السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدعم وسنينه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بدأت مصر بدعم الغذاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث ظهرت ولأول مرة في عام 1942 وزارة التموين وأخذ الدعم يتطور بإدخاله علي الطاقة إلي جانب التوسع في عدد المنتجات الغذائية المدعمة، وعقب ثورة يوليو من العام 52 ارتفع الدعم وتضاعف بشكل كبير.

وأصبح أكثر تنوعا. ولم يقتصر الدعم  على السلع الأساسية بل وصل لقطاعات التعليم الصحة والإسكان.

وفي عهد الرئيس السادات كان التعامل مع ملف الدعم منقسما إلى مرحلتين الأولى هي استمراره وزيادة مخصصاته وذلك بين عامي 1970 و1977، وجاءت المرجلة الثانية وهي تقليصه وترشيده، وهي المرحلة التي انتهت بانتفاضة الخبز، واندلعت احتجاجا على تقليص الدعم وبناء عليه تراجعت الدولة عن خططها.وفي عهد الرئيس السابق حسني مبارك ارتفع الدعم إلى أكثر من مليار جنيه في الموازنة العامة للدولة وذلك لأول مرة في بداية الثمانينات، واستمر الدعم طيلة حكم مبارك، مع تخفيض عدد المستفيدين من البطاقات التموينية من 99% من السكان إلى نحو 70% فيما استمر دعم الحكومة لرغيف الخبز، الذي ظل سعره ثابتا عند 5 قروش منذ العام 1989 وحتى اليوم، رغم ارتفاع تكلفته الفعلية إلى نحو 65 قرشا.

