الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

آبى أحمد «ميلوسفيتش» أفريقيا.. عام على المغامرة الفاشلة فى تيجراي.. 2.5 مليار دولار ديون تحملتها إثيوبيا بسبب الحرب.. والانهيار الاقتصادى والعسكرى أبرز نتائج المغامرة

رئيس الوزراء الإثيوبي
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل الرابع من نوفمبر من العام الماضي، كانت تتمركز قوات تحرير شعب تيجراي، فى عاصمة الإقليم الشمالى لإثيوبيا ميكلي، وتبعد نحو 900 كيلو متر عن العاصمة أديس أبابا، بينما بعد عام من اندلاع الصراع بين الجيش الإثيوبى وحلفائه، وجبهة تيجراى باتت الأخيرة على مقربة من العاصمة وقطعت أكثر من نصف المسافة بسيطرتها على مدينة ديسى التى تبعد 385 كيلومترا فقط عن أديس أبابا.

وبعدما كان هدف تيجراى استعادة السيطرة على الإقليم، بات هدفهم هو الوصول إلى العاصمة وإسقاط رئيس الوزراء الإثيوبى نظام آبى أحمد، ليتأكد فشل مخطط «أحمد» الذى أصبح على رأس نظاما آيلا للسقوط فكلما اقترب التيجراى من العاصمة، كلما ضاق الخناق على الحاصل على جائزة نوبل للسلام وأدخل بلاده فى حرب أهلية أكد الخبراء أنها ستنتهى بتفكك الدولة الأكبر في القرن الأفريقي، وثانى أكبر بلدان القارة السمراء من حيث عدد السكان. 

 

لماذا يحارب آبي أحمد جبهة تيجراي ؟

إقليم تيجراي، يقع فى أقصى شمال إثيوبيا بها عدد من المرتفعات الجبلية والسهول، يسكنه نحو ٦ ملايين شخص، يتحدثون اللغة التيجرينية، وفى الحدود الجنوبية يوجد إقليم الأمهرة، وتحده من الشمال إريتريا، ويعتبر السمسم من المحاصيل الرئيسية التى تزرع فى الإقليم، حيث يتم تصديره إلى الولايات المتحدة والصين ودول أخرى.

وسيطرت عرقية تيجراى على الحكم فى إثيوبيا، من ١٩٩١ حتى ٢٠١٨ بعد تولى رئيس الوزراء آبى أحمد السلطة، وهو ينتمى إلى عرقية الأورومو.

وكان سبب الصدام بين آبى أحمد وتيجراي، هو تأجيل الانتخابات الإثيوبية التى كان من المفترض أن تجرى فى يونيو ٢٠٢٠، وتزرع آبى أحمد بجائحة كورونا، وأعلنت الجبهة أن حكومة رئيس الوزراء الإثيوبى غير شرعية وفقدت تفويضها بإدارة شئون البلاد، لتجرى انتخابات فى الإقليم بعيدا عن سلطات أديس أبابا وهو الأمر الذى أغضب آبى أحمد ليبدأ حملته العسكرية.

وبات الحديث عن إثيوبيا بعد الرابع من نوفمبر ٢٠٢٠ مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحالة اليوغسلافية، التى انتهت بالتفكك أواخر القرن الماضي، وأصبح رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، أشبه بمجرم الحرب سلوبودان ميلوسوفيتش، حيث أدخل بلاده فى نفق مظلم جراء الحرب التى بدأها قبل عام ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، واستمرت طوال ١٢ شهرا أسفرت عن تشويه الوجه الذى حاول آبى أحمد، تصديره للعالم على أنه رجل الإصلاح والسلام، حتى أنه نال جائزة نوبل للسلام فى عام ٢٠١٩ بعد إبرامه اتفاقية سلام مع أسياسى أفورقى رئيس إريتريا، غير أنه سرعان ما تحول إلى رجل حرب يقتل شعبه ويجوع ويحاصر عرقية تيجراي، ناهيك عن النزيف الذى يعانى منه الاقتصاد المترنح.

