الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمد أبوالعلا السلاموني يكتب: المهرجان القومي للمسرح وقضايا التكريم

الكاتب المسرحي محمد
الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استطاع المهرجان القومي للمسرح المصري بقيادة الفنان يوسف إسماعيل أن يطلق مبادرات مهمة تؤكد قوميته وهويته الفكرية والثقافية حين رفع شعار "مائة وخمسون عامًا" احتفاءً واحتفالًا بميلاد ونشأة المسرح المصري الحديث منذ "يعقوب صنوع" ولعباته التياترية في دورة العام الماضي، وها هو اليوم يطلق شعار "دورة الكاتب المسرحي" على دورة هذا العام احتفاءً وتقديرًا لدور المؤلف المسرحي المصري في نهضة وتقدم هذا المسرح. 

وفي الحقيقة أن هذين الشعارين يُعتبران إنجازين هامين في حياتنا المسرحية وتاريحنا الفني لما لهما من ضرورة قومية وبمثابة عودة الروح للحياة الفنية المسرحية التي كادت تضيع تحت وطأة دعاوى الإحباط من بعض المتشككين في الريادة المسرحية وتاريخ المسرح المصري إلى حد قتل وموت هذه الريادة وتفريق دمها بين قبائل المنطقة وتمزيقها لتصبح مجرد ريادات غريبة وعجيبة في كل مكانٍ وأي مكانٍ إلا في مصر، بالإضافة إلى موت المؤلف المسرحي المصري بسكين ما يُسمى الكتابة على الكتابة، وصياغة نصوص ملفقة سواء مقتبسة من أعمال أجنبية أو بتوليفةٍ إخراجيةٍ محلية لا ملامح لها بلا فكر أو رؤية سوى بعض ألاعيب التقنية وأساليب العرض التجريبية، مما أدى في النهاية إلى أن لجان التحكيم لم تجد بُدًا من أن تعلن حجب جائزة التأليف المسرحي في عددٍ من دورات المهرجان.

ولم يكن معنى هذا أن مصر خلت من المؤلف المسرحي كما يعتقد البعض ولكن كان يعني إقصاء هذا المؤلف وإبعاده لصالح بعض المخرجين والمُعدين الذين يتصورون أن الكاتب المسرحي لم يعُد له وجود إلا في الصيغة التلفيقية التي يعبثون بها والتي وصل بعضها إلى صورة اسكتشاتٍ هزيلة وهزلية أطلقوا عليها اسم مصر. 
 

وعلينا أن ندرك أن إقامة مهرجانٍ قومي للمسرح لا يعني أنه تحصيل حاصل للعروض المسرحية المختلفة، وإنما هو بمثابة الهيئة الكبرى للتقييم والتقويم للحالة المسرحية المصرية ومسيرتها بما تشتمل عليه من لجانٍ كاللجنة العليا ولجنة التحكيم ولجنة الخدمات.

وهذه اللجان الثلاث تتحمل المسئولية لوضع أمور المسرح في نصابها وليست المسألة تمضي بعشوائية أو بخضوع لمراكز القوى والضغط والمصالح والأغراض الشخصية والإدارة البيروقراطية، لأن هذه اللجان بمثابة برلمان المسرح ولا بد أن يتم اختيار أعضائها وفقًا لمعايير ثقافية فكرية وفنية معلنة حتى يمكن أن تضع استراتيجية لمسيرة وتقدم المسرح ملتزمة بمواد وبنود لائحة المهرجان التي صدرت عام 2005م.
 

