السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحقوق السياسية والمدنية في الجمهورية الجديدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعض الساسة ونشطاء المجتمع المدني تشاركوا مع محللين غربيين في طرح تساؤل حول ما إذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يقايض المصريين بحقوقهم السياسية والمدنية في مقابل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ورغم خبث التساؤل غير المنزه عن هوى المصالح الشخصية والسياسية،إلا أنه يعد اعترافًا من أصحابه باجتياز الرئيس السيسي مراحل مهمة لتمكين المصريين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذا أخذنا في الاعتبار جائزة الشرف الأولى التي منحتها الأمم المتحدة للحكومة المصرية لتوفيرها السكن المستدام والآمن والمناسب.
ما حققته استراتيجية الإصلاح الاقتصادي من إنجازات غير مسبوقة بالنسبة للاقتصاد المصري على مختلف الأصعدة،ضيق هوامش المعارضة للسياسات الحكومية فبشكل عام تمكنت هذه الاستراتيجية من إعطاء الاقتصاد المصري دفعة للأمام ترجمها فرص العمل المتزايدة وارتفاع معدل الصادرات والقضاء تمامًا على التجمعات السكنية في المناطق الخطرة وتوفير بدائل لسكانها تتوافق مع المعايير الدولية للسكن،علاوة على المبادرات الحكومية المتعددة في مجال الرعاية الصحية،والتي وفرت ما يمكن تسميته ببرامج التدخل السريع لتحسين الخدمات الصحية لحين تمكن الحكومة من تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل.
استراتيجية الإصلاح الاقتصادي وإن كان تحرير سعر الصرف عنوانها الرئيس إلا أنها اعتمدت على تنامي الاهتمام بالقطاعين الصناعي والزراعي ما تجسد في إنشاء العديد من المدن والمجمعات الصناعية واستصلاح آلاف الأفدنة الزراعية في إطار رؤية لاستصلاح أكثر من مليون ونصف فدان في الوادي القديم ناهيك عن نصف مليون أخرى في سيناء. 
الاهتمام المتزايد والتركيز الواضح على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جانب الرئيس السيسي هو ما دفع أصحاب المصالح لاتهامه بالمقايضة على الحقوق السياسية والمدنية،لكن قبل تفنيد هذا الاتهام أو الطرح،يجدر بنا التساؤل عن أهداف أصحابه.
فإذا كان السيسي بحسب زعمهم يقايض على الحقوق السياسية والمدنية فإنهم يقايضونه بمصالحهم الشخصية أو السياسية،أما المصالح الشخصية فيعبر عنها بعض نشطاء المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية الذين عملوا في مصر على مدار العقود الثلاثة الماضية،ذلك أن نشاطهم اعتمد كليًا على تمويل المؤسسات الأجنبية التي تختصر مفهوم حقوق الإنسان في الحقوق السياسية وقضايا الحريات،ورغم أن أغلب النشطاء الحقوقيين المعروفين في مصر ينتمون للتيارات اليسارية والناصرية إلا أن تاريخهم الطويل في العمل الحقوقي خلا من اهتمام جاد بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،وفي الحالات النادرة التي اهتموا فيها بهذه الحقوق استخدموها بشكل دعائي سياسي كون أغلب منظماتهم قد تحولت من الناحية العملية إلى منابر سياسية أيديولوجية، رغم أن وضعها من الناحية القانونية إما مؤسسات تعمل بموجب إشهار من وزارة التضامن الاجتماعي أو شركات غير هادفة للربح.
المتابع الجيد لنشاط تلك المؤسسات خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك يدرك هذه الحقيقة تمامًا وأرشيف بيانات وتقارير هذه المؤسسات خير شاهد على أنها تحولت من العمل الحقوقي في إطار قوانين الدولة المصرية إلى العمل السياسي الموجه بأجندات خارجية.
في ظل التعديلات الجديدة للقوانين المنظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني والشروط التي وضعت لمراقبة مدى نزاهة ما يسمى بالتمويل الأجنبي وجد أباطرة بيزنس حقوق الإنسان في مصر أنفسهم أمام وضع جديد يحول دون تحقيق أحلامهم في الثراء الفاحش،وهناك العديد من التقارير الصادرة عن بعض الدول والجهات المانحة التي أكدت أن من يسمون بنشطاء حقوق الإنسان في مصر يسطون على غالبية ما يرسل إليهم من أموال ولا ينفقون إلا القدر الضئيل على الأنشطة المطلوبة منهم. 
في السنوات التي سبقت أحداث يناير ٢٠١١ كان بعض النشطاء يتلقون تلك التمويلات عبر حساباتهم البنكية الشخصية أي خارج أي نوع من الرقابة والإشراف.