 

تنامى الكراهية 

وتسببت حرب تيجراى فى رفع عدد من الأقاليم الأخرى شعارات الانفصال والاستقلال عن السلطة الفيدرالية التى بدأت تفقد السيطرة رويدا رويدا جراء المقاومة الكبيرة التى أبدتها جبهة تيجراي، التى أعلنت نيتها الانفصال حتى أنها ترفع علما غير العلم الإثيوبي.

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

ويلوح السيناريو اليوغسلافى فى الأفق مع توارد أنباء اعتزام قادة تيجراى الانفصال خاصة مع تنامى الكراهية بين تيجراى والعرقيات الإثيوبية الأخرى جراء الممارسات التى واجهها أبناء الإقليم الشمالى من قتل واغتصاب وتقطيع أطراف الجثث، لتبقى تلك الممارسات جرحا مفتوحا فى قلوب أبناء تيجراي.

وشبهت النائبة بمجلس العموم البريطانى أرمينكا هيليتش، فى مقال لها بمجلة «بوليتيكو» الأمريكية، أغسطس الماضى الأزمة التى تحيط بإثيوبيا، ونظام رئيس الوزراء آبى أحمد، بما حدث ليوغسلافيا إبان عقد التسعينيات من القرن المنصرم، وقالت «هيليتش» التى ترجع أصولها إلى البوسنة والهرسك، إن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد قال مؤخرًا إن بلاده تواجه عدوًا وهو سرطان إثيوبيا، ولقد ميز بشكل مخيف بين الإثيوبيين المنتمين لعرقية التيجراى وغيرهم فى البلاد، واصفًا أطفال إثيوبيا بأنهم «قمح» وخصومه من التيجراى بالأعشاب التى يجب اقتلاعهم بطريقة لن تنمو مرة أخرى أبدًا.

وأضافت النائبة: «قبل ثلاثين عامًا، فى البلد الذى ولدت فيه يوغوسلافيا، كانت اللغة اللا إنسانية المماثلة مقدمة للتطهير العرقى والإبادة الجماعية، وأوجه التشابه بين إثيوبيا ويوغوسلافيا تجعلنى أشعر بالخوف على شعب إثيوبيا، وعلى أولئك الذين يعانون من العنف، وعلى أولئك الذين يتم تنفيذ هذا العنف باسمهم».

أسرى الجيش الإثيوبي

وقالت منظمة العفو الدولية فى تقرير لها نشرته إن الجيش الإثيوبى إلى جانب الجيش الإريترى وميليشيات الأمهرة، ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، خلال حربهم ضد إقليم التيجراي، وأضاف التقرير: «ارتكبت القوات التى تقاتل لدعم الحكومة الفيدرالية عمليات اغتصاب واسعة النطاق ضد النساء والفتيات من عرقية تيجراي»، وأوضحت: «من بين الجناة أعضاء من قوات الدفاع الإريترية وقوات الدفاع الوطنى الإثيوبية والقوات الخاصة لشرطة أمهرة الإقليمية، وهى ميليشيا أمهرة غير رسمية».

وقالت العفو الدولية فى تقريرها: «عرّض الجنود والميليشيات نساء وفتيات تيجراى للاغتصاب والاغتصاب الجماعى والاستعباد الجنسى وأشكال أخرى من التعذيب، مستخدمين فى كثير من الأحيان الشتائم العرقية والتهديدات بالقتل»، مشيرة إلى أنه من الواضح أن الاغتصاب والعنف الجنسى قد استُخدما كسلاح حرب لإلحاق أضرار جسدية ونفسية دائمة بالنساء والفتيات فى تيجراي.

 

تهديد القرن الأفريقى

وامتدت نيران حرب تيجراى إلى دول الجوار، وكان أولها إريتريا التى دخلت الحرب لدعم آبى أحمد، ودخل الجيش الإريترى إلى تيجراى فى البداية إلا أنه انسحب منها بعد تحقيق جبهة تيجراى انتصارات متتالية كان ذروتها فى نهاية يونيو الماضى بطرد الجيش الإثيوبى من ميكلي.

