الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا باخوم: «السنودسية أساس تعاليم البابا فرنسيس».. النائب البطريركي يطالب الأساقفة المجتمعين بالجمعية افتتاح فترة تمييز والإصغاء إلى ما أثاره الروح فى الكنائس الموكلة إليهم وتقديم ملخّص للإسهامات

البابا فرنسيس يترأس
البابا فرنسيس يترأس سينودس ٢٠٢١
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

افتتح البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية فى العالم، رسميًا، السينودس فى الفاتيكان، حول السينودسية، مع تخصيص أوقات تفكير وتأمل فى ورش عمل مختلفة، كما ترأس قداسته القداس الاحتفالي، صباح اليوم، فى كاتدرائية القديس بطرس.
ويشارك من جمهورية مصر العربية، كلٌ من: الأنبا باخوم، النائب البطريركى لشئون للإيبارشية البطريركية للأقباط الكاثوليك، وعضو لجنة الإعلام بسينودس الأساقفة ٢٠٢٣، والمفوض من الكنيسة القبطية الكاثوليكية لتفعيل السينودس.
وقال الأنبا باخوم، فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»: الفاتيكان أعلن بأنه ستنطلق مسيرة سينودسية تُقسم إلى ثلاث مراحل (أبرشية، قارية، عالمية) وتقوم على المشاورات والتمييز، وستبلغ ذروتها فى الجمعية العامة العادية لسينودس الأساقفة فى أكتوبر سنة ٢٠٢۳.
وأضاف: من أجل كنيسة سينودسية: الشركة، المشاركة والرسالة، هذا هو موضوع السينودس. والجديد ليس فقط الموضوع ولكن طريقته: فلن يتم الاحتفال بسينودس الأساقفة فى الفاتيكان فقط، وإنما فى كل إيبارشية، من خلال اتباع مسيرة تقوم على الإصغاء والتمييز والاستشارة. وبالتالى علمانيون، كهنة، مرسلون، مكرسون، أساقفة، وكرادلة.
وتابع، النائب البطريركى لشئون للإيبارشية البطريركية للأقباط الكاثوليك، قائلا: وقبل أن يتناقشوا ويتأمّلوا ويسألوا أنفسهم حول الجمعية العامة العادية لسينودس الأساقفة التى ستُعقد فى أكتوبر عام ٢٠٢۳ فى الفاتيكان، سيعيشونها ويختبرونها بشكل مباشر، كلٌّ فى أبرشيته فى دوره ومتطلباته.
واستطرد فى حديثه قائلًا: إنها المرة الأولى فى تاريخ سينودس الأساقفة التى يبدأ فيها السينودس بشكل غير مركزي. ستحتفل كنيسة العالم بالافتتاح الرسمى للمسيرة السينودسيّة فى التاسع والعاشر من أكتوبر المقبل، بحضور البابا فرنسيس فى الفاتيكان. وستتبع المسيرة ثلاث مراحل- أبرشية، قارية، عالمية- تريد أن تجعل ممكنًا إصغاء حقيقيًّا لشعب الله وأن تُشرك فى الوقت عينه جميع الأساقفة فى مختلف مستويات الحياة الكنسية.
وأعرب عن سعادته قائلًا: ستبدأ الإيبارشيات مسيرتها يوم الأحد فى السابع عشر من أكتوبر، برئاسة الأسقف الأبرشي. ونقرأ فى الوثيقة إنَّ الهدف من هذه المرحلة هو استشارة شعب الله، لكى تتم العملية السينودسيّة من خلال الاصغاء إلى جميع المعمدين. ولتسهيل مشاركة الجميع، سترسل أمانة سرِّ السينودس نصًا تحضيريًا مصحوبًا باستبيان ومذكرة مع مقترحات لتنفيذ المشاورة.
وبالتالى سيعين كل أسقف، مسئولًا أبرشيًّا كنقطة مرجعية وصلةٍ مع مجلس الأساقفة، والذى سيرافق كل خطوة من المشاورة فى الكنيسة الخاصة. كذلك سيعين مجلس الأساقفة بدوره مسئولًا أو فريقًا ليكون مرجع الاتصال مع المسئولين الأبرشيين، والأمانة العامة للسينودس. وسيتوَّج التمييز الأبرشى بـ»لقاء ما قبل السينودس»، فى ختام المشاورة. وسيتمُّ إرسال المساهمات إلى مجالس الأساقفة الخاصة بهم بحلول التاريخ الذى يحدده المجلس.
