الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

ممدوح طه يكتب: بطولات على خط النار.. الشهيد مجد الدين طه

انتصارات حرب أكتوبر
انتصارات حرب أكتوبر المجيدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مشاهد من شريط البطولة للكتيبة 16 ومعركة المزرعة الصينية

«طه» من شهداء معركة المزرعة فى حرب أكتوبر المجيدة تحت قيادة المقدم محمد حسين طنطاوى

 

كان اللقاء حارا بعد طول غياب أواخر سبتمبر عام ٧٣، بين الشقيقين الأكبر «مجد الدين» والأصغر «ممدوح» خلال إجازة خاطفة، وكان الشوق متبادلًا لمواصلة الحوار بحثًا عن إجابة للسؤال الكبير وهو: «كيف، ومتى سيمكننا الاستجابة للتحدي الأصعب والمبادرة بالمواجهة وتجاوز الانكسار العسكرى، وتحقيق الانتصار باستعادة الأرض والثأر للكرامة بعد عدوان ٥ يونيو ٦٧؟".

الشهيد مجد الدين طه

كان «مجد الدين» شخصية طيبة متواضعة محبة للبسطاء، وعالى الإحساس بالثقة والكرامة والجدية يبدو لمن لا يعرفه كشخصية متعالية، كما كان شاعرًا فيلسوفًا وقصاصًا ورسامًا ورياضيًا وكان عريسًا حديثًا أيضا، إذ لم يمض على زفافه سوى شهور بعد خروجه للاحتياط، بعدما أمضى على الجبهة نحو ٤ سنوات وشارك فى عمليات عبور فدائية للقناة فى حرب الاستنزاف المجيدة.

 

بدأ خدمته العسكرية ضمن أول دفعة مؤهلات عليا بعدما قرر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إعادة بناء الجيش المصرى على أسس علمية جديدة وبسلاح حديث ودعمه بكوادر متعلمة ومثقفة، وكلف الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية بتلك المهمة الصعبة وصولا إلى الحرب الموعودة لتحرير الأرض.

 

فى ذلك اللقاء الأخير بين الشقيقين ببيت الأسرة بمدينة السنبلاوين، بادر العريف «مجد الدين» ابن القرية المصرية «أتميدة» بمركز ومدينة ميت غمر وحامل ليسانس الآداب قسم التاريخ بجامعة الإسكندرية عام ٦٨ شقيقه الأصغر الجندى «ممدوح» ابن القرية نفسها حامل ليسانس الآداب قسم الحضارة والآثار عام ٧١ من الجامعة نفسها، بالسؤال قائلًا بنبرة ثقة لا تخلو من حماس: «ياتري إنت شايف اللى أنا شايفه؟".

الجندي المقاتل ممدوح طه

رد قائلًا: «بالطبع أتابع وأقرأ ما وراء الأحداث وبالذات تسمية قمة برج العرب بين الرؤساء الثلاثة السادات والأسد والقذافى قمة المواجهة»، ليقاطعه «مجدى» قائلًا: «دعني أقرب لك الصورة أكثر ليست السياسية بل العسكرية، لقد تلقيت صباح اليوم استدعاء للعودة إلى الجيش فورًا، وسأتوجه خلال ٤٨ ساعة للكتيبة ١٦ اللواء ١٦ بالفرقة ١٦ مشاة، وبلا لف ولا دوران، إنها الحرب ياصديقى!».

 

ويواصل «مجدى» قائلًا: «وطبقًا لما تدربنا عليه ستكون مهمة كتيبتنا أن تعبر أولًا للضفة الشرقية للقناة لتأمين رأس جسر لعبور القوات الرئيسية، وغالبا ستعبرون أنتم أيضا». رد «ممدوح»: «وإذا ما أراد الله والتقينا على رأس الجسر ستكون مصادفة رائعة، وإذا ما زاد فضله علينا نلتقى نحن الثلاثة، حبيبنا الشيخ مصطفى (وهو الشقيق الثالث الأكبر من مجد الدين، العالم الديني بالشئون المعنوية بقيادة الجيش)، وأنت ياصديقي وأنها لتكون مصادفة أروع»، رد «مجدى»: «بل إذا أراد الله واستشهد أحد منا ستكون إرادة الله هي الأروع»!