ووصلت مخصصات الدعم الإجمالية للسلع والخدمات في موازنة 2014-2015  الي ٢٣٠ مليار جنيه إلي أن تم تبني برنامج الاصلاح الهيكلي في بداية التسعينيات من القرن الماضي والذي نص علي ضرورة تخفيض الدعم بسبب تأثيره السلبي المباشر علي ميزانية الدولة
وتقوم الدولة منذ سنوات عديدة بالاستدانة لسد عجز الموازنة، وذلك لأن أغلب بنود الموازنة هي بنود حتمية لا تستطيع الدولة أن تمنعها أو تخفضها بسهولة مثل الدعم والأجور وفوائد الديون. إضافة إلى ذلك كانت جميع الأنظمة السابقة خلال الـ 60 عامًا الماضية تخشى أن تقترب من إصلاح منظومة الدعم خوفًا من الغضب الشعبي، فكانت الدولة تقوم فقط بتأجيل حل المشكلة وتزيد العبء على الأجيال القادمة، لذلك لم تحل المشكلة أبدًا، بل تفاقمت وتزايد إقبال الدولة على الاقتراض لسد العجز، حيث يشهد الدين العام في مصر ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية وتجاوزت نسبة الدين العام 107% من الناتج المحلى الإجمالي، أي أن الدولة مدينة بقيمة أكبر من إجمالي ما يتم انتاجه داخلها
و بداية من العام 2014 بدأت الدولة المصرية مشروع طموح للإصلاح الاقتصادي واستعادة عافية الاقتصاد المتدهور بفعل سنوات الثورة وما تلاها من اضطرابات، وبدأت هذه الإجراءات بتخفيض عدد المستفيدين وتنقية البطاقات التموينية ليقتصر الدعم التمويني والخبز على محدودي الدخل والفقراء مع إزالة الدعم عن الوقود والكهرباء ليتم بيعها بأسعارها الفعلية وكان لزامًا علي الدولة عند تطبيق برنامج الإصلاح، أن نوفر خدمات اجتماعية زائدة بمخصصات الدعم، للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجًا، والتي كان يتعين حمايتها، للسير في تنفيذ البرنامج وفي عام 2015 بدأت الحكومة المصرية تنفيذ برنامجين للدعم النقدي: الأول، "تكافل" الذي يهدف إلى تقديم دعم نقدي للأسر الفقيرة، التي لديها أطفال يتعلمون في مراحل التعليم المختلفة، من مرحلة الحضانة إلى المرحلة الثانوية.
أما البرنامج الثاني، فهو "كرامة"، الذي يهدف إلى تقديم مساعدة مالية للكبار الذين تخطوا 65 سنة، والمعاقين، شرط أن يكونوا غير قادرين على الكسب، وأن لا يكون لأسرة أيٍ من الفئتين دخل ثابت. ويبلغ عدد مستفيدي "تكافل" طبقًا لآخر تحديث لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية حتى يونيو مليوني شخص، فيما يبلغ عدد المستفيدين من برنامج "كرامة" نحو مليون
و تتطلب الدراسة الدقيقة لسياسة الدعم معرفة الخريطة الاجتماعية في مصر ووضع الفقراء بها وتشير الدراسات الحديثة عن الفقر في مصر إلى أن نسبة الفقراء وتشير التقديرات التي تبحث في التوزيع الجغرافي للفقراء في مصر إلى أن هناك 4.51% من الفقراء يعيشون في ريف الوجه القبلي و5.29% في حضر الوجه القبلي مقابل 17% في ريف الوجه البحري و3.10% في حضر الوجه البحري 6.9% في الاقاليم الحضرية.
ولقد بلغ عدد الأطفال الفقراء في مصر أكثر من 5.7 مليون طفل يعانون الفقر الشديد بسبب انخفاض مستوي دخل الأسرة من العمل ويزيد احتمال التعرض للفقر في الاسر التي لديها سبعة أفراد أو أكثر ليصل إلى 45% ويصل إلى 41% في الأسر التي لديها أكثر من ثلاثة أفراد وأقل من سبعة، كما أن الشخص الذي ينفق أقل من 172 جنيها في الشهر المتوسط هو الفقير المعدم شديد الفقر، ولنا أن نتصور لو أن الدولة صرفت لكل فرد 18 جنيهًا دعم السلع التموينية وصرفت للأم مبلغ دعمها ودعم أولادها القصر وجعلت المواطن يشترى السلع الرئيسية التي يحتاجها دون فرض من الدولة سيجعل المحلات تتسابق على عروض التخفيض لزيادة المبيعات.وبإعطاء الدعم للمواطن وليس للبقال أو الأفران أو الصوامع أو مزوري الكروت لأن صرف دعم الخبز نقديًا بمعدل جنيه يوميا لأربعة أرغفة للفرد أي ثلاثين جنيها شهريا ويشترى الخبز من الأفران أو الرصيف أو السوبر ماركت سيلغى مسئولية الدولة عن إنتاج الرغيف ويلغى توريد القمح وفساده ويجعل المخابز تتنافس في إنتاج أرغفة بأسعار مختلفة تناسب كل المستويات وتتنافس فيما بينها لجذب المستهلك، بل توصيل الخبز للمنازل كما في فيلم «بائعة الخبز»، والامر المؤكد إن منظومة الدعم النقدي ستسهم بشكل كبير في خروج بعض الفئات تلقائيا من منظومة الدعم فلا يمكن لأستاذ جامعة أو قاضٍ أو دبلوماسي أو ضابط شرطة أو جيش أو وكلاء وزارة أو رجال أعمال يذهبون إلى مكتب البريد شهريا من أجل صرف 18 جنيهًا. ودعم نقاط الخبز أقرب إلى الدعم النقدي.والمشكلة الأساسية في هذا النظام تكمن في حقيقة تحديد الفئات المستحقة للدعم والمعايير التي يمكن استخدامها في سبيل تحقيق ذلك وهنا يري البعض أن أفضل هذه السبل هي استخدام قيمة الانفاق علي الكهرباء كمؤشر لمستوي إنفاق الأسرة ولكن هذا المؤشر عيوبه كثيرة منها أن الأسر الأكثر فقرا قد لا ترتبط بشبكة الكهرباء العامة بالبلاد كما هو الحال في العشوائيات حاليا، كما أن هذا المؤشر لا يعكس الاستهلاك الحقيقي للأسر التي لديها أكثر من مسكن ناهيك عن انه يأخذ في الاعتبار أثر حجم الأسرة علي قيمة الانفاق علي الكهرباء.