الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

البابا تواضروس فى اجتماع الأربعاء: "سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ"

البابا تواضروس
البابا تواضروس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال قداسة البابا تواضروس الثاني خلال اجتماع الأربعاء، في البداية أحب أن أهنئكم بعيد الصليب المجيد وسيكون يوم الإثنين القادم، وهو أول الأعياد التي نحتفل بها في السنة القبطية الجديدة يوم ١٧ توت، ونحتفل بالصليب على مدار السنة ثلاث مرات، مرة في ١٧ و١٨ و١٩ توت، ونحتفل به يوم الجمعة العظيمة، ومرة أخرى يوم ١٠ برمهات في شهر مارس، كل سنة وأنتم طيبين. 

وأضاف قائلا نواصل تأملاتنا في مزمور ٣٧ تحت عنوان دروس في الحكمة:
"لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ. اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ. انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ. كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ، لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَة". نعمة الله الآب تكون مع جميعنا. آمين. 
وتابع: موضوعنا اليوم عن ارعَ الأمانة، فرعاية الأمانة من الكلمات الجميلة والتي لها أبعاد كثيرة، ففي العهد القديم نجد راعوث اِلتصقت بحماتها نُعمة وعاشت معها، وعملت في حقل بوعز، وفي النهاية راعوث ونُعمة راعوا الأمانة في حياتهم...
فكيف تظهر أمانة الله أمامنا كبشر؟
دائمًا نصف الله أنه أمين وقدوس، في سفر الرؤيا "وَاكْتُبْ إِلَى.... الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ" (رؤ ٣: ١٤)، والله لمّا وعد الإنسان بالخلاص بعد سقوط آدم تمّم الخلاص، فأمانة الله نوع من الرجاء والثقة الداخلية بأن الله يعمل فينا، أيضًا بولس الرسول عند ذهابه للمحاكمة في روما السفينة كُسرت، فوقف بولس يصلي "لأَنَّهُ لاَ تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ، إِلاَّ السَّفِينَةَ...... لأَنِّي أُومِنُ بِاللهِ أَنَّهُ يَكُونُ هكَذَا كَمَا قِيلَ لِي" (أع ٢٧: ٢٢)...
أمانة الله تظهر في غفرانه للتائبين "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (١يو ١: ٩)، كذلك عندما أتوا بالمرأة الخاطئة لرجمها، وتغافلوا عن خطاياهم، كان الله في منتهى الأمانة والهدوء وسجل بعض خطاياهم على الأرض، وبعد ذلك ذهبوا ولم يتبقَّ إلا المرأة الخاطئة واقفة في عارها، فتحنن عليها الله "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا»"، وأمانة الله تظهر في التجارب، لأنه لا يتركنا بمفردنا فيها، وهو بأمانته يعبر بنا الأوقات الصعبة بسلام، يقول الكتاب "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا" (١كو ١٠: ١٣)، وفي العهد الجديد مَثَل الوزنات "كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (مت ٢٥: ٢٣)، فالأمانة لا تتجزأ، عليك أن ترعى فضيلة الأمانة في حياتك، إن كان عمل أو تربية أبناء، "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" (رؤ ٢: ١٠) "كُنْ" فهي موجهة للكل وفيها نوع من الاستمرار والخصوصية والإلزام، و"كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ" فهذا الجزء يخص السماء وأما الجزء الثاني فهو يخص الأرض "فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ"...
مجالات الأمانة التي يجب مراعاتها هي: 
١– أمانتك نحو الله "اخْشَوْا الرَّبَّ وَاعْبُدُوهُ بِكَمَال وَأَمَانَةٍ" (يش ٢٤: ١٤)، فالإيمان المستقيم جاء من كلمة الإيمان وعاشت به كنيستنا على مر الأجيال، ودانيال النبي كان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ أو ذنب، وجاهر بإعلانه بالإيمان، ورفض عبادة الأوثان، وعندما ألقوه في جُب الأسود قال "إِلهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي" (دا ٦: ٢٢)، فكان دانيال إنسانًا أمينًا تجاه الله... 
كذلك شهداء ليبيا بالرغم من اختلاف جنسياتهم إلا أنهم كانوا أمناء على إيمانهم في أرض غريبة، لذلك جعل الله صورة استشهادهم كرازة لاسم المسيح والكنيسة القبطية على مستوى العالم بدون استثناء، وهذه الثمار الكثيرة نتيجة أمانتهم...
القديس بوليكاربوس أسقف أزمير في تركيا كان عمره ٨٦ عام عندما طلبوا منه يسجد للأوثان، فقال "لقد خدمت المسيح ٨٦ عامًا ولم يصنع بي شرًّا فكيف أجدف على ملكي وإلهي الذي خلصني!؟"، وأطلقوا عليه الوحوش لدرجة أخدت الناس بعض البقايا التي تبقت منه واعتبرتها ذخائر وكنوز وبنوا عليها كنائس، ومعنى "بوليكاربوس" عديد الثمار، فالإنسان الأمين أمام الله لا يتساهل مع الخطية أيًّا كان شكلها أو نوعها، مثل يوسف الصديق عندما قال: "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟".. 