 

وصل الأب تقدما إليه وسلما عليه وقبلا يديه وجلس بينهما باسمًا مرحبًا وداعيًا لهما بالنصر، بينما كانت الأم الفرحة بلقاء الأبناء تعد طعام الغذاء، ليقول الوالد لهما بيت شعر يؤكد على الإيمان بالله والثقة بأن لكل أجل كتاب قائلًا: «أي يومى من الموت أفر.. يوم قدر أم يوم قدر.. يوم قدر لا أملكه ويوم قدر فإلى أين المفر؟! ياولادي هانواجه اللي مفروض علينا مواجهته واثقين في أن أحدا لن يموت إلا بأمر الله ولن ينجو من الموت أحد إلا بقدر الله.. ثم التفت إليهما قائلًا: بسم الله.. كل يابنى كل».

 

أعدت الأم صينية للفواكه والعصير والشاي بعد الغداء واقتربت بينما استأنف «مجد الدين» حديثه بالقول: «سنكون أول العابرين؟».. رد «ممدوح»: «غالبا سنتقدم للعبور إذا ما تم تطوير الهجوم»، اقتربت الأم حاملة الفواكه إلى ولديها بينما كان «مجدى» يقول: «يبدو أن عبوركم سيتأخر أيامًا، وحين تعبرون ربما لن نلتقى، فربما كنت قد أصبحت شهيدًا».

 

وقع الكلام على الأم صادمًا إذ شعرت فجأة أنها قد تفقد ابنًا غاليًا ولن ترى أحدًا منهما أو كلاهما بعد هذا اللقاء، فصرخت فى وجهه: «ليه تقول كده يامجدى؟.. بلاش تقول الكلام الصعب ده يا ابنى.. حرام عليك يا حبيبى»، وانهالت غاضبة بالكلمات المؤنبة وبمحاولة اللكمات الخفيفة، فأمسك بذراعيها ودارا معا عدة دورات بين القوة والمقاومة، محاولا تهدئتها قائلًا: «موش إنت بتحبي البلد يا أمى؟، ويوم ما جمال الله يرحمه مات قلت: «ياريت كان ربنا خد ولد من ولادى، ومتنكسرش البلد دي ولا جمال يموت؟

 

..موش قلتي كدة يا أمي ؟.. لو ربنا قدر هاتبقى صاحبة أجمل لقب أم الشهيد.. وأغلى اسم أم الشهيد مجد.. مجد الدين»، بينما كانت دموعها تنهمر راجية منه التوقف عن الكلام وعن الدوران لأنها شعرت بالدوار.. في حين تراءت دوراتهما كرقصة التانجو بين حبيبين، ولتبدو آخر دورة قبل الغداء الأخير مع مجد الدين كرقصة «التانجو» الأخيرة.

الجندي الواعظ مصطفى طه

الشقيقان فى الميدان والثالث واعظ بين الجنود

فيما أسرع «ممدوح» للالتحاق بكتيبته فى اللواء «١١٤ مش ميكا» بالجيش الثالث، وصل «مجد الدين» إلى موقع اللواء «١٦ مشاة» بالجيش الثاني والتحق بكتيبته شرق الإسماعيلية، وتقدم إلى مكتب قائد الكتيبة ١٦ المقدم محمد حسين طنطاوى الذى استقبله بمودة لسابق خدمته الطويلة على الجبهة ومشاركته في حرب الاستنزاف المجيدة، وأمره بالالتحاق بسريته فتحرك إلى أن استقر أخيرًا على مقعده بسيارته الجيب وراء مدفعه «بى ١٠» المضاد للدبابات مع رفيقه قائد السيارة.

 

بعدها دعي الجميع إلى طابور توجيه معنوي سيسبق تحرك الكتيبة إلى موقع جديد بمهمة جديدة، فكانت المفاجأة سارة حينما رأى شقيقه الأكبر عالم الدين «الشيخ مصطفى طه» يرتدي الأوفرول ويقف بجوار قائد الكتيبة المقدم حسين طنطاوى، ويحاضر الضباط والجنود ويشجعهم على الصمود والاستعداد للقتال والثقة بالنصر.. ليلتقي بأخيه بعد الطابور بالعناق الحار فيما كان كما قضت الأقدار لقاء الوداع الأخير.