وبالتالى سيكون على الأساقفة المجتمعين فى الجمعية، أن يفتتحوا فترة تمييز من أجل «الإصغاء إلى ما أثاره الروح فى الكنائس الموكلة إليهم، وتقديم ملخّص للإسهامات، على أن يرسلوا بعدها الملخص إلى أمانة سرِّ السينودس، بالإضافة إلى إسهامات كل كنيسة خاصة قبل شهر أبريل ٢٠٢٢».
ستضع الأمانة العامة للسينودس أول أداة عمل، والتى ستكون بمثابة مخطط عمل للمشاركين فى الجمعية العامة العادية لسينودس الأساقفة فى الفاتيكان والتى سيتم نشرها فى سبتمبر عام ٢٠٢٢ وإرسالها إلى الكنائس الخاصة.
وهكذا تبدأ المرحلة الثانية من المسيرة السينودسية، المسيرة «القارية»، المقررة حتى شهر (مارس) من عام ٢٠٢۳. والهدف منها هو الحوار على المستوى القارى حول نص أداة العمل، وبالتالى القيام «بعمل تمييز آخر» فى ضوء الخصوصيات الثقافيّة الخاصة بكل قارة.
كذلك سيعين كل اجتماع قارى للأساقفة بدوره، قبل شهر سبتمبر من عام ٢٠٢٢، شخصًا مسؤولًا لكى يكون المرجعيّة بين الأساقفة وأمانة سرّ السينودس. كما ستتم صياغة وثيقة نهائية فى الجمعيات القارية، وإرسالها فى شهر مارس من عام ٢٠٢۳ إلى أمانة سرّ السينودس. وبالتزامن مع الاجتماعات القاريّة ينبغى أيضًا أن تُعقد جمعيات دولية للمتخصصين، الذين يمكنهم إرسال إسهاماتهم.
وفى الختام، ستتم صياغة مسودة أداة عمل ثانية، من المتوقع نشرها فى شهر يونيو ٢٠٢۳. إنَّ هذه المسيرة الطويلة، التى تهدف إلى عيش المجمعيّة داخل عيش السينودسيّة، ستبلغ ذروتها فى أكتوبر عام ٢٠٢۳ بالاحتفال بالسينودس فى روما.
هذه الطريقة توضح لنا أن السنودسية أساس تعاليم البابا فرنسيس. الخطاب الشهير للبابا فرنسيس فى 17 أكتوبر 2015، بمناسبة الذكرى الخمسين لإنشاء سنودس الأساقفة على يد القديس بولس السادس. إنه نص واضح من الناحية العقائدية ومقدام من الناحية الرعوية ومنظم، بإختصار، يتمثل فى أنه «بيان تعليمي» حقيقى للكنيسة السنودسية.
وأظهر فى ذلك الاعتقاد الراسخ، بأن إعادة تفعيل «مبدأ السنودس» يمكن أن يحقق نقطة تحول ونتائج جيدة لا يمكن التنبؤ بها فى الحياة الداخلية للكنيسة من حيث الشراكة والمشاركة وأيضًا من حيث الرسالة فى مواجهة العالم. إضافة إلى ذلك، يؤكد البابا فرنسيس فى هذا الخطاب المشهود أن الكنيسة السنودسية هى كنيسة تستمع إلى بعضها البعض وإلى الروح لمعرفة ما يقوله للكنيسة.
ثم أشار البابا إلى مراحل هذا الحوار الكنسي: تبدأ المسيرة السنودسية بالاستماع إلى شعب الرب ثم إلى الإستماع إلى القساوسة، وينتهى بالإستماع إلى أسقف روما. فى بداية حديثه أعلن بأن الاستمرار فى هذا الطريق الضرورى لأن «طريق السنودسية» هو الطريق الذى ينتظره الله من كنيسة الألفية الثالثة.

الدعوة إلى السير معًا
الوثيقة التحضرية سينودس 2021-2023

إنّ المسيرة السينودسيّة تتمحور فى سياق تاريخيّ، يتّسم بتغيّرات تاريخيّة فى المجتمع، وبمرور حاسم فى حياة الكنيسة، لا يمكن تجاهله: فى طيّات تعقيد هذا السياق، وفى توتّراته وتناقضاته، نحن مدعوّون إلى «فحص فى كلِّ آنٍ علاماتِ الأزمنةِ وتُفسيرها على ضوءِ الإنجيل» (فرح ورجاء، 4). هنا تُحدَّد بعض عناصر السيناريو العالميّ الأكثر ارتباطا بموضوع السينودس، ولكن سيتمّ إثراء الصورة واستكمالها على المستوى المحلي.
