الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سد النهضة.. عودة للمربع صفر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فشلت جولات المفاوضات على مدى السنوات الماضية في إقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق مُلزم بشأن ملء سد النهضة وتشغيله، وفيما لا يتنازع شركاء النيل الثلاثة على حق إثيوبيا في بناء السد للدفع بالتنمية في هذا البلد النامي، يتركز في المقابل الخلاف حول الإطار الزمني لملء خزان سد النهضة، وهي قضية شائكة تُعيد الخلاف إلى المربع صفر، حيث تستمر إثيوبيا في تعنتها متمسكة بملء الخزان في غضون ثلاث سنوات مما يحول دون التوصل إلى اتفاق بشأنها مع دولتي المصب -مصر والسودان- خاصة في ضوء تأثيرها السلبي في إمدادات المياه إلى البلدين. وتطالب مصر والسودان في المقابل بزيادة عدد سنوات ملء سد النهضة إلى سبع سنوات على الأقل وأن يشمل الاتفاق تحديد كمية المياه التي ستصل إلى دولتي المصب في مواسم الجفاف بما في ذلك تحديد كيفية حل أي خلافات قد تطرأ في المستقبل.

أقول ذلك للمزيد من الشرح حول سبب الخلاف، فبرغم كونه واضحا للرأي العام الداخلي غير أنه قد يحتاج خارجيا لتكرار شرح التفاصيل المهمة عن موقف مصر من النزاع القائم حاليا مع إثيوبيا، من ذلك وقوف مصر مساندة لطموحات الشعب الإثيوبي وحقه في التنمية مع الحفاظ على حقوق مصر المائية التي لا يمكن لأحد أن يتجاوزها. 

وقد أكد الرئيس السيسي في العديد من المناسبات على هذه المبادئ، منها خطابه في البرلمان الإثيوبي منذ ست سنوات تقريبا عند زيارته لأديس أبابا، وقد شرح وألحَّ في الشرح كيف أن الدولة المصرية تتفهم متطلبات التنمية في إثيوبيا، لكن مع ضرورة ألا تكون التنمية على حساب الآخرين. وخاطب الشعب الإثيوبي مباشرة قائلا إنه يتفهم رغبة إثيوبيا في تحقيق التنمية منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها المسئولية ويقدر حقها في التنمية بقدر تقديرها لحق الحياة للمصريين وأنه يرسي قاعدة لا ضرر ولا ضرار. 

ولم يتغير الموقف المصري؛ لأنه مبدئي منذ انطلاق المفاوضات، وظل إيمان الدولة المصرية ثابتا لا يتزحزح بإمكانية إدارة الأزمة وحلها بأساليب رشيدة تحقق المصلحة للجميع؛ لذلك تسعى مصر للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم طبقا للأعراف والثوابت الدولية وتستخدم كافة السبل السياسية والدبلوماسية على امتداد سنوات من أجل دفع عملية التفاوض. وقد رحبت مصر بكافة الدول التي اقترحت التوسط لتقريب وجهات النظر، وحتى عندما سلمت مصر ملف الأزمة لمجلس الأمن كان ذلك من منطلق السير في المسار الدبلوماسي حتى نهايته؛ ولأن مصر دولة سلام فهي لم تهدد أحدا ولم تلجأ إلى ذلك على مر تاريخها الطويل، وذلك على الرغم مما تملكه من قوة عسكرية هي الأكبر في المنطقة ولا تظهر إلا أجزاء بسيطة من قوتها تلك عند وجود مناورات أو تدريبات مشتركة مع بعض الدول الصديقة. 

والمطلع على تاريخ مصر ودور دبلوماسيتها العريقة في إدارة ملفاتها التفاوضية يعرف أن لديها في جعابها وسائل كثيرة للتفاوض وإدارة الأزمة بالشكل السياسي وكذلك لديها دأب ونفس طويل للدفاع عن حقوقها سلميا، كما أن مصر من منطلق التعاون الإسترتيجي مع دول القارة الإفريقية وفي مقدمتها الدول المتشاركة في نهر النيل لديها مشروعات في مختلف هذه الدول. وتتجاوز الاستثمارات المصرية فى إثيوبيا 700 مليون دولار في الفترة ما بين 2010 و2018. ولا تتأخر مصر عن جاراتها في الدعم والمساندة من خلال إرسال المساعدات والخبراء والإغاثة الطبية عند الضرورة وفي حالات الطوارئ ة لأي بلد إفريقي أو صديق حيث أنها استراتيجية متبعة من الدولة المصرية ولا تحيد عنها في تعاملها مع جيرانها وأصدقائها. كما أنها لا تتأخر عن تقديم خبراتها ليستعينوا بها في إنشاء البنية التحتية من طرق وكباري ومنشآت عامة مثل المستشفيات والمدارس والمطارات ومشروعات الكهرباء وتوليد الطاقة، ناهيك عن خبراتها الطويلة في مجال الزراعة وإدارة المياه.

وقد حاولت الدولة المصرية من خلال رئيسها ومسؤوليها إقناع إثيوبيا بأن التعاون والبناء والتنمية هو الأمل والطموح للشعبين وهو اختيار لمصر منذ البداية بدلا من الخلاف والفرقة والأذى بكل ما يعنيه من وقت يضيع على البلدين فرصا كان يمكن توجيهها للتعاون الإقليمي والتنمية. ويتذكر الرأي العام عندما أقسم رئيس وزراء إثيوبيا خلال زيارته لمصر في 2018 على ألا يتسبب في أي ضرر للشعب المصري. لكن يبدو أنه سرعان ما خلع رداء السلام بعد حصوله على نوبل ونسي وعوده لتظل الأزمة مستمرة طالما استمر في تعنته بعدم المضي في التوصل إلى اتفاق يحدد طرق ومدد ملء السد وآلية منظمة لكيفية حل أي خلافات مستقبلية.

وإذا كانت الانفراجة في ملف المياه قد حدثت مؤقتا من الطبيعة ودون تدخل من بشر بتسجيل ارتفاعات كبيرة في مناسيب المياه الواردة من منابع النهر مؤخرا مع معدلات غير مسبوقة من الأمطار والسيول، ووصلت إلى حد تجاوز مستوى الفيضان في الخرطوم وزيادة المياه المخزنة في بحيرة السد العالي جنوب مصر، فإن الأزمة مع إثيوبيا لم تسجل أي حلحلة في الموقف بعد إصرار الأخيرة على رفض بيان مجلس الأمن. فهل مازال هناك أمل في الجهود الدبلوماسية للخروج من المربع صفر؟... هذا ما ينتظر إجابته الرأي العام المصري والسوداني في الفترة المقبلة.

olfa@aucegypt.edu