الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خريف الملك والباشا والشيخ والزعيم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يوما ما من أيام (الخريف) سبتمبر السوداء قرر الرئيس الراحل أنور السادات اعتقال كل القيادات السياسية والصحفية والطلابية بجميع انتماءاتها ومراكزها وأعمارها وكان عددهم ١٥٣٠ شخصا، كما أمر بإغلاق كل الصحف غير الحكومية، وقد أسمت المعارضة هذه القرارات بقرارات سبتمبر السوداء، بينما اختار الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل عنوانا لكتابه عن تلك الفترة من عام ١٩٨١ (خريف الغضب).

وبعد اغتيال السادات خرج المعتقلون من السجن إلى قصر القبة وكان في استقبالهم رئيس الجمهورية الجديد حسنى مبارك.

لم يكن اعتقالهم مشكلة، ولكن عندما تحبس عقل الأمة هنا تكون الكارثة، وقد حدث ذلك من قبل في خريف سبتمبر عشرينيات القرن الماضى عندما أقال الملك فؤاد عبدالعزيز باشا فهمى وزير الحقانية (العدل) بسبب كتاب الشيخ على عبد الرازق (الإسلام واصول الحكم) ؟!!!!!

ففي سنة ١٩٢٥ أصدر الشيخ على عبد الرازق كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، داعيًا إلى فصل الدين عن السياسة، مما أثار ضجة بسبب آرائه في موقف الإسلام من الخلافة، ورد عليه الأزهر بكتاب "نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم"، وقررت هيئة كبار العلماء ـ إرضاء للملك فؤاد ـ "نزع شهادة العالمية منه وطرده من كل وظيفة لعدم أهليته للقيام بأي وظيفة دينية أو مدنية".

وكان الغريب موقف زعيم الأمة سعد زغلول الذي أسهم في الهجوم على الشيخ على عبد الرازق؛ حتى أنه وصفه بالجهل والضلال، لينتصر التاريخ بعدها للشيخ الجليل ضد كل الجهلة والمشعوذين.

أما حكاية إقالة عبدالعزيز باشا يوم ٥ سبتمبر فهى تبدأ عندما أرسل شيخ الأزهر قرار عزل على عبد الرازق إلى عبد العزيز فهمي باشا ـ وزير العدل ـ طالبًا التصديق عليه الذى رفضه وكتب قائلًا:

أحضرت هذا الكتاب وقرأته مرة أخرى، فلم أجد فيه أدنى فكرة يؤاخذ عليها مؤلفه وقال: ثقل على ذمتي أن أنفذ هذا الحكم الذي هو ذاته باطل لصدوره من هيئة غير مختصة بالقضاء، وفي جريمة الخطأ في الرأي من عالم مسلم يشيد بالإسلام، وكل ما في الأمر أن من يتهمونه يتأولون في أقواله ويولدون منها تهمًا ما أنزل الله بها من سلطان. 

وغضب الملك، واشتعلت أزمة كبيرة كان محورها تمسك عبد العزيز فهمي باشا بموقفه الليبرالي في مواجهة الملك وسعد زغلول معًا، وانتهى الأمر باستقالته هو وثلاثة وزراء آخرين (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة).

هو: عبد العزيز فهمي، قاضٍ ومحامٍ وسياسي وشاعر مصري من أعلام الحركة الوطنية المصرية في الثلث الأول من القرن العشرين.

وزير العدل ١٣ مارس ١٩٢٥ – ٥ سبتمبر ١٩٢٥

تلقى تعليمه الأول في بلدته، وحفظ القرآن الكريم، ثم أرسله والده إلى جامع السيد البدوي بطنطا ليتعلم التجويد، ثم ما لبث أن نقله إلى الأزهر حيث تعلم على يد مشايخه، لكنه انتقل بعد ذلك إلى مدارس علمانية حتى حصل على الابتدائية ثم الثانوية. انتقل عبد العزيز فهمي بعد ذلك إلى مدرسة (كلية) الحقوق ليحصل على الليسانس سنة ١٨٩٠.

عمل وهو في السنة الثانية بمدرسة الحقوق مترجمًا بنظارة الأشغال، ثم عمل عقب تخرجه معاونًا للإدارة بالدقهلية بمرتب ١٢ جنيهًا، ولكنه سرعان ما طلب نقله على إثر المشكلات التي وقعت بينه وبين أعيان المنطقة، فذهب كاتب محكمة طنطا، ثم ترقى في المناصب حتى عمل بنيابة بني سويف وهناك التقى صديقه أحمد لطفي السيد الذي كان عضوًا بنيابتها. وفي عام ١٨٩٧ عين عبد العزيز فهمي وكيلًا للمستشار القضائي للأوقاف، لكنه استقال سنة ١٩٠٣ وفتح مكتبًا للمحاماة، وفي عام ١٩٠٦ استعفى أحمد لطفي السيد من رئاسة النيابة وزامل فهمي في مكتبه.

تفرغ عبد العزيز فهمي للمحاماة سنة ١٩٢٦، عقب تنازله عن رئاسة حزب الأحرار الدستوريين، وفي نفس العام رشح فهمي رئيسًا لمحكمة الاستئناف (وكان رئيس الاستئناف يلقب وقتها بشيخ القضاة)، لكنه استقال من رئاسة المحكمة عام ١٩٣٠ بعد أن قرأ في إحدى الصحف أن عضوًا بمجلس النواب يسأل عن راتب رئيس محكمة الاستئناف وكيف يتساوى مع راتب الوزير، فتوجه إلى قصر عابدين وقدم استقالته للملك فؤاد الأول؛ لأنه اعتبر السؤال عن راتبه من عضو بالبرلمان تدخلًا في السلطة القضائية، ثم أنشئت محكمة النقض في نفس العام فاختتم حياته القضائية برئاسة هذه المحكمة ثم اختتم حياته العملية بالعودة إلى مهنة المحاماة. وكان عبد العزيز فهمي ثاني نقيب للمحامين وكان أصغر من تولى هذا المنصب.

أطلق اسمه على شارع كبير في ضاحية مصر الجديدة، وإليه ينسب خط من خطوط مترو مصر الجديدة،

أطلق اسمه على عدة مدارس في محافظتي المنوفية والقاهرة.

قال عنه «طه حسين» يوم تأبينه: «كان عبد العزيز فهمي مثقفًا في اللغة والدين، عميق الثقافة مؤمنًا بهذا أشد الإيمان، مترف الذوق فيها إلى أقصى حدود الترف، وما أعرف أن أحدًا ناقشني في الشعر الجاهلي كما ناقشني فيه عبد العزيز فهمي، وما أعرف أن أحدًا أصلح من رأي في الشعر العربي كما رأي عبد العزيز».

كما قال عنه شيخ القضاة «عبد الرزاق السنهوري» في يوم تأبينه: «… ولعلّ أبرز ما يميز الفقيد في حياته الصاخبة المضطربة بالأحداث هو أنه كان يفكر بعقله وبقلبه، بل كان يخضع عقله لقلبه، وهذا ما جعله قريبًا إلى كل نفس، فإن أرستقراطية العقل تُبعد ذا الفضل الكبير عن الناس، أما أرستقراطية القلب فتدنيه منهم».عبد العزيز باشا فهمى الف تحية لروحك الطاهرة والثائرة دوما.