الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عقلاء البشر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مما اتفق عليه عقلاء البشر أن التخصصات العلمية محترمة، فلا يقبلون من غير المتخصص في فن من الفنون أن يتصدّر لإفتاء أو تأليف أو توجيه في غير فنه لما في ذلك من الجناية على العلم، وفتنة الناس وتضليلهم، ثم ليكون هو نفسه مصونًا عند غيره فلا يُستهدف بالنقد أو الرد..
"لو سكت من لا يدري لقل الخلاف"
كلمات من ذاكرة التاريخ؛ تنسب لحجة الإسلام والمسلمين أبي حامد الغزالي "رحمه الله"تكتب بماء الذهب لما تحمله من معاني كبيرة وعميقة؛لها من الجانب العملي والمجتمعي الكثير والكثير.
هذا الإمام الكبير صاحب إحياء علوم الدين هذا السفر الكبير الذي قيل فيه لو نفذت علوم الأمة ولم يتبق منها غير الإحياء_كتاب إحياء علوم الدين_لكفيها.
وقيل:لو بعث الله الأموات لأوصوا الأحياء بما في الإحياء !
قديما قالوا:ثلاثة أشياء يفتي فيها كل الناس الدين والطب والسياسة!
هب أنك جلست في مجلس(ما) وشكوت من ألم أو مرض أو إعياء؛ لبادر جل من حولك إلا ما رحم ربي لوصفات طبية؛وبأنواع من العقاقير والأدوية المختلفة؛وكأنهم جميعا أضحوا أطباء؛ولو أنك انصعت لهم؛ لكانت النتيجة هي إزهاق روحك على أسوأ الأحوال!
و على هذا فقس الدين والسياسة؛فلا تقل الفتوى فيهما بلا علم أو دراية خطورة؛ عن ضرر الفتاوى الطبية من غير المتخصصين.
فإذا كانت الأولى تمرض الأجسام وتهلكها؛فإن الثانية والثالثة تهدم الفكر والمعتقد؛وتعكر أمن الأوطان وإشاعة الاضطراب والفوضى!
فماذا علينا لو ظل كل منا في مجاله؛وفي تخصصه؛إذن لكانت النتيجة:أن استراح الناس واستراحت الدنيا عن بكرة أبيها.
وقديما قيل:"لو أنصف الناس لاستراح القاضي"!
وكلامنا هذا لا يعني إقصاء للفكر أو تجميدا للعقول؛فحرية الابداع مكفولة للجميع؛واعمال العقل تحليلا للرؤى من عوامل تقدم الأمم والشعوب.
ولكن المقيت إعطاء الفتوى من غير المتخصصين؛واسناد الأمور إلى غير أهلها.
جميعنا يتابع صفحات السوشيال ميديا "جمهور الفيسبوكيين"هذا العالم الافتراضي وما يحمله من وجوه تنكرية؛ تسعى جاهدة بكافة أدواتها في  تضليل الرأي العام من خلال صفحاتها المشبوهة وفتاويها التخريبية المأجورة!
فكم نحن في أشد الحاجة إلى تفعيل الرقابة؛على هذا المد المخيف وملاحقة القابعين خلف ستاره حسبة لله والوطن.
فعلي سبيل المثال نرى الفرق بين الأزهري الحق والمتمسلف أن الأول يحتاج إلى أكثر من ثلاثين سنة من الدراسة والتحصيل حتى يطلق عليه لقب عالم..
في حين أن الأخير بمجرد أن يطلق شعيرات لحيته ويجمع بعد الكتيبات القادمة من الخارج_وكلنا يعرفها_ينصب من نفسه عالما لا يشق له غبار !
وما أفسد المجتمعات غير هؤلاء المارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية!
الناس في تلقي الفكر والإبداع، وإدراكهم بالوعي وصواب العقل منقسمون إلى عدة أقسام فمنهم:المثقفون، الرزناء وهؤلاء يقدرون الفكر والمعرفة، ويقدرون الإبداع وأهله ويقيّمون الأفكار ويزنونها بموازين عقولهم، ويعرفون ما يُطرح وما يصاغ.
وقسم من الناس يجمع بين الوعي، وبين الثقافة والإلمام بمقتضياتها وله خوض وتجربة ومعرفة بها ولكنها ليست تلك المعرفة المكينة الراسخة المتجذرة التي تجعل موقفه موقفًا صلبًا مما يطرح ويقال.
بينما هناك المتطفلون على الثقافة والفكر والإبداع وهؤلاء ينساقون ويندفعون وراء كل ما يسمعونه ويحاولون أن يتعلقوا بشيء من ذلك، وأن يتشبثوا بأطراف وأهداب بعض المعارف، أو بنتف ثقافية من هنا وهناك.
وهؤلاء في العادة لا يترددون في أن يحسبوا أنفسهم من الثقافة وأهلها.. ومشكلة هؤلاء أن حصيلة وعيهم بالثقافة محدود، ومع هذا يشعرونك بأن ثقتهم بأنفسهم مطلقة فترى بعضهم يحشر أنفه في زمرة المثقفين والمبدعين والفلاسفة!