بمناسبة اللائحة أذكر أنني كنت عضو لجنة المسرح الذي كتب مذكرة من أجل عودة المهرجان القومي للمسرح بعد توقفه عشر سنوات وظللت وراء المذكرة متابعًا لها طوال هذه السنوات العجاف دون كللٍ أو ملل حتى وافقت الوزارة وتشكلت لجنة من صندوق التنمية الثقافية لإعادة المهرجان وكنت ممثلًا للجنة المسرح لوضع لائحة المهرجان وأهدافه التي ذُكرت في المادة الثانية وكان هذا نصها: "دفع الحركة المسرحية المصرية وتشجيع المبدعين من فناني المسرح ومنتجيه العاملين في الساحة على التنافس الخلاق من أجل تحقيق مسرحٍ مصري أصيلٍ وممتع يتبنى آمال المجتمع ويعاون على تأكيد قيمه النبيلة ويحقق رسالته التنويرية ويشارك في صنع مستقبل أفضل للوطن والمواطن". 

وهذا الهدف من المفترض أن يترجم ترجمةً عملية من خلال اللجنة العليا ولجنة التحكيم ولجنة الندوات بحيث يحقق معنى مسرح مصري أصيل ويحقق رسالة تنويرية ويشارك في صُنع مستقبل الوطن والمواطن على حد ما جاء في اللائحة. 

وهذا الأمر يقتضي.. هذه اللجان الثلاث أن توضع نصب أعينهم استراتيجية لترجمة هذه الأهداف لدى كل لجنة عند اتخاذ القرارات بدلًا من الارتجال والتصرف بصوررةٍ عشوائية بلا معايير علمية وموضوعية عند الاختيار، خصوصًا أن اللجنة العليا نفسها تم اختيار أعضائها بطريقةٍ ما لا نعرف لها معيارًا فضلًا عن أن الأعضاء بحكم وظائفهم مشغولون ولا يحضرون عادة كما أن الجلسات لا تتعدى جلسة أو جلستين لاختيار لجنتي التحكيم أو الندوات والتي يتم أيضًا اختيار أعضائها عفو الخاطر والذاكرة بلا معايير واضحة أو ضوابط محددة ودون النظر إلى الأهداف الموجودة باللائحة.
أما الكارثة الأكبر فهي التي تحدث عند اختيار المكرمين سواء من الأحياء أو الراحلين، ومن هنا تحدث الكثير من الخلافات والانتقادات والاحتجاجت والاستنكارات بسبب اختيار البعض أو تجاهل البعض الآخر، كل هذا يحدث لعدم وجود قواعد ومعايير موضوعية واضحة عند الاختيار. كذلك الأمر بالنسبة للجنة الندوات التي تتضارب فيها الآراء بصورةٍ ارتجالية وأحيانًا عشوائية ولا يتحقق الهدف الذي حددته اللائحة التي يُضرب بها عرض الحائط في كثير من الأحيان.
 

في العام الماضي أثيرت قضية من أخطر القضايا عندنا وهي قضية الريادة المصرية في المسرح والتي فجَّرتها ندوة أقامتها "الهيئة العربية للمسرح" في القاهرة عام 2019م والتي وصل التشكيك في هذه الريادة إلى حد اقتطاع 35 عامًا من عمرها لتبدأ الريادة عام 1905م على يد سلامة حجازي بدلًا من 1870م على يد يعقوب صنوع، وحينها أعلنت لجنة المسرح رفضها لهذا التشكيك واعتبرته طعنًا في الريادة المصرية ولا بد من الرد عليه. وجاء الرد بالفعل حينما أعلن الدكتور عمرو دوارة في مجلة الكواكب مبادرة الاحتفاء بمرور 150 عامًا على الريادة المصرية والتي استجابت لها وزارة الثقافة مشكورة واتخذها المهرجان القومي للمسرح شعارًا له في دورته الماضية أي الاحتفال ببداية مسرحنا الحديث عام 1870م على يد يعقوب صنوع الرائد الأول للمسرح المصري. 

