الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

زهق روح.. قصة قصيرة لـ"عبير الحلوجي"

د. عبير الحلوجي
د. عبير الحلوجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أجلس بعزلة، في انتظار قرار لجنة الفحص... 
بعد أن انعتقت، وتمكنت من ترك الجسد الذي علقت به، حال بيني وبين الصعود سقف الغرفة الخرساني. كنت بكامل سرعتي بعد معاناة، ومحاولات عديدة فاشلة للخروج إلى أن استجمعت قوتي، وبعزم شديد انسللت.
كان ميلادا عكسيا متعثرا، وبنفس شغفي لدخول هذا الكائن، تملكتني رغبة مماثلة بل أشد للخروج منه.

على غير المتوقع اصطدمت بالسقف، خارت قواي. كدت أرتد من حيث أتيت. تشبثت بالنجفة المدلاة من هذا السقف اللعين.  يجذبني الجسد مرة أخرى، يناضل بكل جهده ليستردني، ويبقيني على قيد حياته. أقاوم بما تبقى لي من قوة، أخشى الرجوع، يكفيني ما أمضيت مع هذا المخلوق العجيب، شتتني وأربك تكويني. ملاذي الوحيد أن يهمد وتتلاشى الجاذبية.

دخلت من قبل في مئات من الكائنات، لم أشق كما شقيت مع هذا التعس كتلة التناقضات المريعة.

آه... يا لعين بسببك فقدت خواصي. كيف عجزت عن النفاذ؟ ما العطب الذي حل بي؟ سأنتظر قليلا لأستجمع قواي، حتما خلل بسيط وسيزول.

أنظر لهذا الجسد المسجى، أتذكر الشجرة الجميلة التي كنتها يوما، كانت تشع بهجة وسعادة على من حولها. لا تعرف سوا العطاء، إلى أن جاء الكائن الجبار، قطعها ومزق أغصانها، بقوة غاشمة وابتسامة شبقة. يومها انبهرت بقوته وجبروته. زاد تعلقي به عندما كنت ثعلبا جبليا ذا فراء ناعم بديع وذيل طويل لامع السواد، تمكن الجبار من الإمساك به، سلخه بوحشية ليحصل على الفراء. حتى وأنا سمكة قرش عملاقة في أعالي البحار، تمكن من صيدها. نكل بأعتى الوحوش وبأرق المخلوقات.

معظم من كنتهم قضوا نحبهم على يديه، لأتحرر أنا وأتولى مهمة تالية. تمنيت اليوم الذي أكنه، حين أسمو وتنسب لي مهمة مصاحبته.

يوم أن بشروني به، لن يمحى من ذاكرتي. اعتقدت من فرط السعادة أني ارتقيت لأعلى المراتب، لم أكن أعلم أن نهايتي لاحت وباتت وشيكة.

وصلت منهكة متهالكة، أدخلوني سريعا مركز تأهيل الأرواح، هكذا المتبع دوما بعد انقضاء كل حياة، لإعادة صيانتي وتجهيزي للمهمة التالية.

بعد الفحص الشامل والتدقيق خرج قرار لجنة الفحص بالإجماع
"الروح أزهقت تماما، ولم تعد تصلح لمهام أخرى".


من مجموعة قصصية للكاتبة عبير الحلوجي تصدر قريبا