أما المصالح السياسية فتهتم بها الدول الغربية،حيث لا يتم طرح هذا الملف إلا كورقة ضغط سياسية لإجبار مصر على إجراءات وخطوات بعينها لتحقيق المصالح الاستراتيجية لتلك الدول في ملفات بعينها ولو أن الدولة المصرية استجابت على سبيل المثال لضغوط الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة في بعض الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية سواء في الداخل المصري أو منطقة الشرق الأوسط لما نطق الساسة الأوروبيون والأمريكيون بكلمة واحدة في ملف حقوق الإنسان المزعوم.
الشاهد على ذلك أن الضغوط الأمريكية الأخيرة لم تعنى سوى بأسماء معينة تجري محاكمتها بتهم مختلفة ويزعمون أن دفاعهم عن أصحاب تلك الأسماء هو دفاع عن حقوق جميع المصريين،وعندما تتسع دائرة اهتمامهم فهي تنصرف إلى الضغط على الحكومة المصرية لتخفيف قيودها على تلقي التمويل الأجنبي بحيث يعود مرة أخرى بلا قيد أو شرط.
لكن هل صحيح أن السيسي يقايض شعبه على حقوقه السياسية والمدنية؟! 
الإجابة الأسهل نعم،فالرجل ذهب إلى إصلاحات اقتصادية عميقة ومشروع ضخم مثل حياة كريمة بكلفة ٧٠٠ مليار جنيه لتحسين حياة ٥٨ مليون مصري في أكثر من ٤٥٠٠ قرية و٣٦ ألف كفر ونجع ناهيك عن برامج متعددة للحماية الاجتماعية وكأنه يقول للمصريين حياة كريمة مقابل حرياتكم وحقوقكم السياسية.
غير أن الأمر ليس بتلك البساطة عندما يتعلق الحديث برجل مثل السيسي هو بالنسبة لمصر حدث استثنائي،فكل خطواته وقراراته الاقتصادية حملت كاهل المصريين المزيد من الأعباء بدءً من تعويم الجنيه ورفع أسعار الطاقة وصولًا إلى هدم المباني المخالفة وإزالة التعديات على الأراضي الزراعية ونهر النيل أي أن الرجل لا يتبنى سياسات شعبوية وأغلب أحاديثه حول تلك الأمور توصف بالصادمة، بمعنى أن الرئيس الذي يريد الاستبداد بالحكم عادة ما يتجنب القرارات الصعبة،حيث الكرسي شغله الشاغل.
فماذا إذًا الرئيس لا يتحدث إلا عن حق سكان العشوائيات في سكن ملائم وأغلب مبادراته تدور في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية ويعتبر أن مشروعه الأضخم حياة كريمة تدشين عملي للجمهورية الجديدة الطامح إليها دون أن يذكر شيئًا عن السياسة والحريات العامة؟!
كما نالت العشوائية والفوضى من حياة المصريين  في السكن والصحة والتعليم والعمل وشاع الفساد في كل مكان لم تستطع النخبة السياسية والثقافية والاعلامية النأي بنفسها والعمل في اطار قيم ومعايير تلتزم بالنزاهة والشرف تجاه قضايا الوطن. 
ويكفي الإشارة الى ان بعض الأحزاب وكبار السياسيين والكتاب قد تحالفوا في زمن مبارك مع تنظيم الاخوان الإرهابي وحتى وقت قريب كانوا يطالبون بالمصالحة معه وهذا السلوك لا يعكس فقط  عشوائيتهم وما يعانونه من هزال سياسي وإنما انعكس أيضا على تعريفهم لمفهوم الحرية.
الأمثلة كثيرة ومجمل القول إن السيسي كما عبر في غير مناسبة يعتقد في أن نضج الممارسة السياسية والحقوقية يرتبط في الأساس بقضية الوعي الذي لا يمكن أن يتوافر لمجتمع عاش فترات طويلة محرومًا من حقوقه الأساسية في الحياة الكريمة، ذلك أن الأحزاب لا تتحرك في الفراغ وإنما في الجمهور المتغير والمتحرك والذي ينبغي أولًا التخفيف من منسوب احتقانه بسبب حياته غير الآمنة وتجربتنا في السنوات الأخيرة تقول إن غالب الممارسات السياسية والإعلامية قد اتسمت بالانتهازية وعدم المسئولية وغياب أبسط قواعد الحرفية،ومعروف لدى الصحفيين والإعلاميين على سبيل المثال  أن المشكلة لا تكمن فقط في مساحة الحرية وإنما في مدى التزامنا بقواعد الحرفية المهنية التي تستطيع تجاوز سطح الحرية مهما انخفض.