وهددت الإدارة الأمريكية أكثر من مرة الرئيس أسياسى أفورقى بفرض عقوبات عليه، كان آخرها حينما بدأت الحملة الثانية لآبى أحمد ضد تيجراى فى مستهل أكتوبر الجاري، ودعوة السيناتور شيرمان القوات البحرية الأمريكية بالتصدى لإريتريا فى أعالى البحار، فى أول دعوة تدخل عسكرى منذ بدء الصراع.

ولم يكن الصومال فى منأى عن لعنة تيجراي، حيث شهدت البلاد أزمة كبيرة تسببت فى إقالة رئيس المخابرات ياسين، وتصاعد التوتر بين الرئيس محمد فرماجو، ورئيس الوزراء محمد حسن روبلي، حيث طلب الأخير من «ياسين» إجراء تحقيق فى مسألة اختفاء العميلة بقطاع الأمن السيبرانى فى المخابرات الصومالية إكرام تهليل وأفضى التحقيق الذى سلمه «ياسين» لـ«روبلى» بأن حركة الشباب الإرهابية هى التى اغتالت «تهليل» إلا أن رئيس الحكومة كذب تلك الادعاءات وما زاد الطين بلة هو نفى «الشباب» لتقرير المخابرات بشأن علاقتها باختفاء «تهليل».

وفيما بعد تبين أن إكرام تهليل كانت تملك معلومات عن الجنود والأطفال الصوماليين الذين زج بهم فرماجو فى حرب تيجراي، وطالب عائلاتهم بالكشف عن مصير أبنائهم دون أى رد من السلطات الصومالية، لتصيب لعنة تيجراى الصومال التى تعانى فى الأساس من فوضى وتفكك وعدم استقرار.

ولم يكن السودان أفضل حالا من إريتريا والصومال، حيث تربطه حدودا مباشرة بإقليم تيجراي، فكان الوجهة الأولى للاجئين الذين هربوا فرارا من القتل الذى انتشر فى شوارع إقليم تيجراي، واستضافت ولاية القضارف الواقعة شرق السودان عشرات الآلاف من اللاجئين المنتمين لعرقية تيجراي، على الرغم من حالة التوتر التى تجمع الخرطوم بأديس أبابا جراء التعنت الإثيوبى فى أزمة سد النهضة إضافة إلى استعادة السودان للفشقة وخروج بيانات إثيوبية كاذبة تدعى تبعية المنطقة لها.

ومثلما نزح عشرات الآلاف من اللاجئين إلى السودان، أرسلت الجثث عبر النهر إلى القضارف، وكانت مقطعة الأطراف ومشوهة وكشف مسئولون سودانيون أن الجثث تحوى على علامات تؤكد انتمائها لعرقية تيجراي.

وحاول رئيس الوزراء السودانى عبدالله حمدوك، التوسط فى أزمة تيجراى إلا أن المتحدثة باسم آبى أحمد وصفت «حمدوك» بأنه وسيط غير نزيه ما تسبب فى نشوب أزمة دبلوماسية بين الجارتين أسفرت عن استدعاء السفير السودانى من أديس أبابا.

 

طرد المنظمات الإغاثية

كانت بداية معاداة إثيوبيا للمجتمع الدولي، بالهجوم على مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم بسبب انتمائه إلى عرقية تيجراي، حيث زعم قائد الجيش الإثيوبى السابق الجنرال «برهانو جولا» إن «جيبريسوس» لم يدخر جهدًا لدعم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى ومساعدتهم فى الحصول على أسلحة، وهو الاتهام الذى تجاهلته المنظمة الدولية ومديرها، فى الوقت الذى لم يفصح فيه «جولا» عن أى دليل على تصريحه الذى أدلى به بعد أسبوعين من العدوان على إقليم تيجراي.

مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم

وفى أغسطس الماضى واصل آبى أحمد تحدى العالم بطرد ٧ من الموظفين الأممين من بلاده، ما استوجب غضبا عالميا عارما، بسبب ممارسات رئيس الوزراء الإثيوبى الذى يحاصر تيجراي، ويستخدم الجوع وسيلة فى الحرب، وجاء الإجراء الإثيوبى ردا على تصريحات مارتن جريفيث، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية الذى أوضح أن الحصار الفعلى الذى استمر قرابة ثلاثة أشهر على حدود تيجراى قد حد من وصول المساعدات إلى ١٠٪ مما هو مطلوب. وقال «جريفيث»: «هذا من صنع الإنسان ويمكن تداركه من خلال تصرفات حكومية» مشيرا إلى أن ما يقرب من ربع الأطفال فى تيجراى يعانون من سوء التغذية».

