الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

هذا ما ينتظره العالم مع عودة شبح الحكم الطالباني للحياة!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 * طالبان تحتل القصر الرئاسي وتصدر كتاب الوعود البيضاء!
* مراقبو العالم: سجل طالبان الدموي يجل من المستحيل تصديقها
* طالبان آوت تنظيم القاعدة في مهده وأفرزت نسخة داعش للعالم
* الصين وروسيا وباكستان.. سياسات ابحث عن المصلحة
* بايدن يتمم خطة أسلافه بانسحاب مروع يترك البلاد للفوضى
* الآلاف يهرعون لمطارات كابول وسقوط ضحايا

"إنَّهم يقودون في كل مكان.. يبحثون.. ينتظرون ويتمنون أن ينظرَ إليهِم أحد.. عاجلًا أم آجلًا سيخطئ أحدهم.. فتقيم الكلابُ عيدًا وينتهي سأمُ اليوم أخيرًا... والكلُّ سيصرخ "الله أكبر".. وفي تلك الأيام هناك دائمًا عنف عشوائي.. أليسَ كذلك !"

بهذا المشهد القاتم عرفنا صورة الحياة في كابول على صفحات الرواية الشهيرة "عداء الطائرة الورقية" للروائي الافغاني خالد الحسيني، وكيف أنها بلاد لا تعرف غير الخوف، يفر من يستطيع النجاة منها بنفسه، تاركًا رفاقه يقاسون الفقر والعنف، بلاد فيها نسبة عالية من الأطفال بلا "طفولة" ونساء مقموعات، يقودها رجال أشداء لا يعرفون كلمة "لا" وإلا فالجزاء معروف.. 

ربما تكون تلك الأجواء هي الأقرب للتصور مع الصورة المتداولة لأمراء الحرب الأفغان من جماعة طالبان، وهم يحتلون قصر الرئاسة، فيما فر الرئيس الأفغاني لينجو بحياته بعد أن اشتم رائحة الهزيمة في كل مكان.

حين حكمت طالبان للمرة الأولى

بعد صعود حركة طالبان للحكم في أعقاب الانسحاب السوفيتي من البلاد تسعينات القرن الماضي، كانت طالبان آنذاك تجمعا للمجاهدين ضد السوفيت "الخطر الشيوعي الأحمر" يجدون الإمدادات السخية من أمريكا (الند اللدود لروسيا خلال الحرب الباردة)، ومن دول عربية بعينها وأهمها السعودية (لمواجهة خطر الشيوعية)، وصولا لباكستان والتي كانت تجد فيهم فرصة لإضعاف عدوتها الهند.

تمر السنوات وتشتد قبضة طالبان على الحياة وتصدر فتواها بمنع تعليم الفتيات بعد 10 سنوات في المدارس، وإنهاك جيوب الفقراء بالضرائب باسم الجزية والضرائب، وفتاوى منع إيداع الأموال في البنوك، وهدم التماثيل، وإقامة الحدود العلنية على الرجال والنساء الملتزمون بمظهر وحيد" الشادوف الأفغاني النسائي المشهور وحذاء من البلاستيك " يغطي كامل المرأة ويمنعها من الخروج بغير مرافق، ويجبر الرجل على الالتزام بفروض طالبان المتشددة في التعليم والعمل والتجارة والرأي وكل شيء.

وسيجد تنظيم القاعدة الوليد بقيادة أسامة بن لادن مستقرا وملجأ آمنا بين جبال أفغانستان، تاركا السودان خلفه، ومستهلا لعشرية دماء جديدة، طالت آلاف الآمنين ولا تزال، فأصبح بمرور الوقت يصعب التفرقة بين حركة طالبان المنحدرة من عرق البشتون الأفغاني، وتنظيم القاعدة الإرهابي المتشدد، أو الأب الشرعي لتنظيم  "داعش"  الإرهابي الأكثر شراسة وتطرفا!

 

الغزو الأمريكي يعيد طالبان للجبال

وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت طالبان على موعد مع الاحتلال الأمريكي للبلاد، والذي أجبر طالبان على العودة للاختباء في الجبال، بعد رفضهم تسليم بن لادن المسؤول الأول عن تفجير برجي التجارة العالميين وإزهاق ما يقدر بـ3000 روح في عقر دار  أمريكا!.

 لكن العقاب الأمريكي لم يطل طالبان بقدر ما طال الأفغان أنفسهم، والذين سقطوا ضحية الفوضى الشاملة والحكومات الهزيلة التي منيت بها البلاد طيلة عقود، (تماما كما جرى في العراق) فلم يكن يمر يوم إلا وتصدر نشرات الأخبار الدولية مشاهد قاسية لجرحى وقتلى في تفجير لمستشفيات ومراكز تجنيد وحافلات أفغانية، بتوقيع طالبان وتنظيم القاعدة، ثم يجتمع الملالي ويحضرون لعملية جديدة ضد الحكومة والتحالف الأمريكي.

وبعد مقتل بن لادن وتتابع المبايعة للملالي من قيادات القاعدة الطالبانيين، وصلنا للملا هبة الله أخوندزاده قاضي التنظيم سابقا والأصولي المتشدد، ومفتي المجاهدين  ومعلمهم كيفية مقاتلة الروس والذي زاملهم في معارك كثيرة متنقلا من باكستان لأفغانستان، والذي أمر مؤخرا بعدم بث مشاهد تنفيذ الأحكام العلنية بحق المخالفين لتحجيم حالة "الرعب" في الشوارع.

أمريكا تتيح الساحة للاعبين جدد!

سيظل مشهد احتللا طالبان للعاصمة كابول والقصر الرئاسي الأكثر رعبا، وقد استغلوا ثقل كلفة الحرب التي خاضتها أمريكا وبلغت تريليون دولار طيلة 20 عاما لم تحقق منها أهدافها وإن أعلنت غير ذلك، فلا الإرهاب توقف ولا حاصرته في مهده، بل طال الغرب في دارهم!

لقد استغلت طالبان الانسحاب الأمريكي بهذا الشكل المتسرع المخزي، وضعف الحكومة في مواجهة قدراتهم القتالية وعتادهم الكبير، ونعلم أنهم بارعون في إمداد خزينتهم بالتدفقات المالية التي تعمل لتزكية مشروع الجهاد الإسلامي الراديكالي في مواجهة أمريكا.

تصريحات أمريكا تثير الاشمئزاز يومًا بعد يوم، وكأن كل مسئوليتها اليوم بعد إغراق البلاد في التشدد والفوضى وامتصاص خيراتها، هو فقط حماية رعاياها والمتعاونين معها خلال عملية الإجلاء السريعة حاليا، وهي عملية أربكت حتى الحكومة الانتقالية التي ولدت على يديها، صحيح أن قرار الانسحاب من أفغانستان كان معلوما منذ عهد أوباما ثم ترامب، لكن أحدا لم يتصور أن يحدث بهذا الشكل الأهوج! أما أوروبا فتتخبط تصريحات قادتها، ما بين المفاوضات المشروطة مع طالبان، والتحفظ الكامل على انقلابهم على البلاد وعدم إتاحة الأجواء المناسبة لانتخابات ديمقراطية، يقرر فيها الأفغان من يحكمهم.

التحذيرات وموجات الأسف تنحدر وتتصاعد من كل صوب؛ داخل أمريكا ذاتها يعتبر الخبراء أن قرار بايدن وأسلوب انسحابه كان "كارثيا" وتبعاته قادمة ضد أمريكا في المقام الأول، وهو ما يشير إليه دبلوماسيي وخبراء العالم، ففي حديث للإذاعة الأمريكية، يقول غلام اساكزاي الممثل الرسمي الأفغاني لدى الأمم المتحدة، محذرًا من صعود طالبان، قبل أسبوع: "الأعمال البربرية مرشحة لتصبح علنية، وستصبح طالبان أقوى بدعم من شبكة الإرهاب الدولية"، فيما يذهب "حقاني" السفير الباكستاني الأسبق، ومدير معهد هدسون لجنوب ووسط آسيا، في مقال بدورية "الشئون الدولية" إلى حقيقة مجتمعية: "لقد قسم التطرف الإسلامي المجتمع الباكستاني لمجموعات طائفية، وهذا مرشح للتصاعد بوقاحة مع صعود طالبان أفغانستان"

من سيصدق طالبان؟

تسعى طالبان للزعم بأنها تتعرض لحملة تشويه، وأن حقيقتها إن هي إلا جماعة تطبق شريعة الله وتحب الخير لمجتمعها، فلقد نفى سهيل شاهين المتحدث باسم طالبان، في حديثه للإذاعة البريطانية، عزم الحركة شن موجات انتقامية ضد من عارضها، من المواطنين المتعاونين مع الولايات المتحدة، وأكد أن الحركة تضمن حق النساء في العمل والتعليم، وأن غير ذلك من تصريحات كانت "حالات فردية" وأن تطبيق الحدود سيكون بعد محاكمات عادلة تلتزم بقانون الشريعة الإسلامية، وأن مهمة الشرطة الدينية  جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر  "مساعدة الناس"، وأن حرية الصحافة وانتقاد طالبان وحكمها مكفول، قائلا أن "المواطنين لا يجب أن يغادروا أفغانستان لأن البلاد في حاجة إليهم.. في حاجة إلى وحدة وطنية لطي صفحة الحرب والعيش في سلام".

