الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رفعت السعيد .. الشيخ والشيوعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جمعتني بالدكتور رفعت السعيد علاقة أسرية، بحكم علاقة الدكتور بوالدي الشيخ مصطفى عاصي، وهما من المؤسسين لحزب التجمع، وفي نفس الوقت أبناء المحافظة الواحدة وهي الدقهلية، في الطفولة كان يلح على بعمق السؤال الذى فرضته على عقلى تعليقات الجيران والأقارب ما الشيء الذى يجمع الشيخ (والدى) بالشيوعى (رفعت السعيد).

هذا السؤال بتنويعاته المختلفة وصولا لإجابته الوحيدة كان لى رحلة اكتشاف طويلة كان د. رفعت السعيد من أهم مفرداتها، فقد نشأت منذ طفولتي في حزب التجمع، حيث كنت أحضر الاجتماعات السياسية الكبرى والصغرى مرافقة لوالدي، وتعلمت الكثير من ثقافة وعلم الدكتور، كل عناوين مقالاته وكتبه كانت أجزاء من أحاديثنا العادية، شكلت أفكار رفعت السعيد حول تطور الفكر السياسي المصري وأساليب التغيير القاعدة الفكرية التي استعملها في التعامل مع الأفكار السياسية القديمة والجديدة في مصر، فلقد كانت تلك الأفكار عميقة ومؤصلة تاريخيا، وتستطيع تلمس تياراتها الاجتماعية والتعرف عليها متقدمين من بداية الدولة الحديثة حتى اللحظة الآنية، نحت رفعت السعيد مصطلحات كاشفة واضحة حول اتجاهات الإسلام السياسي وصارت رؤيته نظرة علمية وعملية لفحص تلك التيارات. مواقفه السياسية سواء اختلفت أو اتفقت معها كانت مسببة ومؤصلة بحسابات سياسية منطقية ورؤية شاملة حضارية.

يوما ما وقتها كنت في أولى جامعة سألت دكتور رفعت السؤال الذى كان يلح على ما الذى جمعكم أنت وبابا؟ وأكملت ضاحكة (مش عايزة إجابة تقليدية.. يعنى حب الوطن والحرية..)، ضحك دكتور رفعت دى عامة دى إجابة مش تقليدية. ولكنى فوجئت بعدها بيوم بظرف يأتى على البيت من الدكتور رفعت مرسل به بعض مؤلفاته.

تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر، حسن البنا متى كيف لماذا ضد التأسلم ).

اتصلت بدكتور رفعت لأشكره ضحك وقال وصلتك الإجابة؟

من مطلع الألفية الثالثة سكنت المقطم حيث يسكن دكتور رفعت، وكنّت دائمة الاتصال بالدكتور لاستيضاح الأمور الحياتية والسياسية، وبعد ثورة يناير ٢٠١١، بدأت في تأسيس"مركز شبابيك" وهو مركز ثقافي لخدمة أهالي المقطم والقاهرة، لتعليم الفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والمهارات اليدوية الأخرى للأطفال مع إنشاء مكتبة كبيرة، كما أسست به قاعات للندوات الثقافية وكل الفعاليات الأخرى، وكان الدكتور رفعت أحد أكبر الداعمين للمشروع وأقرب المتحدثين، ما أزال أتذكر ما قاله ليلتها، قال: إن حي المقطم يبدو وكأنه أصبح العاصمة السياسية لمصر كلها، فالحي يضم المقر الرئيسي للإخوان المسلمين وحزبهم العدالة والحرية، كما يضم مقر حزب الوسط والكثير من قياداته (مسكّن أبو العلا ماضي)، ويضم طبعا سكن الدكتور رفعت، وهكذا يكون مركز شبابيك هو إضافة اليسار للحي، لإحداث التوازن والتذكير بالفوارق بين إضافات التيارات السياسية.

أشفق الدكتور رفعت عليّ من الحمل الكبير الذي مثله هذا المشروع، وكانت له رؤيته العملية، لكنه وقف مع المشروع قدر استطاعته الشخصية بأقصى ما يمكنه، ماديا ومعنويا، زوجة الدكتور رفعت وهي الدكتورة ليلى الشال من المنصورة أيضا، وكانت مسئولة الطلائع في حزب التجمع في زمن طفولتي وصباي، وكانت قريبة جدا لشخصي، وعاشت رمزا للحركة النسوية المصرية، ونموذجا يحتذى به، رحلت الدكتورة ليلى الشال قبل عام من رحيل الدكتور رفعت، فاختلفت روّح الدكتور رفعت، عض الحزن داخله، لكن بدا ظاهره قويا يحتمل كل الصعاب والأهوال، لكنني رأيت تغييرا عميقا بداخل الدكتور رفعت، لم يتغير جدول أعماله ونشاطه الفكري أو السياسي أو الشخصي، لكن شيئا ما انطفأ بداخله.

مهاتفاتنا التليفونية كانت منتظمة، أسوأ خبر جاءني تليفونيا كان الخبر بوفاة الدكتور رفعت، ذهبت إلى بيته، وأردت توديعه، لم يستجب لطلبي رؤية الدكتور رفعت مرة أخيرة في غرفة نومه، لكن ابنه المهندس خالد رفعت السعيد، سمح لي بتلك الفرصة بتوديع الوالد المفكر السياسي المؤرخ، فطبعت قبلة على جبهته، وطويت صفحة مهمة جدا في حياتي وفي حياة وطن، تذكيرا لحياة راحل كبير أعطى وطنه كل أفكاره وذكائه وعلمه وإخلاصه.