الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

أبطال لا تعرفونهم| محمود البحيري.. أول ضفدع بشري يعبر قناة السويس فى حرب أكتوبر

البحيري
البحيري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

البطل: قمت بأسر جندي إسرائيلي وعبرت القناة مئات المرات في مهام صعبة   

تزخر صفحات البطولة التى سطرها المقاتل المصرى فى حرب العزة والنصر في السادس من أكتوبر 1973، بالعديد من القصص التى تلهم الأجيال، وستظل مصدر فخر للأمة، فحكايات الفداء والتضحية لأبطال القوات المسلحة يتغنى بها الجميع، وكلمات الثناء والشكر لا تكفيهم، فهم خير أجناد الأرض، وهم من ضحوا بالغالى والنفيس من أجل وطنهم، أبطال لا يهابون الموت، ويرفعون شعار النصر أو الشهادة، أما الهزيمة فلا تعرف لهم طريقًا، وهذا هو حال العسكرية المصرية التى أثبتت، وما زالت أن وطنيتها وولاءها للشعب فى المواقف المصيرية، وأكدت القوات المسلحة صلابتها واستعدادها القتالى فى مواجهة الأحداث الداخلية والمؤامرات الخارجية. 

وتحتفل مصر هذه الأيام بمرور 48 عامًا على انتصارات السادس من أكتوبر، ذكرى غالية على قلوب المصريين، ذكرى الانتصار العظيم الذى سيظل محفورًا فى وجدان كل مصري، ليدعونا للفخر بالعسكرية المصرية التى رفعت أعلام النصر، وأنجزت بالإيمان والقوة والروح أسمى عمل عسكرى فى تاريخ مصر والأمة العربية.

وفى هذه الذكرى الغالية، تعرض «البوابة نيوز » نماذج لأبطال مصر، لا يعرفهم الكثيرون، ولم يسمعوا أو يقرأوا عنهم كثيرًا، ومن هنا قررنا تسليط الضور عليهم، لنؤكد أن أبطال مصر فى العقل والقلب والوجدان.

ومن هؤلاء الأبطال، البطل محمود السيد سليمان البحيري،ابن قرية برديس بسوهاج، التحق بالخدمة العسكرية في 1965 ، وخدم في لواء وحدات خاصة، والصاعقة بحرية، والسرية ضفادع بشرية

قال البطل:" في 1967  لم نحارب في الأساس، ولا أعتبر ما حدث هزيمة، بل حربا عشوائية، وفي حرب الاستنزاف كانت هناك عمليات كثيرة منها مثلا عملية رأس العش، وهنا يقول: شحذنا كل طاقتنا في الصمود والاستبسال، وكنا 30 مقاتلا كالصقور، وانتصرنا في هذه المعركة، فقد كنا في أمس الحاجة إلي وميض أمل لنكسر حاجز الشعور بالهزيمة.

الطريق إلي إيلات

وتتدفق ذكرياته عن  تدمير البارجة ( بات يم -بات شيفع ) بميناء إيلات، ليروي العديد من مشاهد ملحمة البطولة المصرية، ويؤكد: انتصار وشرف عظيم، ويحسب للضفادع البشرية، حيث جاءت الأوامر لكتيبتنا بالتدريب علي مواقع بعيدة، وتم اختيار أكثر من 15 جنديا، وكانوا من خيرة الجنود، والحمد لله كنت واحدا منهم، وتم التدريب لأكثر من شهر، وكنا لا نعلم ما الهدف الذي سيتم تدميره، لسرية التدريبات.

ويتابع: وعندما اقترب موعد التنفيذ، تم تقسيمنا إلى مجموعتين واحدة للتنفيذ والأخرى بديلة فى حالة عدم تنفيذ المهمة،وتم اختيار عدد أقل من المتدربين، وهذا لا يعني ضعف قدرات الآخرين، حيث كرمنا فيما بعد معنويا، وكأننا شاركنا في هذه الملحمة البطولية.

وتابع: أحرص كل الحرص على مشاهدة فيلم "الطريق إلي ايلات" عند عرضه في ذكرى انتصار السادس من أكتوبر، وأعترض علي الصورة السلبية التي ظهر بها أحد أفراد الضفادع المشاركين، حيث أعلن خوفه وارتعاشه من تنفيذ العملية، ففرد الصاعقة لا يخاف الموت أو الهجوم، بل كنا نتصارع علي تنفيذ العمليات، وأرجو من التليفزيون حذف هذا المشهد.

 

معركة شدوان

ويتذكر معركة شدوان ويقول: غنها من أشد المعارك التي خضناها، فقد كانت في عام 1970 ضمن حرب الاستنزاف، وكان من مهام تأمينها سرية من الصاعقة، حيث هاجم العدو هذه الجزيرة، واستخدم قواته الجوية، واستمر القتال لمدة يومين متواصلين، واستبسلنا في الدفاع عنها، وكبدنا العدو حوالي 45 قتيلا بخلاف الجرحي، وكانت لدينا خسائر بلغت 80 شهيدا، وأعلنت وزارة الحربية وقتها أن معركة شدوان مثال للجرأة والصمود للجندي المصري.

قصة عزومة الكتيبة

لازالت قرية برديس تتحدث عن قصة (عزومة) الكتيبة، وعن تفاصيلها، وهنا قال ضاحكا: كنت مع سريتي في مهمة عسكرية بالبحر الأحمر، وجاءت أوامر بالرجوع إلي منطقة الأدبية في السويس، وتصادف مرورنا بقريتي برديس، وكنا قد قطعنا في الطريق أكثر من ألف كيلو متر، وكنا في ساعة متأخرة من الليل،  فدعوت قائد السرية لتناول الشاي، فرد قائلا: حتعزمنا يا محمود، فقلت: تشرفونا.

وتابع: وأمر القائد العربات التي تسير خلفنا بالمكوث هذه الليلة في القرية، ودخلنا بكامل معداتنا، ووقتها أردت أن تبتلعني الأرض، فكيف سأستضيف هذا الكم، وحين رأي أهل القرية هذا العدد من السيارات والعساكر والضباط اندهشوا مما يحدث، وما أن رأوني وأكدت لهم أنهم ضيوف، هبت القرية بأكملها لتقديم واجب الضيافة، ومكثنا ليلتنا، وانطلقنا متجهين إلي السويس مع أول ضوء للنهار.   

الأسير عازر

وأكد البطل محمود البحيري، أن حرب الاستنزاف كانت الدعامة الأساسية لحرب أكتوبر، لأنهم تمرسوا خلالها علي جميع العمليات الحربية بشكل غير معلن، وكانت بمثابة التمرين الصعبالذي يسبق الامتحان النهائي، وتابع: كبدنا العدو خسائر فادحة سواء في الأفراد أو المعدات، وهذا أمر يعلمه العالم كله، خصوصا الذين خاضوا حروبا مثل حرب الاستنزاف.

وبسؤاله عن أدائه القتالي وبطولاته، ابتسم وكأنه يستعيد ذكريات قصة حب رومانسية، وتنهد قائلا: حققت العديد من الإنجازات، وكان أهمها أسر جندي إسرائيلي يدعي " ديفيد عازر"، حيث مكثت أكثر من أسبوعين وأنا أراقب مكان خدمته علي الضفة، وكان جنديا مستهترا يترك مكان خدمته، ويمرح هنا وهناك، ويلهو بسلاحه.

ويتوقف قليلا ثم يتابع: وحانت ساعة الصفر، وأخذت جنديين من زملائي، واستطعنا أسر هذا الجندي، والذي ظل يصرخ، وينادي علي زملائه، وفي دقائق معدودة كان الأسير الإسرائيلي ماثلا أمام قائد الكتيبة.

وعن طبيعة مهامه خلال حرب الاستنزاف، قال: كانت مهمتي من أصعب العمليات، وهي التسلل إلي خطوط العدو، واستطعت عبور القناة مئات المرات من أجل تأمين زملائي أثناء قيامهم بعمليات خلف خطوط العدو، وزرع ألغام والتجسس علي تحركات الإسرائيليين علي ضفة القناة، وكنت أقوم بربط حبل من نقطة معينة بالقناة، وصولا للضفة المقابلة.

وتابع: وبالرغم أن العمليات التي قمت بها قليلة نسبيا عن مهام زملائي، إلا أن مهمتي كانت الأصعب والأخطر، حيث كنت أؤمنهم أثناء عبورهم، وأظل في المؤخرة عند نقطة العدو من أجل تأمينهم من رد فعل العدو إثر كل عملية. 