«لَقد أدّت مأساة عالميّة مثل وباء كورونا إلى زيادة الوعي، بأنّنا مجتمع عالميّ يُبحر فى القارب نفسه، حيث إنّ شرّ الفرد يلحق الأذى بالجميع: لنتذكّر أن لا أحد ينجو بمفرده، يمكننا فقط أن نخلص معًا».
فى الوقت نفسه؛ أدّى الوباء إلى انفجار التفاوت وعدم المساواة القائمين بالفعل: إذ يبدو أنّ البشريّة تهتزّ بصورة متزايدة بسبب عمليّات التجزئة والجماهيريّة؛ تشهد الحالة المأسويّة التى يعيشها المهاجرون فى جميع مناطق العالم على مدى ارتفاع وقوّة الحواجز التى تقسّم الأسرة البشريّة الواحدة. إنّ الرسالتين العامّتين كن مسبَّحًا، وكلّنا أخوة، يوثّقان عمق الشقوق التى تمر بها البشريّة.
ويمكننا أن نشير إلى تلك التحليلات، لنبدأ فى الاستماع إلى صرخة الفقراء والأرض، ومعرفة بذور الأمل والمستقبل التى لا يزال الروح يجعلها تنبت حتّى فى عصرنا: «الخالق لا يهملنا، وهو لا يتراجع أبدًا للخلف فى مشروع محبّته، ولا يندم على أنّه خلقنا. وما زال بإمكان البشريّة أن تتعاون من أجل تعمير بيتنا المشترك».
هذا الوضع، على الرغم من الاختلافات الكبيرة، يوحّد الأسرة البشريّة بأكملها، ويتحدّى قدرة الكنيسة على مرافقة الأشخاص والجماعات لإعادة قراءة خبرات ‏الموت والمعاناة التى كشفت عن الحقائق الكاذبة العديدة، ولغرس الأمل والإيمان فى خير الخالق وخلقه. ومع ذلك، لا يمكننا أن نخفى حقيقة أنّ الكنيسة نفسها يجب أن تواجه غياب الإيمان والفساد فى داخلها أيضًا.
لا يمكننا على وجه الخصوص أن ننسى المعاناة التى عاشها القُصَّر والأشخاص الضعفاء « نتيجة الاعتداءات الجنسيّة والسلطة والضمير التى ارتكبها عدد كبير من الإكليروس والأشخاص المكرّسين».
نطلب باستمرار كشعب الله أن نتحمّل مسئوليّة آلام إخواننا الجرحى فى الجسد والروح: لوقت طويل، لم تستطع الكنيسة الاستماع إلى صرخة الضحايا بشكل كافٍ. هذه جروح عميقة يصعب شفاؤها، من أجلها لا يمكن أبدًا طلب ما يكفى لها من المغفرة، وتشكّل عقبات، ضخمة أحيانًا، للمواصلة فى اتّجاه «السير معًا».
الكنيسة مدعوّة كلّها إلى مواجهة ثقل ثقافة ممتلئة بالإكليروسيّة توارثتها عبر تاريخها، وبأشكال ممارسة السلطة التى تجعل مختلف أنواع الإساءة ممكنة (إساءة استخدام السلطة والمال، وانتهاك الضمير، والاعتداء الجنسيّ). لا يمكن تخيّل «توبة فى التصرّف الكنسيّ دون المشاركة الفعّالة لجميع أعضاء شعب الله». نطلب معًا من الربّ «نعمة التوبة والمسحة الداخليّة، لنكون قادرين على التعبير عن توبتنا أمام هذه الجرائم والتعدّيّات، وقرارنا بالنضال بشجاعة».
على الرغم من خياناتنا، يستمرّ الروح فى العمل عبر التاريخ، مُظهِرًا قوّته المحيية. بالتحديد فى الجروح المحفورة بسبب كلّ أنواع الآلام التى تعانى منها الأسرة البشريّة وشعب الله، ما زالت تزدهر لغات الإيمان الجديدة، والمسارات الجديدة التى لا تستطيع تفسير الأحداث من وجهة نظر لاهوتيّة فحسب، بل تجد فى التجربة أسباب إعادة تأسيس مسيرة الحياة المسيحيّة والكنسيّة.
