الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قسوة القلب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعتقد الكثير من الناس بأن القلب مجرد عضو يضخ الدم إلى مختلف أعضاء الجسم، ولكن بالتأكيد للقلب وظائف أخرى أهم من ذلك بكثير؛ فهو محل الرّحمة والرأفة والرِّقة واللين والمحبة، أو القسوة والفظاظة والغلظة والكراهية والحقد، وتُعرف القسوة بأنها الشدة والصلابة في كل شيء، ومن المعلوم أنَّ العلاقة بين القلب والعقل وطيدة ومباشرة، فإذا صح القلب صح العقل، ويؤكد ذلك ما ورد في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول: «..ألا وإنَّ في الجسد مضغةً، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» [البخاري ومسلم]، ففي هذا الحديث ذكر النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كلمةً جامعةً، وهي أنَّ أساس صلاح الجسد وفساده مبني على صلاح القلب وفساده؛ فإذا صلح القلب صلحت إرادته، وصلحت جميع الجوارح، وانبعثت إلى طاعة اللَّه، وإذا فسد القلب فسدت إرادته، ففسدت جميع الجوارح، وانبعثت في معاصي اللَّه عزَّ وجلَّ، والصفة الأصيلة في النّفس البشرية هى الرّحمة؛ ومع ذلك قد يعترى القلب مرض القسوة فيتكبر صاحبه ولا يتقبل موعظة ولا يكترث لفعل معصية.

والرّحمة عاطفة طبيعيةٌ لا تحتاج لمبرّر لوجودها، ويكفيها أنها صفة من صفات اللَّه سبحانه وتعالى، وخلق الأنبياء والمرسلين، وسمة الأولياء والصالحين، ولقد سمّى اللَّه تعالى نفسه بصفتين تدلّان على صفة الرّحمة، وهما الرحمن والرحيم، قال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54]؛ فهو رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة، وقد تنمو الرّحمة وتقوى لأسباب خارجيَّة، وفي المقابل قد تضعف وقد تنعدم وقد تنقلب إلى قسوةٍ فتكون شعور طارئٌ وظاهرةٌ مرضية تدلّ على وجود خللٍ في حياة الإنسان، وقد خاطب اللَّه عزَّ وجلَّ بها نبيه فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

مواضع ذُكر صفة قسوة القلب في القرآن الكريم ستة مواضع، وهم على نحو هذا الترتيب:
الموضع الأول: ويُعدُّ أقوى ما جاء فى وصف قسوة قلوب بني إسرائيل، إذ كانوا يُكذبون بالرسل، ويجحدون بآيات اللَّه قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74].
الموضع الثاني: قوله تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13].
الموضع الثالث: قوله تعالى {وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43].
الموضع الرابع: قوله تعالى {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِقُلُوبُهُمْ} [الحج:53].
الموضع الخامس: قوله تعالى {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22].
الموضع السادس: قوله تعالى {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد:16]، ومن خلال هذه الآيات يتضح لنا أن أبعد الناس عن الله هم أصحاب القلوب القاسية.

قال ابن القيم: ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن اللَّه، وقد خلقت النار لإذابة القلوب القاسية، وإذا قسا القلب قحطت العين، أي: احتبست وجفت الدموع ويبست العين، والنفس التواقة إلى التوبة والاستقامة يرسل اللَّه لها من يأخذ بيدها ويخرجها إلى النور فرحمة اللَّه واسعة.. الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف.