الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سمير شحاتة.. وثورة ثروت عكاشة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى ظل ما نستشعره من تراجع الحركة النقدية والكتابة المتخصصة للفنون جميعا، نجد بعض التجارب الجادة التى تبرهن على وعى القائمين عليها، ومحاولاتهم لإثراء الحركة الثقافية والفنية، والتى لا يمكن أن تتكامل أو تزدهر دون كتابات نقدية وثقافية موازية.

وضمن تلك المحاولات الدؤوبة إصدارات الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، والتى  تختص بتنظيم ورعاية الفن السينمائي في مصر، منذ تأسست في أكتوبر 1973 برئاسة الناقد كمال الملاخ، وعدد من البارزين في مجال الفن السينمائي المصري، ويترأسها الآن الكاتب والناقد السينمائى الأستاذ الأمير أباظة، والذى يترأس كذلك مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الذى أسسته الجمعية عام 1979 وتنظمه كل عام.. ولزيادة الثقافة السينمائية ودعما لها تصدر الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما بعض الكتب على هامش مهرجان الإسكندرية السينمائي كل عام، وضمن الإصدارات القيمة للدورة الأخيرة للمهرجان فى سبتمبر الماضى، كتاب "ثورة عكاشة" للكاتب المتميز الأستاذ سمير شحاتة.

وقد جذبني الكتاب ليس فقط لقدر وأهمية الشخصية الثرية التى يتناولها، وهو الدكتور ثروت عكاشة، والذى ما زلنا نعيش حتى يومنا هذا فى ظل إنجازاته غير المسبوقة، وما حققه للثقافة المصرية، ولكن منذ قرأت العنوان الجذاب الذى "قل ودل" والذى لم يقتصر فيه "الجناس الناقص" بين كلمتي ثورة وثروت على البلاغة اللغوية والجمال الشكلي، بل كان المضمون أكثر بلاغة، حيث اختزل تاريخ هذا الرجل ودوره الحقيقي الذى كان بمثابة ثورة حقيقية فى تاريخ الثقافة المصرية.. فيكفي من إنجازاته على سبيل المثال أكاديمية الفنون، ومشروع الصوت والضوء، وقصور الثقافة والثقافة الجماهيرية، وإنقاذ معابد النوبة، ومسرح العرائس، والسيرك القومى.. إلى جانب المشروعات الخاصة بالفنانين أنفسهم مثل: مراسم الفنانين بالبيوت الأثرية، وتسويق الأعمال الفنية، ومنح التفرغ.

 يتناول الكتاب حياة “عكاشة” وخبراته وأدواره المختلفة خلال مراحله، إلى جانب ما يقدمه من معلومات مهمة تتعلق بالحقبة التى عاشها، ومقارنتها فى بعض الأحيان بالماضى أو بالحاضر  دون إجحاف.. فتناول مثلا كيف كانت مصر تتمتع بنهضة ثقافية  قبل 1952، وقبل إنشاء وزارة الثقافة فى نوفمبر 1958، والذى تولاها عكاشة حتى 1962 ثم تولاها مجددا بعد أربع سنوات.. وكيف لم يكن هناك جهاز ثقافي قائم بذاته قبل إنشائها إلا إدارة الكتب ومصلحة الآثار.. وإدارة عامة للثقافة أنشأتها وزارة التربية والتعليم.. ومصلحة الفنون التى أنشأها وزير الإرشاد القومى فتحى رضوان.. ومن المعلومات التى استوقفتنى وأوجعتنى ما يتعلق بمنح البعثات التى تعمل فى الحفائر فى النوبة ما يعادل 50 في المائة من الآثار التى تكتشفها كهدية!.. ومنها بعض معابد النوبة التى أهديت لبعض الدول تقديرا لمساهمتها فى إنقاذ المعابد المهمة!.. ومن ضمن المعابد التى أهدوها بالفعل فى أوائل الستينيات: (معبد دندور إلى الولايات المتحدة والذى أقامته فى متحف المتروبوليتان بنيويورك.. ومعبد دابود إلى إسبانيا والذى أعادوا تركيبه فى الميدان الملكي بمدريد.. ومعبد طافا إلى هولندا وأعيد تشييده فى متحف ليدن)، بالإضافة لإهداء مقصورة الليسيه إلى إيطاليا والتى أقامتها فى متحف تورينو.. وإهداء رأس أمنحتب الرابع إلى فرنسا بناء على رغبتها!.. كما تناول الكتاب إهداء حكام مصر مئات القطع الأثرية للأجانب -قبل تعديل القانون فى عصر الرئيس مبارك-  واعتبر الكاتب أن الرئيس السادات كان أكثر الرؤساء سخاء فى إهداء الآثار، حيث أهدى ما يزيد على 100 قطعة أثرية لرؤساء أو وزراء أجانب!.. كذلك السيدةجيهان السادات التى أهدت آثارا فرعونية لزوجات رؤساء!.. طاف مؤلف الكتاب بالقارئ بين الماضي والحاضر، ورصد وقائع وأحداث مهة، وعرض معلومات كثيرة بأسلوب سلس ومشوق.

وتضمن أيضا مقالات كتبها مقربون من عكاشة، فاستهل الكتاب بكلمة لكل من ابنه د/محمود ثروت عكاشة، وابنته نورا.. واختتم بمقالات للباليرينا د/ماجدة صالح، والاستاذ/مايكل غالي، والناشر/مجدى عز الدين المخرج الفني لبعض أعماله.

وانتهى الكتاب بحوار ممتع أجراه الكاتب سمير شحاتة مع الدكتور ثروت عكاشة فى 25 يناير 2011، بمناسبة إضاءة الشمعة ال90 لميلاده، قبل وفاته بعام واحد.. ونقل إلينا الغصة التى استشعرها الرجل من أحوال الحياة الثقافية قبل وفاته.. فكل التحية للأستاذ القدير سمير شحاتة مؤلف الكتاب، ولكل القائمين على هذا الإصدار القيم،  والذى أتمنى ألا يقتصر توزيعه على ضيوف المهرجان، وأن يتم نشره بشكل أكبر، ويعاد طبعه فى نسخ تخصص للبيع وتتاح فى المكتبات العامة، كى تعم فائدة هذا الجهد، ويتعرف محبو الثقافة على أحد أهم روادها وأعمدتها فى العصر الحديث.