الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وهم القوة الصهيونية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

لاشك أن أهم ما كشفت عنه واقعة الهروب الكبير التى نفذها ٦ أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع للاحتلال الإسرائيلي، أن هناك وهما اسمه «القوة الصهيونية» فى الأراضى الفلسطينية تحت الاحتلال، بل أقل ما يقال عنها إنها بالونة أمنية إسرائيلية ضعيفة، يفضها ويفرغها دبوس صغير.

الوقائع التى جرت ليست فيلما سينمائيا أو من خيال مؤلف ولمسات مخرج، بل هو واقعة حقيقية، من أسرى فكروا وخططوا واستخدموا أقل القليل المتاح لديهم من أدوات، ليثبتوا للعالم أن المعركة مع الاحتلال ليست فى حمل البندقية والمدفع، بل فى كشف عوراته وإذلال قوته الغاشمة ضد من هم تحت قوى الاحتلال، وأن البحث والوصول إلى تحقيق الحرية معها هو فعل قائم ولن يتم توقف البحث عنه وتحقيقه.

ما جرى من أسرى سجن جلبوع هو عملية إذلال لهذا المحتل المتغطرس، والذى يعتبر نفسه قوة لا تقهر، فإذا بسجناء فى زنازين ضيقة، محدودة المساحة، ووسط حراسات شديدة استطاعوا أن يجدوا لأنفسهم منفذا نحو الحرية، واستخدام أدوات بسيطة، ليظلوا شهورا فى حفل نفق من قلب الزنازين إلى خارج أسوار السجن.

وفى اللحظة المناسبة والتوقيت الأنسب، خرج الأسرى الستة لنسيم الحرية، ليخرجوا ألسنتهم لهذا العدو الذى يستخدم كل أدوات التأمين فى سجونه الحصينة، وشديدة الحراسة، فقد استغرقت عملية الهروب، أو قل لفظ أدق «الفرار» ١٩ دقيقة ليبتعدوا عن سجن جلبوع الإسرائيلي، ويصلوا فى موقع آمن ما زال مجهولا حتى الآن عن الأمن والمخابرات الإسرائيلية، فيما ظلت سلطات الاحتلال ساعات لتكتشف هذه العملية الكبرى والتى ستدونها سجلات عمليات الهروب من السجون والفرار من سطوة الاحتلال، وربما هى العملية الأهم فى تاريخ الهروب من السجون فى العالم.

واقعة الفرار المُذلة للأمن الإسرائيلى دفعت رئيس وزراء إسرائيل «نفتالى بينيت» ليخرج ليصف حادث الهروب بأنه «حدث خطير»، مضيفا -بعدما أجرى اتصالات مع وزير الأمن الداخلى عومر بار ليف - «إن هذا حدث خطير يلزم جميع الأجهزة الأمنية بالتحرك»،.. ووصف مسئول كبير فى الشرطة الإسرائيلية حادثة هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع بأنه أحد أخطر الحوادث الأمنية بشكل عام.

وحتما سيأتى يوم تظهر فيه الحقائق التى قام بها الأسرى الستة لتنفيذ عملية الهروب الكبيرة، وستذكر سجلات التاريخ قصصا سيرويها « محمود عبدالله عارضة، ومحمد قاسم عارضة، ويعقوب محمود قادرين وأيهم نايف كممجي، وزكريا الزبيدي، ويعقوب انفيعات،- وأغلبيتهم محكوم عليهم بأحكام مدى الحياة، - وسيرون كيف انتزعوا حرياتهم - ولو لبعض الوقت- من بين مترايس ومدافع الاحتلال، ليقولوا للعالم نحن أقوى من قوى الصهيونية والعدو الإسرائيلى المحتل.

وضعف الأمن الإسرائيلى جسدته قيام إدارة السجون بمجموعة من الإجراءات العقابية التى قامت بها ضد الأسرى فى سجونها، بإغلاق منافذ بيع المواد الغذائية فى السجون، وإعادة توزيع الأسرى وفق انتماءاتهم السياسية الفسلطينية، بل وصل الأمر إلى إغلاق أقسام أسرى الجهاد الإسلامى وتوزيعهم على السجون، وسط مخاوف وتحذيرات من موجات تصعيد خطيرة وسط الإجراءات العقابية على الأسرى، بينما يرتعد الأمن من عمليات مشابهة.

وهذا الهوان الإسرائيلي، الذى كشفته عملية الفرار الكبرى، قيام سلطات الاحتلال بعمليات استدعاء لعائلات الأسرى منذ الساعات الأولى لنجاح عملية الهروب، وهو ما يؤكد أن هذه الهالة- التى تحيط إسرائيل بها نفسها، وتفريغ فشلها فى تحقيقات مع تلك الأسر-، هو مجرد وهم، وأنها أضعف من «بيت العنكبوت»، 

أعتقد أن الدرس مهم وحتما بل ستتعلم منه دول أخرى، وستقوم إسرائيل، بإجراءات عديدة، مع الأسرى فى سجونها، منها منع كل ما هو معدن وأدوات صلبة، وربما سائلة من أدوية وأدوات تنظيف، إلا أن هذا لن يمنع تكرار محاولات كسر الاحتلال وتوجيه الهزائم له واحدة تلو الأخرى، لتؤكد أن عنف المحتل وقوته تكسره قوة صاحب الأرض والحق، وأنه إلى زوال يوم ما.