وجاء طرد الموظفين الأممين امتدادا للتصرفات الإثيوبية غير المسئولة تجاه المنظمات الدولية حيث علقت أديس أبابا عمليات الفرع الهولندى لمنظمة أطباء بلا حدود الخيرية، والمجلس النرويجى للاجئين، فى أغسطس الماضى متهمة إياهما بتسليح مجموعات متمردة، وحتى ذلك الحين كان قد قتل ٢٣ من عمال الإغاثة فى إقليم تيجراى منذ اندلاع النزاع.

وقبل هروب الجيش الإثيوبى من «ميكلى» فى يونيو الماضى بأيام قليلة، قُتل ثلاثة عاملين فى منظمة «أطباء بلا حدود»، هم إسبانية وإثيوبيان، وقالت المنظمة: «فقدنا الاتصال بهم وبالسيارة التى كانوا يتنقلون فيها، وهذا الصباح، عثِر على السيارة فارغة وعلى جثثهم على بعد بضعة أمتار منها»، منددة بـ«اغتيال وحشى»، مضيفة: «العاملون كانوا هناك لمساعدة السكان، ولا يمكن أن نتصور أنهم دفعوا حياتهم ثمنًا لذلك».

أطباء بلا حدود في اثيوبيا

 

انهيار اقتصادي

وكانت آثار حرب تيجراى على الاقتصاد الإثيوبى كارثية، وكان آخرها خفض وكالة «موديز» التصنيف الائتمانى السيادى لإثيوبيا فى أكتوبر الماضى للمرة الثانية منذ مايو الماضي، وذلك بسبب التأخير فى إعادة هيكلة الديون، والحرب الأهلية المستمرة فى إثيوبيا، وقال التقرير الصادر عن «موديز» إنه تقرر خفض التصنيف بمستوى واحد إلى Caa٢. وكانت «موديز» وضعت إثيوبيا فى مارس الماضى قيد المراجعة لخفض التصنيف، قبل خفض التصنيف بعد شهرين.

وفى سبتمبر من العام الجاري، طلبت إثيوبيا من صندوق النقد الدولى ترتيب تسهيلات ائتمانية مطولة جديدة، حول كيفية التعامل مع ديون إثيوبيا الخارجية، التى تبلغ قرابة ٣٠ مليار دولار، فيما كشفت وكالة بلومبرج الأمريكية فى تقرير لها يوليو الماضى عن تحميل الخزينة الإثيوبية ديونا تقدر بـ٢.٥ مليار دولار منذ بدء الحرب، بسبب التضارب فى القرارات الاقتصادية والانخراط فى حروب أهلية كبدت البلاد ديونًا طائلة.

وفى ٢١ أكتوبر المنصرم أصدر صندوق النقد الدولي، تقريره بشأن توقعات النمو الاقتصادى الإقليمى فى دول أفريقيا جنوب الصحراء خلال العام المقبل ٢٠٢٢، جاء البيان بشأن إثيوبيا أمرا نادرا ولافتا حيث تركت الخانة فارغة، وتوقع صندوق النقد الدولى أن تسجل أفريقيا جنوب الصحراء نموا بنسبة ٣.٧٪ عام ٢٠٢١ و٣.٨٪ عام ٢٠٢٢ وسيكون الانتعاش فى أفريقيا جنوب الصحراء الأبطأ فى العالم نظرًا إلى أن الاقتصادات المتقدمة ستنمو بأكثر من ٥٪ فيما البلدان الناشئة والنامية ستنمو بأكثر من ٦٪، وكانت الأزمة الاقتصادية سببا رئيسيا فى اتخاذ قرار بغلق أكثر من ٣٠ سفارة حول العالم.

