الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الشعر يجمعنا.. "الرياح" للسوداني محمد الفيتوري

الشاعر السوداني محمد
الشاعر السوداني محمد الفيتوري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولًا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس، التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع، والشكل، ليستمر العطاء الفني متجددًا ودائمًا كما النهر..
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان: "الرياح"  للشاعر السوداني محمد الفيتوري، وذلك تزامنا مع ذكرى ميلاده، التي تحل اليوم الأربعاء.
رُبَّمَا لمْ تَزَلْ تلكم الأرض 
تسكن صورتها الفلكية 
لكن شيئاً على سطحها قدْ تكسَّر 
رُبَّمَا ظل بستانُ صيفك 
أبْيضَ في العواصف 
لكنَّ بْرقَ العواصف 
خلف سياجكَ أحْمر 
رُبَّمَا كانَ طقسُك، ناراً مُجوسِيَّةً 
في شتاءِ النعاس الذي لا يُفَسَّرْ 
رُبَّما كُنْتَ أَصغر 
ممَّا رَأَتْ فيكَ تلك النبواءتُ 
أَو كنتَ أكْبَرْ 
غير أنك تجهل أَنَّك شَاهِدُ عَصْرٍ عتيقْ 
وأن نَيازِكَ مِنْ بشرٍ تتحدَّى السماء 
وأن مَدَارَ النجوم تغير!! 
هَاقَدْ انطفأتْ شرفاتُ السِّنين 
الْشِعَّةُ بالسِّحْرِ واللُّؤْلؤ الزَليِّ 
وَأَسْدَلَ قصْرُ الملائكة المنشِدينَ سَتائِرِهُ 
وكأنَّ يَداً ضَخْمَةً نسجت 
أُفقاً مِنْ شرايينها 
في الفضَاءِ السَّدِيمىّ 
هَا قَدْ تداخَلَتْ اللُّغَةُ الْمُستحِيلةُ 
في جَدضل الشمْسِ وَالظّثلمَات 
كأنَّ أصابعَ مِنْ ذَهبٍ تَتَلَمَّسُ 
عبر ثقوب التضاريس 
إيقَاعَهَا 
تَلِكُمْ الكائِنَاتُ التي تتضوَّعُ في صَمِتَها 
لم تُغَادِرُ بَكاراتَها في الصَّبَاح 
وَلَمْ تشتعل كرة الثَّلْجُ بَعْد...! 
فَأَيَّةُ مُعْجِزَةٍ في يَدَيْك 
وَأَيَّةُ عَاصَفَةٍ في نَهَارِكْ 
إنِّي رأيتُ سُقُوطَ الآله 
الذي كانَ في بُخارِسْت 
كما لوْ بُرْجُ إيفل في ذات يَوْمٍ 
كما لوْ طغَى نَهْرُ السِّين 
فوْقَ حوائطِ باريسْ 
كانَ حَرِيقُ الإله الذي 
مَاتَ في بُوخَارِسْتَ عَظيماً 
وَكانَ الرَّمادُ عَظِيماً 
وَسَالَ دَم بَارد في التُّرَابْ 
وَأُوصِدَ بَابْ 
وَوُرِبَ بَابْ 
وَلكنَّ ثَمَّةَ في بوخارِسْت بلادي أنَا 
لا تزولُ الطَّواغِيتْ 
أَقْنِعَة تشرِكُ الله في خَلقه 
فهي ليستْ تشيخ 
وليْسَتْ تَمُوتْ! 
وَقَائمةُ هي ، باسم القضيَّة 
وَأَنْظِمةِ الخطب المِنْبَريَّة 
وَحَامِلة هى، سِرَّ الرِّسَالةُ 
وَشَمْسَ العدالةْ 
وَقَادِرة هي، تَمْسَخُ رُوحَ الجمالْ 
ولا تعرف الحقَّ 
أو تعرف العدل 
أوْ تَرِفُ الاسِتقَالة 
وفي بوخارسْت بلادي 
أَزْمِنَة تكنِزُ الفَقْرَ خَلفَ خَزَائِنِها 
وَسُكون جَرِيحْ 
وَأَشبَاحُ مَوْتَى مِنَ الجُوع 
تخضرُّ سيقانهم في الرمالْ 
وتَيْبَسُ ثُمَّ تقِيحْ! 
وَمَجْد من الكبرياءِ الذليلة 
وَالْكذِب العربيِّ الفصيحْ 
كأنّك لمْ تأتِ إلاَّ لِكيْ تُشعِلَ النَّارَ 
في حطب الشَّرقِ وَحْدك 
في حطب الشرقِ وَحْدَكَ 
تَأْتِي.. 
وَشَمْسُكَ زَيُتُونَة
وَالبَنَفْسَجُ إكليلُ غَارك 
ولا شيء في كُتبِ الغَيْبِ غَيرُ قَرَارِكْ
إنِّي رَأيتُ رِجَالاً 
بَنَوْا مِنْ حِجَارة تارِيِخهِمْ وطناً 
فَوْقَ حائِط بَرْلين 
وَانْحَفَرُوا فيه 
ثم تَوَارَواْ وَرَاءَ السِّنين 
لكيْ لا يُنَكِّس رَايَتَهُ المَجْدُ يوماً 
على قُبَبِ الميِتِّينْ 
وكيلاَ  تَدُورَ على الأَرْضِ 
نَافَورَةُ الدم والياسمين! 
وفي بُوخَارِسْتَ التي 
سَكَبَتْ رُوحَهَا فيك 
وَازْدَهَرَتْ في نُقوش إزارِكْ 
في بُوخارِسْتَ انتظَارِكْ 
سماء تكادُ تَسيل احْمِرَاراً 
وَأيدٍ مُقَوِّسَة" تَتَعانَقُ خَلْفَ الغيومْ 
وَآجُرَّةُ مِنْ تُرابِ النُّجُومْ 
تَظَل تُبعثِرُهَا الرِّيحُ 
خَلْفَ مَدَارِكْ.