الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الغاز المصرى يصنع مستقبل المنطقة..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تبدأ القصة فى فبراير 2018 عندما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى "النهارده جبنا جول" تعليقًا على صفقة الـ 15 مليار دولار التى بموجبها اشترت مصر إنتاج الغاز الإسرائيلى لمدة 10 سنوات قادمة.
تلى ذلك الحدث الاقتصادى والسياسى المدوى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان أغسطس 2020؛ لتجعل من مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق غير الشرعية فائز السراج نوفمبر 2019 لا تساوى قيمة الحبر الذى كتبت به.
بموجب هذه الاتفاقية حصلت مصر على 56% من المنطقة الاقتصادية فى المياة الدولية طبقًا لاتفاقية الأمم المتحدة للبحار لعام 1982 مع ذلك روجت تركيا أكاذيب مفادها أن مصر قد تنازلت عن مساحات شاسعة لصالح اليونان؛ فيما واجهت حكومة الأخيرة انتقادات لاذعة من المعارضة لما اعتبرته تنازلًا يونانيًا لصالح مصر.
غير أن الموقف التركى الرافض للاتفاق المصرى اليونانى يفسره موقفها من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الموقعة فى فبراير 2003 حيث رفضت الاتفاق وحاولت دون جدوى دفع الحكومة المصرية حينها للتراجع عنه، وبمجرد وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى سدة الحكم فى مصر حاولت فى عام 2013 من خلال أحد قياديها النائب فى مجلس الشورى خالد عودة إلغاء الاتفاق المصرى القبرصى وذلك إنفاذًا للمصلحة التركية على حساب المصلحة المصرية.
مذكرة أردوغان السراج تجاهلت الحقوق الاقتصادية السيادية لجزيرة كريت اليونانية طبقًا لاتفاقية البحار التى لم توقع عليها تركيا، فكانت ليبيا مسرح عمليات عسكرية تركية أرادت من خلالها الضغط على مصر لتقدم بعض التنازلات لصالحها فى شرق المتوسط، علاوة على احتلال منطقة الهلال النفطى الليبية، ودفعت بآلاف المرتزقة وبوارجها البحرية نحو مدينتى سرت والجفرة أملًا فى عمل نقاط ارتكاز جديدة للجنود الأتراك ومرتزقتهم السوريين على خط التماس مع الحدود الغربية المصرية.
غير أن الرئيس السيسى فاجأ المجتمع الدولى برسم بأشهر الخطوط الحمراء فى التاريخ المعاصر "خط سرت الجفرة" وقام الجيش المصرى بعدة مناورات عسكرية فى المنطقة الغربية أكدت للجميع أن مصر جادة فى حماية مدينتى سرت والجفرة باعتبارهما خط تماس للأمن القومى لحدودها الغربية.
أدرك أردوغان أنه بات محاصرًا فى ليبيا وشرق المتوسط فسارع يطلب المصالحة مع مصر وهو الملف الذى لم يتحقق فيه ما يذكر حتى الآن.
فى المقابل مضت مصر فى استراتيجيتها نحو تحولها إلى مركز إقليمى للطاقة فكان منتدى غاز شرق المتوسط ودخلت فى تحالف استراتيجى متعدد المجالات مع قبرص واليونان وتعد قمة الرئيسين المصرى والقبرصى الأخيرة أحد تجلياتها والذى أكدت خلالها مصر دعمها للقضية القبرصية وحرصها على حماية الحدود البحرية المرسمة بينها وبين قبرص واليونان وفق قواعد القانون الدولى ويأتى امبوب حقل أفريدوت القبرصى الذى سينقل الغاز إلى مصر حيث مصانع الإسالة يعاد تصديره لأوروبا ليعزز هذا التحالف، من ناحية ويعزز مكانة مصر كمركز إقليمى للطاقة من ناحية أخرى.
الغاز الإسرائيلى يأتى فى ذات السياق فلولا الرؤية المصرية بعيدة المدى لكانت تركيا هى دولة العبور لغاز إسرائيل وربما غاز قبرص إلى السوق الأوروبية.
ليس بعيدًا عن هذه الرؤيا جاء محور الشام الجديد الذى يربط بين مصر والأردن والعراق والذى بموجبه سيتم نقل النفط العراقي عبر الأردن إلى نويبع المصرية ليجد طريقه بعد ذلك إلى السوق العالمية وفى ذلك الإطار كانت قمة أصدقاء العراق وجيرانه التى جمعت الفرقاء (مصر-إيران-تركيا-السعودية-الكويت-الإمارات-قطر-الأردن-فرنسا).
على صعيد متصل بينما مصر عملت على تعزيز مكانتها كمركز إقليمى للطاقة كانت تعزز من إمكانات وقدرات جيشها بحيث أصبح أقوى جيوش المنطقة بما يمتلكه من أسلحة حديثة متطورة وما يجريه من مناورات عسكرية مع مختلف دول العالم آخرها النجم الساطع التى يشارك فيها 21 دولة إلى جانب مصر والولايات المتحدة الأمريكية فى قاعدة محمد نجيب.
قوة الجيش المصرى جعلت منه اللاعب الأهم فى عملية ضمان استقرار وأمن المنطقة على نحو سمح لمصر امتلاك أوراق سياسية مؤثرة فى الملفات كافة من ليبيا غربًا إلى فلسطين شرقًا بل وما هو أبعد من ذلك ما جعل جميع الأطراف تثق فى الدولة المصرية وإمكاناتها وقدرتها على حلحلة الأزمات بما باتت تملكه من نفوذ.
هذه الثقة تجسدت فى موافقة الولايات المتحدة على إمداد لبنان بالغاز المصرى لحل أزمة الطاقة والكهرباء عبر سوريا وتخليها عن ما يسمى بقانون قيصر الذى يفرض عقوبات على أى دولة أو كيانات تتعاون اقتصاديًا مع الدولة السورية.
الغاز المصرى يحي خط الغاز العربى الذى اتفق عليه فى العام 2000 وتم تنفيذ أول خطوطه من مصر إلى الأردن فى 2003 ثم مدها عبر الأردن إلى شمال سوريا عام 2008، وكان مقررًا أن يمتد إلى لبنان ثم تركيا حيث تنقله الأخيرة إلى السوق الأوروبية.
اليوم يتم إحياء هذا الخط بدون تركيا حيث لم يعد هناك حاجة لها بسبب وجود مصر كمركز إقليمى للطاقة ومن المحتمل وفق تقارير أن تنضم كل من السعودية والعراق بإنتاجهما الضخم إلى هذا الخط.
الغاز المصرى إلى لبنان خطوة أولى لإعادة سوريا إلى الأحضان العربية وبداية لتحجيم النفوذ الإيرانى وتحويلها من مهيمن إلى مجرد منافس إلى جانب خطوات أخرى تتخذ فى العراق وربما اليمن.
قبل أسابيع كتبت فى هذه الزاوية "السيسى يقف على خارطة شرق أوسط مختلف" ويبدو أن ملامح هذه الخارطة قد بدأت تتضح.