توقعات صندوق النقد الدولي بشأن إثيوبيا

وكان تجدد الحملة العسكرية الإثيوبية ضد تيجراي، فى اعتزام واشنطن طرد أديس أبابا من قانون النمو الأفريقى المربح للولايات المتحدة «أجوا» الذى يعد ضربة كبيرة للبلد الأفريقى حيث إن نصف صادراتها تتجه للولايات المتحدة، إلى جانب أثره المباشر على العمالة المحلية حيث تتركز معظم صادرات «أجوا» فى صناعة النسيج وهى صناعة كثيفة العمالة.

 

انهيار الجيش الإثيوبي

كان الأثر الأكبر للحرب فى تيجراي، هو انهيار الجيش الإثيوبي، والذى بدأ بحملة اعتقالات شنتها السلطات ضد الضباط المنتمين لعرقية تيجراي، وكان عددهم ٧٦ ضابطا متهمين بالارتباط بجبهة تحرير تيجراى الشعبية، بعد أسابيع قليلة من الحملة العسكرية فى نوفمبر ٢٠٢٠، ناهيك عن أسر ٨ آلاف جندى إثيوبى فى تيجراى وهروب الجيش من العاصمة ميكليى نهاية يونيو الماضي.

وكان الانهيار الكبير الذى حدث للجيش الإثيوبي، بداية فى دخول الصراع مرحلة خطيرة، حينما وجه آبى أحمد نداء إلى العرقيات الإثيوبية الأخرى بحمل السلاح ضد تيجراي، وكأنه أصدر أمرا ببدء الحرب الأهلية الإثيوبية، وكرر آبى أحمد نفس النداء فى الثانى من نوفمبر الجاري، حينما طالب سكان أديس أبابا بحمل السلاح استعدادا لمواجهة جبهة تيجراى التى وصلت إلى بلدة كومبولشا بإقليم أمهرة.

انهيار الجيش الاثيوبي

 

إبادة تيجراي

ينتهج آبى أحمد سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقى فى حربه ضد تيجراي، وهو ما أكده وزير الخارجية الفنلندى ومبعوث الاتحاد الأوروبى لإثيوبيا بيكا هافيستو، الذى أكد أن القادة فى إثيوبيا، كشفوا خلال محادثات مغلقة معه فى وقت سابق من العام الجاري، أنهم يعتزمون «إبادة سكان إقليم تيجراى لمدة ١٠٠ عام»، محذرًا من أن مثل هذا الهدف يبدو بالنسبة لنا كتطهير عرقي. 

وكان «هافيستو» قد قال فى فبراير الماضى إنه عقد اجتماعات بناءة على مدى يومين وبشكل مكثف مع آبى أحمد ووزراء رئيسيين بشأن الأزمة الإنسانية المتفاقمة فى تيجراي. وعلى الرغم من نفى الحكومة الإثيوبية لتصريحات المبعوث الأوروبي، إلا أن آبى أحمد عاد وتحدث عن تيجراى واصفا إياهم بـ«سرطان إثيوبيا» والأعشاب التى يجب اقتلاعهم بطريقة لن تنمو مرة أخرى أبدًا.

وفى مستهل مايو الماضى أصدرت الحكومة الإثيوبية قرارا بتصنيف الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى وجماعة أونق شنى كمنظمات إرهابية، وهو القرار الذى اعتمده البرلمان الإثيوبى فيما بعد.

 

نظام آبي أحمد يقترب من السقوط و«بلقنة» القرن الأفريقي السيناريو الأقرب

وفي هذا السياق، قال الدكتور ناصر مأمون عيسى، مستشار الشئون الأفريقية فى مركز رع للدراسات الإستراتيجية إن إثيوبيا تشهد اشتدادا كبيرا فى الصراع والحرب الأهلية، التى تعانى فى الأساس من الاحتراب العرقي، وكان آبى أحمد جهز قواته مستعينا بالقوات الإريترية لكبح جماح جبهة تحرير شعب تيجراي، التى وصلت إلى مدينة ديسى التى تبعد عن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مسافة ٣٨٥ كيلومترا، مؤكدا أن الصراع سيؤدى لنشوء صراعات أخرى.