فما الذي حدث؟ اجتمعت اللجنة العليا واتخذت قرارًا مغايرًا وهو الاحتفاء بدورة آباء المسرح حتى لا يُذكر اسم يعقوب صنوع باعتباره شخصية المهرجان مع أن عام 1870م هو عام الاحتفاء ببداية المسرح المصري الحديث على يديه وبلا جدال. هذا يعني الارتجالية والعشوائية في اتخاذ القرار، مع أن مسرح يعقوب صنوع هو الذي ينطبق عليه تمامًا صيغة هدف اللائحة المحدد في هذه الجملة "تحقيق مسرح مصري أصيل" لأن يعقوب صنوع كتب مسرحه وألعابه التياترية وهو يعيش داخل جلبابه المصري الشعبي الذي تحتقره النخبة المتحذلقة، بينما الآباء الآخرون كانوا يعيشون داخل جلباب المسرح الأوروبي الأفرنجي بما أنتجوه من ترجمة وتعريب وتمصير واقتباس الذي تقدسه هذه النخبة المتحذلقة. كل هذا يحدث نتيجة افتقاد المعايير والاستراتيجية وتجاهل اللائحة التي هي بمثابة الدستور للمهرجان وهذه اللائحة التي حاول البعض على مدار الدورات السابقة تعديلها وباءت محاولاتهم بالفشل.

وفي هذا العام تمت مبادرة مهمة لاستدراك هذا الخطأ الكبير وذلك حين صدر كتاب "دفاعًا عن تاريخ المسرح المصري" الذي طبعه مؤلفه الناقد الكبير أحمد عبد الرازق أبو العلا على نفقته الخاصة حرصًا منه للدفاع عن الهوية الثقافية والريادة المسرحية الشعبية للمسرح المصري وأثار به ضجةً كبرى في الأوساط الثقافية والفنية وفي كل وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية والإذاعية والتليفزيونية. ومع ذلك فإن اللجنة العليا للمهرجان لم تنتبه إلى هذه القضية القومية للاحتفاء بهذا الكتاب ومؤلفه الذي يستحق كل الإشادة والتكريم في دورة هذا العام.
 

وأذكر أيضًا أن الهيئة المصرية العامة للكتاب أصدرت خمس مجلدات من موسوعة المسرح المصري المصورة والتي تبلغ سبعة عشر مجلدًا، وأيضًا لم تلتفت اللجنة العليا لهذا الإنجاز الثقافي الضخم الذي لا تتحمله سوى مؤسسة كبرى، ولم تحتفِ به أو تكرم مؤلفه الناقد والمؤرخ المخرج الكبير الدكتور عمرو دوارة الذي يعتبر بحق جبرتي المسرح المصري الحديث بما أنجزه من مؤلفات أخرى في النقد والتوثيق إلى جانب الإخراج. والغريب في الأمر أن هذا الرجل المؤسسة حينما طُرح اسمه للتكريم على صفحات التواصل الاجتماعي وجد ترحيبًا منقطع النظير من قِبل جميع الأوساط الثقافية الرسمية والشعبية سواء في داخل مصر أو خارجها والعينة بينة وعلى رؤوس الأشياء ويمكن الرجوع إليها.
ومع ذلك وهذا هو الغريب العجيب في الأمر أن اللجنة العليا للمهرجان لم تأخذ انتباهًا إلى هذه الظاهرة التي تؤكد أن هناك رأيًا عامًا ثقافيًا واسعًا كان من الواجب أن يؤخذ في الاعتبار والاحترام عند ترشيح المكرمين في مهرجان هذا العام.
 