٢ – الأمانة مع النفس، ارعَ أمانتك تجاه الله ونفسك، ويدك، وعينيك، وأذنك، ومشاعرك، وصحتك، كل ذلك لا بد أن يكون فيهم الأمانة، فلا بد أن تضبط حواسك، مثل العين: تتعفف عن النجاسة وتحترم خصوصية الآخر، والأذن: يجب أن ترفض أي كلام فيه قباحة أو نشر لإشاعة، ولسانك: يجب أن يكون نقيًّا يسبّح ويصلي ويشكر ويرفض الحلفان والكذب، "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ" (١كو ٣: ١٧) ويقصد هنا هيكل جسدك ونفسك، ارعَ الأمانة تجاه نفسك... 
أما البُعد الثاني..
٣ – ارعَ الأمانة في الأسرة، ارعَ الأمانة في زوجتك، ارعي الأمانة في زوجك، كل واحد فيكم مسؤول عن الطرف الآخر، والأمانة تجاه أبنائك، حتى في أموالك ومواهبك لا بد أن تكون أمينًا لأنها كلها نِعم وعطايا من الله، "وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ" (يش ٢٤: ١٥) أنا وأهل بيتي لنا علاقة مع الله نرعاها في أمانة، فتكوين أسرة بمفاهيم سليمة ذلك يجعل البركة في البيت.. 
٤ – الأمانة في مجال الدراسة والعمل، فالطالب الأمين في دراسته والذي يرفض أي صورة من صور عدم الأمانة، فأمانته هي التي تصل به إلى تخرجه.. 
أما الأمانة في العمل، مثل يوسف، ونحميا، ووشتي الملكة، وراعوث، كلهم أمناء في عملهم، وتبدأ أمانة العمل بالالتزام بالمواعيد، والجدية والإتقان وحفظ خصوصية العمل، فأمانة الأعمال لا تنتهي، "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ" فالأمانة تحفظك من مجالات الشر والعدوان والمجالات المتعبة في المجالات الإنسانية..
الحدود المتسعة لأمانة الإنسان: 
يعقوب أبو الآباء ظل أمينًا في خدمته وعمله لخاله لابان، رغم أن خاله استغلّه في خدمته وغيّر أجرته عدة مرات، وكان يعقوب يعوّض خاله عن أي شاة يفترسها أحد الحيوانات البرية، مع أنه كان من المفروض أن يتحمّل صاحب الغنم ما يتم افتراسه..
٥ – الأمانة في الخدمة، وتتضح الأمانة في إنجيل معلمنا يوحنا في الأصحاح ١٠ ويوضح لنا الفرق بين الراعي والأجير، وبين الذئب الذي يأتي ويفترس ويُهلك، ويقول أن الراعي الأمين هو (الراعي الصالح ويعرف خاصته وخاصته تعرفه)، وهو أيضًا "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا"، وأيضًا الراعي الأمين ينتبه للرعية والمكان الذي تتغذى فيه..
أمانتك في خدمتك ككاهن في رعاية الشعب، فعندما أهمل عالي الكاهن في تربية أولاده، جاءه صوت من الله "وَأُقِيمُ لِنَفْسِي كَاهِنًا أَمِينًا يَعْمَلُ حَسَبَ مَا بِقَلْبِي وَنَفْسِي، وَأَبْنِي لَهُ بَيْتًا أَمِينًا فَيَسِيرُ أَمَامَ مَسِيحِي كُلَّ الأَيَّامِ" (١صم ٢: ٣٥)، فأنت مسؤول عن تربية ورعاية بيتك أيضًا، "مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟" (٢كو ١١: ٢٩)، ثلاث سنوات كان يكلم ويصلي بالدموع، الأمين في الخدمة أمين في تعليمه، القديس أثناسيوس عندما كان يشرح إيمانه في اللاهوت كان يشرحه عن طريق الفلسفة لأنها كانت السائدة في ذلك الوقت، وكذلك أيضًا بولس الرسول. 
٦ – الأمانة في المال، فالمال نعمة من الله لتيسير الحياة، وتستطيع به أن تخدم كل أحد، "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ ...... بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ" (مت ٦: ١٩ – ٣٣)، "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ" (مت ١٩: ٢١)، فلا تجعل المال هو الذي يتحكم فيك، ولا تجعل محبته مصيدة لك توقعك، "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ" (١تي ٦: ١٠)، فالله يعطي البعض الكثير من المال ويعطي البعض الآخر القليل من المال حتى يُحرّك الرحمة والشكر في قلوب كل منهم.. 
٧ – الأمانة في الوقت، فالوقت هو العطية الوحيدة التي يعطيها الله بالتساوي للجميع، لذلك لا بد من استخدام الوقت بطريقة حسنة، فالأمين في وقته يكون إنسانًا ناجحًا، فلا تدع الحرية التي يعطيها لنا الله تضيع بلا قيمة ومعنى وثمر.. 
الخلاصة، لكي ترعى الأمانة اهتم بمخافة الله في حياتك، واهتم بمحبتك التي تقدمها لكل مَنْ حولك وكُن إنسانًا ملتزمًا ودقيقًا، يقول الكتاب "فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ" (أف ٥: ١٥ – ١٦) وهنا الجهل والحكمة مرتبطين باستخدام الوقت، فأنت تملك اليوم وغدًا عند الله، "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" (رؤ ٢: ١٠)، يُعطينا الله أن نرعى الأمانة في حياتنا في كل يوم.