الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قاهرة المعز كما عرفتها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما بين الحين والآخر يأخذني الشوق والحنين إلى شوارع وأحياء قاهرة المعز لدين الله الفاطمي لا سيما (القاهرة القديمة).
فأسير مترجلا بين دروبها، وقد فاحت روائح العطور في كل مكان هنا وهناك.
نعم، تترجل بي الخطوات، حيث الجامع الأزهر الشريف ومآذنه الشامخة التي تكاد أن تصافح عنان السماء، وكأن السحب السائرة تطوف حول المآذن في رقصات دائرية شاهدة على ألف عام أو يزيد من العطاء الفياض من حلقات العلم والمعرفة.
لا أكاد أدخل إلى بهو الجامع العريق إلا وأشعر بنشوة لا نظير لها،حين تلامس قدماي الحافيتين رخام ساحته الواسعة،المستقطعة،من رخام الحرمين الشريفين.
فلا تلبث إلا أن تسافر الروح عبر غمار النور حيث المشهد الحسيني، ومقام السبط الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام.
ففي مرقده الشريف،ترى وتشعر وتلامس بروحك الأنوار المتدفقة من كل جانب،حيث بهاء المكان،وسكونه العجيب،كيف وأن هذا الضريح الأنور ضم بداخله الرأس الشريف لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكيف أن الذي يرقد في هذا المكان بطلا مغوارا وفارسا لا يشق له غبار.
وكيف أن كتف رسول الله كان مركبه،وريقه مشربه، وأن ميراثه من جده المصطفى كان المجد والسؤدد، فضربت له الشهرة وذيوع الصيت في الآفاق.
فلا يكاد يخلو ضريحه الأنور من الزوار حتى أن الحسين بذلك أضحى ملهمًا للباحثين عن الحقيقة في دنيا الناس، ورمزًا تطوف حول مبادئه الفوارس جيلا بعد جيل.
في شارع المعز وخان الخليلي تسير في هدأة الليل، وأنت تشاهد مدى عظمة أجدادنا القدامى حين رسموا وشيدوا هذه الحضارة العريقة، فتشعر أنك تسير في قطعة من الجنة، بعدما تجزم أن مصر بلا شك أو جدال هي جنة الله في أرضه بما حوته من طبيعة فريدة، ونيل متدفق تصافح الشمس بخديها أمواجه الهادئة أحيانا، والثائرة تارة أخرى،لتظل جريانه متدفقا بأمر الله تعالى، ولن تستطيع قوة كائنة من كانت أن تعرقل مسيرته.
من باب الشعرية (الذي كان في الأصل باب الشعرانية نسبة لمريدي القطب الصوفي الكبير سيدي عبد الوهاب الشعراني ينتهي بك المطاف عند مسجد وضريح عقيلة بني هاشم السيدة زينب سلام الله عليها، حيث البهاء والنور، فكان وما زال وسيظل ضريحها الأنور قبلة للمحبين فوج بعد فوج، وأنها ملاذ للضعفاء والمحتاجين فلا ريب أن سميت بأم المساكين.
إنها حكاية كبيرة، وصوت ذو دوي زلزل عرش الظالمين، حين كانت المواجهة بينها وبين يزيد الطاغية، قاتل أخيها الحسين وآل بيته، فجاءت خطبتها العصماء في قصر الخلافة: (فكد كيدك، واسع سعيك، فما أيامك إلا عدد، وما عمرك إلا فند، وإنا وإياك لمجموعون إلى يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين). 
تمر مرورًا حثيثا على حي المدبح أو المشرحة كما يقولون ويطلقون عليه وإن كنت أميل إلى تسميته حي (علي زين العابدين) ابن مولانا الإمام الحسين نسبة إلى مسجده وضريحه الأشهر، حيث إنه الوحيد الذي أنجاه الله من القتل في موقعة كربلاء حيث كان عليلا، وكان ذلك لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وهي عدم انقطاع نسل آل البيت في الكون إلى قيام الساعة!
اشتهرت السيدة نفيسة رضي الله عنها بالتفاف العلماء والصالحين حولها في حياتها، وبعد انتقالها إلى الرفيق الأعلى.
فكانت مقصدا للإمام الشافعي، وكانت محطا لرحاله حين قدم إلى مصر، وكان رضي الله عنه يسألها الدعاء حين ينزل به المرض، فجاءت وصيته أن تكون هي أول من يصلي عليه الجنازة لصلاحها وقرابتها من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
حتى إن غالبية الموتى بداخل القاهرة  يصلى عليهم من داخل مسجدها استشفاعًا وتبركا.
هذه قاهرة المعز بما حوته من أجساد آل البيت والصالحين بشارع الأشراف مرورا بالقلعة العريقة حيث مسجد الرفاعي وشاه إيران محمد رضا بهلوي الذي حوته مصر لاجئا سياسيا ثم دفينا بأرضها الخالدة.
وفي ذيل القرافة تحت جبل العارض بمقطم مصر تشاهد الضريح الأنور لابن الفارض الشاعر الصوفي الكبير وإلى جواره بوادي المساكين "آل وفا" وسلطان المشرق والمغرب عبدالله بن أبي جمرة إلى جانب صاحب الحكم العطائية بن عطاء الله السكندري.
وإذا كانت هذه هي القاهرة فإن مصر لم تخلُ من نقاط ارتكاز الصالحين المتفرقة في شتى أنحاء البلاد كالقطب الكبير سيدي أحمد البدوي في وسط الدلتا بطنطا وشقيقه الروحي سيدي إبراهيم الدسوقي على ثغر النيل بمدينة دسوق وعبدالرحيم القنائي بثقل الصعيد قنا والمرابط على ثغر البحر الأحمر بحميثرة أبي الحسن الشاذلي والقابع على أبواب الإسكندرية بمدخل البحر المتوسط أبي العباس المرسي.
وشتى البقاع المتناثرة، حتى أنهم لذلك أطلقوا عليها (المحروسة) لكونها محروسة بالعترة الشريفة من آل سيدنا رسول الله سلام الله عليهم ومن سار على نهجهم.