وهذان مثلان كبيران "يسدان عين الشمس" كما يقول المثل يحققان أهداف المهرجان، وهناك أمثلة عديدة يمكن ذكرها حققت إنجازات مسرحية كبرى لم يتم تكريمها أو تقديرها نتيجة هذا الارتجال وهذه العشوائية وافتقاد الاستراتيجية والمعايير الموضوعية سواء عند ترشيح المكرمين أو عقد الندوات. أذكر من هذه الإنجازات التي يتجاهلونها وتستحق التكريم بجدارة هذا الإنجاز الصحفي الكبير الذي قام به المركز القومي للمسرح بإصدار مجلة المسرح الشهرية في ثوبها الجديد بصورة منتظمة وأنقذت ماء وجهنا الثقافي والمسرحي عندنا وفي المنطقة العربية بعد سنواتٍ سابقةٍ فشلت فيها المجلة عن الإصدار. ألا يستحق هذا الإنجاز تكريمًا في شخص رئيس تحريرها الناقد الكبير عبد الرازق حسين؟ والحقيقة التي يجب أن ننوه إليها أن التكريم ليس كما تراه اللجنة مجرد مسألة سن أو شيخوخة أو خبرة أو مجاملة أو جبر للخواطر أو الإحسان أو ما شابه من المبررات الواهية، وإنما العبرة بالإنجازات العظيمة لفن هذا الوطن الذي يعيد بناء نفسه ويسابق الزمن.
 

ولعل ما يحدث من إنجازاتٍ قوميةٍ كبرى في وطننا من أجل بناء جمهورية جديدة وحياة كريمة أمر يستحق التأمل واتخاذه مثلًا في مسائل التكريم والتقدير الذي نراه مستمرًا أمامنا يوميًا على شاشات التليفزيون، ودعوني أتذكر وإياكم إنجازات أخرى عظيمة في مجال المسرح مازلنا نتجاهلها مع أنها تستحق منا أن نرفع لها القبعة إجلالًا وتقديرًا، منها الإنجازات الفكرية الكبرى التي قدمتها دكتورة نجوى عانوس عن تاريخ المسرح المصري حيث أفنت من عمرها أربعين عامًا لتُخرج أكثر من أربعين مؤلفًا تؤكد فيه الهوية الثقافية المصرية وشعبية وأصالة المسرح المصري منذ يعقوب صنوع حتى اليوم فضلًا عن إشرافها على عشرات الرسائل العلمية في المسرح، وأذكر أيضًا إنجاز المخرج الكبير أحمد إسماعيل ومشروعه القومي الذي شاركت فيه الهيئة العامة لقصور الثقافة ووزارة التربية والتعليم المعروف بمسرح "الجرن" الذي أفنى عمره في تأسيسه وتنفيذه والتنظير له، وكذلك الشاعر يسري حسان، والناقد محمد الروبي، أذكر أيضًا المهرجان العربي الذي تقيمه "الجمعية المصرية لهواة المسرح" التي أسسها المخرج المؤسسة دكتور عمرو دوارة بمجهوده الشخصي حتى أنقذ ماء وجهنا أمام إخواننا العرب بعد توقف مهرجان المسرح العربي في دورته الأولى والأخيرة.
 

هل أذكر لكم جهود مركز الإبداع الذي يتخرج على يديه نجوم الفن والمسرح والسينما بقيادة المخرج الكبير خالد جلال، وجهود المعهد العالي للفنون المسرحية ونقابة المهن التمثيلية في إقامة مهرجانات سنوية بجهودها الذاتية، وكذلك جهود وزارة الشباب والرياضة التي تقيم مهرجانها السنوي للعام العاشر "إبداع" لاكتشاف مواهب شباب الجامعات ومراكز الشباب في كل أنحاء مصر، وجهود الكنيسة القبطية في إقامة عروضها المسرحية بالمئات بل بالآلاف؟ ماذا أذكر بعد ذلك؟ عفوًا لا أريد أن أنسى إنجازاتٍ أخرى تستحق منا الالتفات إليها وتكريم القائمين عليها دون ضجيجٍ أو عجيج. وسامحوني إن كنت أثقلت العبء على اللجنة العليا للمهرجان التي تضم نخبة من الأصدقاء والأعزاء الذين أكن لهم كل التقدير والاحترام ولكني أُذكِّرهم وأُذكِّر نفسي حتى يتداركوا أمرهم هذا وإن الذكرى لتنفع المؤمنين وغير المؤمنين.