وتابع، طبيعة المقاتل من الضفادع البشرية هي الاستبسال في المهمة المكلف بها، وحياته دائما معرضة للخطر، ولكن من الصعب أسره، وأذكر مرة أنني تخطيت مهام عملي في تأمين الجنود والرجوع مرة أخرى، إلا أن رغبتي كانت عارمة بالرجوع بأسير إسرائيلي، وصعدت الضفة  المتواجد عليها العدو لأكثر من مائتي مترا، ولمحني مجموعة من الجنود الإسرائيليين، وكانوا يتسامرون، ولم يباغتوني ولكن استخدموا معي نظرية الدهاء، فهم يحفظون بعض الكلمات العربية، وقاموا بالنداء علي: "يا محمد تعالي"..، لإيهامي بأنهم جنود مصريين، ولكني عدت بسرعة، وظلوا يطلقون علي نيراهم، والحمد لله عدت سالما.

نشيد فدائي

واستطرد:" كنا ننشد  ونغنيبعض الأغاني، وكان هناك نشيد خاص ألفه جنود الصاعقة، والذي غناه عبد الحليم حافظ بعد ذلك، وأتذكر منه مقطع يقول:

أمي رايح أموت علشان بلدي تعيش.. وإن مت يا أمي ما تبكيش.. إفرحي يا أمي وزفيني.. وفي يوم النصر افتكريني .. وإن طالت يا أمي السنين .. خلي إخواتي الصغيرين .. يكونوا زي فدائيين.

ملحمة العبور

وعندما انتهي من ترديد النشيد لمعت عيناه ببريق الشجن والحنين إلي تلك الأيام، وتابع: مع بداية أول طلعة جوية، قمنا مباشرة بعبور القناة، وكنا أول من عبر القناة لتأمين زوارق المشاة واللنشات الصغيرة حاملة الصواريخ، وبدأ العدو يشن هجومه بالمدفعية الثقيلة علي القناة، وظللت في حالة التأمين للجنود المتواجدين علي الضفة الغربية، وذلك لحين الانتهاء من الكوبري الذي تم تجهيزه في 25 دقيقة، والعبور الحقيقي كما قلت قبل الحرب، وكان ذلك في منطقة الأدبية. 

وأكد أن كل الدلائل كانت تشير إلي أننا مقبلين علي حرب مباشرة، ومنها زيادة ساعات التدريب قبل العبور بشهرين، ومنعت الإجازات، وفي يوم 5 أكتوبر صدرت الأوامر بالنزول للقناة، وسد فتحات ( النابالم ) والخراطيم التي وضعتها إسرائيل من أجل إشعال سطح القناة إذا ا حاول المصريين عبور القناة، وقمنا بهذه المهمة، وكانت الأوامر أيضا صارمة بعدم الاشتباك، وعدم القيام بعمليات حتى ولو كان أمامنا آلاف الجنود، وكان بإمكاننا أسرهم أو قتلهم.

  وعن قصة استشهاده في حرب أكتوبر قال: بعد انتهاء الحرب ظل الجيش المصري مرابطا في سيناء، ولم تأت أوامر بإعطاء إجازات أو الاتصال بالأهل، وحين صدر قرار بمنح الجنود إجازات، تأخر موعد إجازاتنا، وظن الأهل أنني استشهدت، وذهب أهل القرية إلي والدتي وقالوا لها: خذي العزاء، فرفضت وقالت: ابني مازال علي قيد الحياة، وكانت أول إجازة لي بعد الحرب في شهر سبتمبر، ووجدت والدتي  وزوجتي في انتظاري، ورزقت بمولودي الأول خالد في أول أسبوع من بداية الحرب، وقالت والدتي حينها أنها حلمت أنني مازلت حيا، وأقام لي أهلي وعشيرتي احتفالا كبيرا.

تكريم الأبطال

وقال البطل: الدولة كرمت الكثيرين سواء من القادة أو الجنود، ولكن بقي الآلاف يستحقون التكريم أيضا، حتى لو كان هذا التكريم معنويا، فلماذا لا تقوم كل محافظة بإقامة حفل يتم فيه دعوة من تبقى من جنود حرب أكتوبر علي قيد الحياة، أو أن تقوم بعمل كتيب خاص يرصد بطولاتهم،ليكونوا قدوة للأجيال التي لم تعاصر هذه الحرب المجيدة.