الدكتور ناصر مأمون عيسى

وأوضح فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» أن حرب تيجراى تسببت فى تنامى الضغوط الداخلية ضد رئيس الوزراء الإثيوبى بسبب تدهور الاقتصاد وعدم الوفاء بوعده بشأن سد النهضة وتوليد الكهرباء، وتردى الأوضاع المعيشية والأمنية فى عدد من الأقاليم. وأضاف «مأمون» أن كل هذه التفاعلات ستؤدى فى النهاية إلى لفظ الشعب الإثيوبى لنظام آبى أحمد، إلى جانب فرض عقوبات دولية عليه وهو ما يعجل بسقوط النظام و«بلقنة» القرن الأفريقي، بتفكك إثيوبيا.

ولفت إلى أن الحل غير العسكرى لهذا الصراع مستبعد إلا فى حالة محاكمة النظام الإثيوبى أمام محكمة العدل الدولية بسبب جرائمه التى ارتكبها فى الحرب، مرجحا تحقيق جبهة تيجراى المتحالفة مع جبهة أورومو بعد احتلال إقليم أمهرة.

 

تجاهل المجتمع الدولى

وفي السياق نفسه، قال الدكتور أكرم حسام نائب مدير مركز رع للدراسات الاستراتيجية وخبير الشئون الإقليمية والعسكرية، إنه بمرو عام على حرب تيجراي، فإنه يتضح أن إثيوبيا تعانى من الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي، وسيظل هذا الملف مفتوحا طوال الفترة المقبلة لأن النظام الإثيوبى فقد السيطرة واقعيا، وجبهة تيجراى لا تزال تتحرك باتجاه العاصمة أديس أبابا، وهو ما يؤكد فشل آبى أحمد تماما.

الدكتور أكرم حسام

وأضاف فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» أنه من المحتمل أن نشهد خلال الفترة المقبلة سيطرة جبهة تيجراى على كامل الأقاليم الإثيوبية، فى الوقت الذى بدأ بعض الأطراف الدولية خاصة الولايات المتحدة ممارسة بعض الضغوط على نظام آبى أحمد، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان. وأشار إلى أن المجتمع الدولى يتجاهل مسائل مهمة جدا فى هذا الصراع وعلى رأسها حق تيجراى فى المطالبة بالانفصال وتقرير المصير، بالإضافة إلى الجرائم التى ارتكبها النظام الإثيوبى خلال حرب تيجراي، لافتا إلى تقصير دولى فى محاسبة المتورطين على رأسهم «أحمد» فى تلك الجرائم التى ترقى لتكون جرائم ضد الإنسانية، الذى نال جائزة نوبل للسلام ولكنه أدخل بلاده فى حرب أهلية.

واستبعد «حسام» أن تتدخل الولايات المتحدة عسكريا فى ذلك الصراع استجابة لدعوة السيناتور الأمريكى براد شيرمان، الذى طالب بتدخل البحرية الأمريكية فى الصراع، وأشار إلى أن واشنطن تنتهج سياسة الانسحاب من مناطق الصراعات، وبالتالى ستترك الأزمة فى إثيوبيا تتفاعل طالما أن مصالحها لم تتأثر.

وأكد أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، تهتم فقط بملف حقوق الإنسان إلى جانب التدخل الإريترى فى صراع تيجراي، حيث تمارس واشنطن ضغوطا على أسمرة لسحب قواتها المشاركة فى الحرب. ولفت إلى أن الصراع بين تيجراى وأديس أبابا غير قابل للتسوية على المدى المنظور، وسيبقى ملف تيجراى شوكة فى ظهر نظام رئيس الوزراء الإثيوبى وعلامة سوداء فى ملفه أمام شعبه والمجتمع الدولي.

وأوضح أن مرور عام على حرب تيجراي، وفشل النظام فى حسمها لصالحه يكشف هشاشة النموذج الإثيوبى ووجود نقاط ضعف عديدة داخل البلاد، وفشل بناء دولة وطنية فى ظل التعدد العرقى الذى له تأثير كبير فى تكوين الدولة.