 

تحركت الكتيبة ١٦ فى سرية تامة للعبور أولًا ونجحت فى احتلال موقعها شرق القناة فى مزرعة صغيرة أطلق عليها اسم «المزرعة الصينية»، وفي اليوم الموعود ٦ أكتوبر عام ٧٣ أمر القائد الأعلى للجيش المصري الرئيس محمد أنور السادات، ببدء العمليات العسكرية لمعركة العبور حسب الخطة، فكان الزلزال، وأصيب العالم بالدهشة مما حدث على طول جبهة قناة السويس، بينما يندفع الجيش المصري إلى عمق سيناء.

 

وهنا صرخت جولدا مائير فى اللاسلكي تطلب من أمريكا إنقاذ إسرائيل بسرعة خصوصًا بعد سقوط المئات من القتلى وخسائر عشرات الدبابات والطائرات ووقوع المئات في الأسر خاصة اللواء ٢٩٠ بقيادة العميد عساف ياجورى، واندفعت أمريكا لنجدة أكبر قاعدة برية وبحرية وجوية صهيو أمريكية لها في الشرق الأوسط.

 

ولتنفيذ خطة العدو بالهجوم المضاد بمشاركة أمريكية بحثا عن ثغرة بأجناب الجيشين الثاني والثالث، وحددت طائرات الاستطلاع الأمريكية نقطة «الدفرسوار» للاختراق، لتقترب قوات العدو يوم ١٤ من موقع الكتيبة ١٦ باللواء ١٦ للفرقة ١٦، التى مثلت حائط الصد الرئيسى ومواجهة جحافله لمنعه من تحقيق أهدافه بالوصول إلى شاطئ القناة.

 

وضعت الخطة المضادة لاصطياد قوات العدو بانتشار قواتنا على شكل مستطيل مفتوح، وأصدر «المقدم طنطاوى» تعليماته باستعداد كل الأسلحة مع صمت النيران حتى إطلاق إشارة حمراء، لتقع قوات العدو فى أكبر مصيدة دامية باعترافات قادة العدو، ولتستمر المعركة دائرة مع الفشل الكامل فى تحقيق الاختراق، فلا هو قادر على الوصول إلى الشاطئ ولا هو قادر على الانسحاب.

 

وكما روى زملاء الشهيد العائدون أن هذه المعركة المشتعلة بالدبابات والمشاة والمظلات المهاجمة بشراسة استمرت حتى يوم ١٦ أكتوبر، وكان على العدو دفع خسائر باهظة أمام بسالة وتصميم أبطال الكتيبة، فيما كان المقاتل الشجاع «مجد الدين» وراء مدفعه المضاد للدبابات على السيارة الجيب يوجه نيرانه طوال يوم ١٤ نحو المدرعات المهاجمة ويصيب بها من يصيب عن بعد.

الشهيد مجد الدين والعائلة

وفجأة واجهته ثلاث دبابات، فصوب باتجاع الأولى فاشتعلت بمن فيها، فاستدارت الثانية خلفه لتوجه إليه قصفًا مباشرًا أسفر عن استشهاده مع زميله قائد الجيب، ليسرع قائده النقيب محمد عبدالعزيز بالجلوس مكانه لاستخدام مدفعه لينال الشهادة هو الآخر وراء نفس المدفع وعلى ذات المقعد الذى استشهد عليه قبله بطل قصتنا الشهيد البطل «مجد الدين طه» لتصعد روحه الطاهرة إلى أعلى عليين مع الشهداء الأبرار في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 

وفى احتفالات النصر، أشاد «العميد طنطاوى» بهذه العملية فى فيديو شهير كنموذج لبطولات الكتيبة التى استحقت تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى «للمشير طنطاوى»، قائد الكتيبة ١٦، وأيضا للفريق عبدرب النبى حافظ، قائد الفرقة ١٦.