إنّه حافز للأمل القويّ، ليس الكنائس بقليلة قد بدأت بالفعل اجتماعات ومسارات التشاور مع شعب الله، منظّمة إلى حدّ كبير. حيث تميّزت بأسلوبها السينودسيّ، وازدهر الإحساس بالكنيسة مرّة أخرى، ومنحت مشاركةُ الجميع الحياةَ الكنسيّة دافعًا جديدًا.
كما تمّ تأكيد رغبة الشباب أيضًا فى الحصول على دور قياديّ داخل الكنيسة، والمطالبة بزيادة تقدير دور المرأة ومساحات المشاركة فى رسالة الكنيسة، التى سبق أن أشارت إليها المجالس السينودسيّة لعامى 2018 و2019. كما أنّ إنشاء الخدمة العلمانيّة لخادم التعليم المسيحيّ، ومنح خدمة القارئ وخدمة الشدياق للنساء يتماشيان أيضًا مع هذا المسار.
لا يمكننا أن نتجاهل تنوّع الظروف التى تعيش فيها الجماعات المسيحيّة فى مناطق مختلفة من العالم. بجانب البلدان التى تضمّ فيها الكنيسة غالبيّة السكان وتمثّل مرجعًا ثقافيّا للمجتمع بأسره، هناك بلدان أخرى يشكّل الكاثوليك فيها أقلّيّة؛ يعانى بعض هؤلاء الكاثوليك بجانب المسيحيّين الآخرين، من أشكال الاضطهاد العنيفة جدّا، وغالبًا ما تصبح استشهاديّة.
إذا هيمنت عقليّة علمانيّة من ناحية تميل إلى إبعاد الدين عن المجال العام، فمن ناحية أخرى إنّ التطرّف الدينيّ الذى لا يحترم حرّيّات الآخرين سيغذّى أشكال التعصّب والعنف التى تنعكس أيضًا فى الجماعة المسيحيّة وفى علاقاتها بالمجتمع. غالبًا يتّخذ المسيحيّون المواقف نفسها، ممّا يثير الانقسامات والصراعات فى الكنيسة أيضًا.
وبالطريقة نفسها، من الضروريّ أيضًا الأخذ بعين الاعتبار الطريقة التى تنعكس بها الانقسامات داخل الجماعة المسيحيّة، وفى علاقاتها بالمجتمع، سواء كانت عرقيّة أو عنصريّة أو طبقيّة، أو غيرها من أشكال التقسيم الطبقيّ الاجتماعيّ، أو العنف الثقافيّ والهيكليّ. تؤثّر هذه المواقف تأثيرًا عميقًا على معنى عبارة «السير معًا»، وعلى الإمكانيّات الملموسة لتنفيذها.
فى هذا السياق؛ تمثّل السينودسيّة طريق الكنيسة الرئيسيّ، التى دعيت إلى إعادة تجديد نفسها تحت عمل الروح، وبفضل الإصغاء إلى الكلمة. تعتمد القدرة على تخيّل مستقبل مختلف للكنيسة، ولمؤسّساتها على قدم المساواة مع الرسالة التى تلقّتها بشكل كبير على اختيار بدء مسارات الإصغاء والحوار والتمييز الجماعيّ، حيث يتمكّن الجميع وكلّ شخص من المشاركة والمساهمة.
فى الوقت نفسه، إنّ اختيار «السير معًا» علامة نبويّة لعائلة بشريّة تحتاج إلى مشروع مشترك قادر على تحقيق الخير للجميع. إنّ الكنيسة القادرة على الشركة والإخاء والمشاركة والمؤازرة، بإخلاص لما تعلنه، ستكون قادرة على الوقوف بجانب الفقراء والأشخاص الذين لا يتلقّون اهتماما، وتمنحُهم صوتها الخاصّ.
من أجل «السير معًا»، من الضروريّ أن نسمحَ لأنفسنا بأن نتعلّم من الروح بعقليّة سينودُسيّة حقًّا، وندخَل بشجاعة وحرّيّة القلب فى مسيرة، بدونها «سيظلّ الإصلاح المستمرّ الذى تريده الكنيسة كمؤسّسة بشريّة ودنيويّة، دائمًا فى احتياج».