الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

متاهة العاشق» لـ«عبدالوهاب داود».. لوحة موزاييك في محبة مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمثل رواية «متاهة العاشق» للأديب والكاتب الصحفي عبدالوهاب داود، رصدًا جماليًا لملامح مصر الخالصة وانتصاراتها على المحن التي واجهتها والأحداث الجسام التي توالت عليها، بدءا من العدوان الثلاثي مرورا بحقبة السبعينيات ثم عهد مبارك من خلال الشخصيات التي تتحرك بحرية في فضاء النص وتفجر طاقاته.
يضفر «داود» في «متاهة العاشق» السياسي بالاجتماعي، والشخصي بالمجمعي وكيف يشتبك كل منهما مع الآخر، كيف يعطيه ويأخذ منه، كيف ينفصل عنه ويتصل به في الوقت ذاته.
بطل الرواية متعدد الأسماء هو حامد عطية مبروك أو حسن، أو مصطفى-غَالبًا- هو الشخصية المحورية التي يقوم عليها النص وحركة أحداثه، وتتسم بمزيج حريف من الصفات التي تعطيها نكهة خاصة مميزة، تتضح وتتجلى في جدليتها مع الشخصية الأكاديمية للدكتور كرم أستاذ التاريخ برصانته وثقافته وأزمته أيضا.
فتنقل مشاعرنا من العادي إلى غير العادي. من السهولة والبساطة إلى إعمال العقل واستفزاز مشاعرنا نحن أيضا كقراء فنتورط معهما لأنهما ببساطة جزء من عالمنا. وهو ما يعطي الرواية وهجها وابتسامتها وحزنها الشفيف، ونبلها الذي لا يمكنك الفرار منه. من هذه الصفات عشق الحياة والشهامة، التصالح مع الذات وعشق النساء. قد نتفق أو نختلف حول الصواب والخطأ.
حول المعقول واللامقبول اجتماعيا ودينيا كل على حسب ثقافته لكننا جميعا نتوحد في الاصطفاف وبمحبة معهما حول الوطن، ونتعرف ذلك من خلال المحطات المتوالية من حياة حامد مبروك عطية والتي تستعرضها الرواية بدءا من طفولته، ووقوعه بشكل قدري في طريق الدكتور كرم مما يدفعه إلى أن يعيد النظر في حياته. وينجح في أن يستعيدها من جديد. بعيون جديدة وفرح وتفاؤل.
اختيار شخصية أستاذ التاريخ في «متاهة العاشق» لاشك له دلالته التي تتواءم مع فكرة الرواية وشخصياتها التي تنجح في جذبنا إلى متاهة الأحداث ثم تقودنا إلى الخروج منها العودة إلى حياتنا الجميلة التي فقدناها فتخبطنا نتيجة هذا الفقد.
تدور أحداث الرواية بين القاهرة والإمارات، وتبدأ بسفر الدكتور كرم في مهمة علمية ولقائه بحامد أو حسن أو مصطفى وهو في أوج أزمته العاطفية والزوجية بل والوطنية. حتى عودتة إلى القاهرة من جديد بروح جديدة منتصرا لمصر، وهويتها رغم مرورها بحقبة البترودولار وغزو الفكر الوهابي والحوادث الإرهابية، التي بدأت حربها ضد المجتمع في التسعينيات وأرخته بالتفجيرات وأشلاء الأبرياء، ووثقت حضورها في الشارع بنمط الملابس المعروفة كالجلباب القصير وغيره مما لا يخفى على أحد.
ليس هذا كل ما تضمه الرواية في عالمها، فهناك الحب بمختلف أشكاله وهناك الخيانة والغفران اللذان يُهزمان أمام الرغبة في الحياة، تلك الرغبة التي تستمد وقودها من الحب الحقيقي وإعلاء قيمة الأسرة.
يعتمد عبدالوهاب داود في روايته على المجاز والرمز في الكتابة، بالشكل الذي لا يحيلك إلى معناه الحرفي بل إلى إعمل عقلك والوصول إلى ما خلف الجملة السردية البسيطة، ويختار زوربا من كزانتزاكي الذي يدلنا عليه من الغلاف، ويقيم حوارا دائما مع حامد عطية مبروك. الذي لم ينكسر أو يكتئب مهما طاله من أذى أو فشل في حياته. لكن الأهم من ذلك هو الرمزية التي تصور مصر كفلاحة أصيلة متجددة، لا تموت. وتضىء ضحكتها النهار.