الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصريون عرفتهم فى باريس «١٧»منى رجب التى جعلتنا نقرأ «الأهرام» من الصفحة الأخيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت الصفحة الأخيرة من صحيفة الأهرام علامة متميزة فى الفن الصحافى المصرى على مدى ١٠٠ عام منذ أن تولى رئاسة التحرير هذه الصفحة فى الستينيات الراحل الكبير كمال الملاخ. ولكن عرفت عن قرب السيدة الكاتبة منى رجب التى تولت رئاسة تحرير هذه الصفحة قبل عدة سنوات وجعلت منهأ منبرًا ليس فقط للأخبار الصحفية وإنما أيضًا للأحداث الثقافية والإعلامية والفكرية التى عاشتها مصر فى التسعينيات من القرن الماضي.

كانت الزميلة الصحفية الكبيرة منى رجب تتميز بقدرتها الهائلة على استيعاب الثقافة الفرنسية من ناحية وعلى التواصل الدائم مع إعلام الفكر والثقافة فى مصر والبلاد العربية واستطاعت أن تصهر ذلك كله فى المساحة المحدودة المخصصة لأخبار الفن والثقافة فى الصفحة الأخيرة، والتى كانت تتعدى عليها متطلبات الدعاية والإعلان ذلك أن الصفحة الأخيرة أصبحت مقروءة من كل قطاعات المجتمع المصرى وأصبح للدعاية والإعلان مكانة فى نفس الصفحة وأحيانًا تتعدى الدعاية والإعلان على المساحة المخصصة للفن والثقافة وكان على منى رجب أن تحاول بقدر الإمكان الحفاظ على مساحة الصفحة.

أى أن شهرة الصفحة الأخيرة أصبحت سلاحًا ضدها، وقد رايتها تتعامل مع الزملاء وكانهم أفراد من أسرتها وكانت تعطى لكل منهم فرصته كى يأخذ حظه فى العمل والنجاح، وكانت منى رجب تعشق باريس وتأتى إليها كلما سنحت الفرصة لحضور الندوة أو مهرجان أو لقاءات بمعهد العالم العربى أو بمكتب الأهرام فى باريس، وكانت ترى أن باريس هى نافذة على العالم ومن هنا كان اهتمامها بكل الأخبار التى أرسلها عندما كنت أعمل بمكتب الأهرام فى باريس.

ولم تكن باريس بالنسبة لها شارع الشانزليزيه فقط كما هو الحال للأسف مع أغلب من يزور فرنسا من أبناء مصر والعروبة وإنما كانت فرصة للتعرف على آخر الكتب، وخاصة التى تعالج جانبا من جوانب الحضارة المصرية قديما وحديثا وكنا نسير معا ونتوقف أمام فاترينات المكتبات ونتناقش فى موضوع الكتاب حتى دون أن نشترى الكتاب نفسه.

وكانت باريس بالنسبة للزميلة العزيزة منى راغب هى أيضًا المدينة التى كانت تعالج فيها والدتها الراحلة لفترة طويلة، وكانت شغوفة بمعرفة آخر تطورات العلوم الطبية وأيضًا لا تمل أبدأ من متابعة ما يحدث فى مصر أثناء إقامتها فى باريس. وكانت والدتها الراحلة زوجة الكاتب الراحل الكبير أنيس منصور وكنا نجتمع ثلاثتنا فى مكتب الأهرام تارة أو فى أحد المطاعم الباريسية تارة أخرى، وكانت لحظات من السعادة أن نجتمع بعيدًا عن الوطن بقلب باريس للحديث عن همومه والتطلع إلى مستقبل أفضل له.

واستمرت الزميلة العزيزة منى رجب فى الكتابة فى الأهرام فى عمود خاص بها فى الصفحة الأخيرة تعرض فيه رأيها فى الأحداث الثقافية وكانت على علاقة جيدة بسيدات المجتمع المصرى وما زالت تواصل من خلال هذه العلاقات خدمة المجتمع وقضاياه، خاصة فى الأوقات الحرجة التى عاشتها مصر فى السنوات الأخيرة.

استطاعت منى رجب أن تشكل من خلال الصفحة الأخيرة مدرسة يجتمع فيها الفن والثقافة والمتطلبات الصحافة ومستلزماتها من ضغوط تمارس عليها وكان لا بد من إيجاد أو اختراع لغة وسط تستطيع من خلالها أن تقول كل شيء دون أن يسبب لك ذلك خصومة مع فنان أو عداوة مع كاتب أو سوء فهم مع هذا الزميل أو ذاك فى صحيفة أخرى.

يمكن اختصار هذه المدرسة بأنها مدرسة الانفتاح على الثقافات الأخرى والانفتاح على قوى المجتمع المصرى دون الصدام معه، وذلك يشكل ضمانة لاستمرار العمل دون افتعال أزمات لأن المفتاح الحقيقى لتحرير الصفحة الأخيرة هو ألا تتوقف الصفحة الأخيرة عن الإبداع وعن شد جمهور القراء إليها كل صباح فى مصر والعالم العربى حتى إنه أصبح لدى ملايين القراء عادة جديدة هى أن يبدأ قراءة جريدة الأهرام بالمقلوب أى بدءًا من الصفحة الأخيرة، وكان هذا هو النجاح الكبير الذى حققة كمال الملاخ وواصلت دعمه وتوسيع نطاقه الزميلة منى رجب كل التحية لها وللزملاء فى الصفحة التى يرأس تحريرها الآن الزميل العزيز والمهنى القدير أشرف مفيد.