الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إنهم يكتبون التاريخ الآن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما تشاهد أحد الأفلام التاريخية قد تنبهر بالديكور، ويدهشك أن ألوان ملابسهم كانت تحكي تفاصيل عصرهم، ثم تندمج مع اللهجة التي يتحدثون بها، وفي الطريقة التي يبكون بها في كبرياء. قد تنسلخ من عصرك تمامًا لتصبح أحد فرسان العصور الوسطى مثلًا.. لكن مهلًا.. ألم تسأل نفسك من أين للكاتب بكل هذه التفاصيل ؟! هو بالتأكيد ليس أحد غفراد العصر الماضي فلا أحد يعيش خمسة قرون بيننا ومن المؤكد أنه لم يستخدم البلورة السحرية ولا آلة السفر عبر الزمن ليعود بنا للزمن الماضي.. الحقيقة التي تطالعك حين تفكر بالمنطق هي أن الكاتب استخدم خياله للسفر وهذا الخيال شئت أم أبيت سيغير من القصة لأن الحياة في الأساس مجموعة من التفاصيل مركبة مع بعضها البعض في لقطات متتالية، وبالتالي فالطريقة التي تُقدم بها تلك التفاصيل تؤثر بلا شك في حدوثها أمام عينيك، لذا يهتم صناع سينما التاريخ بديكور الاستوديو كما يهتمون بالحوار وتفاصيل القصة.

 عندما وضعت نفسي مكان كاتب ومخرج فيلم تاريخي وجدت أنهما حتى لو أرادا للفيلم أن يكون وثائقيًا لا ممثلين فيه فإنهما بلا شك سيلجآن لتصوير أماكن احتوت الأحداث بصورتها الحالية أو بتغييرها وفق وجهة نظرهما بحيث تأخذ شكلها الماضي حسبما يريد، فلا صور وثائقية تستطيع أن تحتوي كل التفاصيل بلا شك إن أردت أن تقدم رؤيا تاريخية لقصة أو حدث، لهذا فأنت لا محالة كمشاهد ستكون بين يدي الكاتب والمخرج تتأمل رؤيتهما للتاريخ كي تقبلها أو لا تقبلها، وربما تأخذك الحماسة للقصة وتبدأ في تتبعها في أمهات الكتب، ومهما كانت نسبة التطابق كبيرة من وجهة نظرك بين ما رأيته في الفيلم وبين ما قرأته في الكتب فلا شك أن نسبة من الاختلاف ستظل تؤرقك وتجعلك ترى الفارق بين التاريخ كما تراه أنت بعد أن سمعت أخباره وبين التاريخ من وجهة نظر صُنَّاع الفيلم.

فهل يصبح من الأمان أن نتوقف عن تقديم التاريخ للسينما ؟ أم يجب ان نكتب تنويهًا في مقدمة كل فيلم يشبه التنويه المشهور: (هذا الفيلم للراشدين فقط)؟ لتجد الأفلام التاريخية تسبقها لافتة مكتوب فيها: (هذا الفيلم يقدم رؤية عمل أصحابها على أن تمثل الواقع تمامًا مع مراعاة اختلافات الرؤى الفردية)..

أتفق مع مواصلة تقديم التاريخ للسينما بروحه الإنسانية وجزء من روحه أن يصبح تراثًا يتصف بحمل صفات أهله، وهذا الذي ينقل التراث ينقل من أهله أو يكون أحد أهله. هذا التاريخ تاريخ من يكتبون الآن وهم يشعرون به، فلينقلوه برؤيتهم ما لم يغيروا فيه تغييرًا يُعتبر افتراءً، أو يُعاقب عليه القانون الحارس للتاريخ..