البلد في الديون، إذ يتجاوز حجم الدين العام 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ومن المؤكد أنها ستتجاوز ذلك بكثير ما يهدد بإحالة البلاد إلى نادي باريس. واليوم الاقتصاد التونسي يبحث عن مصادر تمويل للميزانية 2022 مع انسداد الأفق وتعطل المفاوضات مع الجهات المقرضة والمانحة حيث تواجه حكومة بودن مشاكل وصعوبات في إقناع التونسيين واتحاد الشغل خصوصا بتوجهاته الإصلاحية التي بها وحدها يمكن إقناع صندوق النقد الدولي بمنح قرض لسدّ جزء من ميزانية 2022 فهي اليوم كمن يريد المشي على البيض دون تكسيره. عود على بدء، من المؤكد أن تونس على موعد مع تغيير كبير على المستوى الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي حيث ستكون سنة 2022 مفصلية حيث أن الفشل في أي ملف من الملفات يعني دخول البلد في دوامة العنف والفقر. والتونسيون اليوم مدعوون الى العمل سوية على تجنيب وقوع ثورتهم ثورة الياسمين وشرارة الربيع العربي في اللحد بعدما ولدت من مهد الشارع التونسي.