هل يمكننا اليوم أن نصدق وعود طالبان المعسولة، وسفراؤها فوق العادة وجولاتهم المكوكية للصين وروسيا وإيران، وكافة الدول المناهضة لأمريكا، لكسب بوابة شرعية جديدة لدولتهم الانقلابية المتشددة، إنهم يصرحون بأن البلاد ستشهد استقرارا، وعودة للعلاقات مع دول العالم الغربي، ونموا اقتصاديا (لا يزال الأفيون والحشيش بين أكثر الصادرات الأفغانية الريفية!!)، تطبيقا لفتوى ابن تيمية بجواز بيع المخدرات للكفار "  أما الكفار فزوال عقل الكافر خير له وللمسلمين؛ أما له فلأنه لا يصده عن ذكر الله وعن الصلاة بل يصده عن الكفر والفسق، وأما للمسلمين؛ فلأن السكر يوقع بينهم العداوة والبغضاء؛ فيكون ذلك خيرًا للمؤمنين " ولا يجب أن ننسى أن الدول التي صرحت بأنها ترحب بالتحاور مع طالبان قد جهزت حقيبة متكاملة من الاستثمارات التي تعد خزانتها بالانتعاش غير المحدود من خيرات الأرض البكر المعدنية وشبكات الطرق في أفغانستان تحت غطاء ما يسمى "إعادة الإعمار".. لاحظ أيضا أن طالبان قد أظهرت تهاونا في ملف "مسلمو الأويغور"  وهو الملف الأهم  في سجل حقوق الإنسان الصيني من قبل المجتمع الدولي! (المصالح تتصالح).

يقول لورل ميلر مدير البرنامج الآسيوي في صندوق مكافحة الأزمات، أن طالبان تدير حملة واسعة لتأمين شرعيتها في عيون الدول المحيطة بها وربما الخليج العربي أيضا.

حين صعدت طالبان في الماضي، ظلت قوة وحيدة معزولة عن المجتمع الدولي، لا يعترف بها سوى حفنة قليلة من الدول، لكن اليوم يبدو أن الأمر سيتغير، فلغة المصالح أشد    ضراوة، وتوازنات القوى على أشدها في روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول.

نسخة جديدة من طالبان

طالبان: ما هو مصير أفغانستان بعد سيطرة الحركة على البلاد؟ - صحف عربية - BBC News عربي

يبدو أنه لا شيء سيتغير  في سياسات طالبان الإرهابية والمؤية لكل تيارات الإرهاب مهما كانت الاختلافات الجزئية بينها، ونلاحظ خلال الساعات الماضية حجم التأييد من جميع التنظيمات وجماعات الإسلام السياسي لها واعتبارها الدولة الإسلامية الوليدة التي يحاربها الكفار فى عودة لسياقات تاريخية لأواخر السبعينيات من القرن الماضي أيام عبد الله عزام، وعبد رب الرسول سياف، وبرهان الدين رباني، والتي تجد جبرا لها لاحقا، لأننا مجاهدون في سبيل الله ولا يجوز أن نختلف أمام الكفار الملحدين !!

وستجد حركة طالبان باكستان، بنسختها المهترأة، والصراعات بين تياريها، ملاذا مع طالبان أفغانستان حين تحكم، وفرصة للتقوي أمام الحكومة القوية المدعومة من أمريكا، لتظهر لنا نسخة أكثر إحكاما تمزج "طالبانات آسيا" وما يظهر من لواءاتها "قاعديين" " و" لواء الإسلام " و"فتح الإسلام " وقل ما شئت، تحت لواء دولة منيعة دينية متشددة، توزع المكافآت على حلفائها وتجابه من يقف في طريقها.

تدير طالبان ظهرها لمعارضيها، وتركز فحسب على حلفائها المحتملين، وأهمهم الصين وباكستان، وإيران بالطبع، والأخيرة هي محور زيارات خاصة طالبانية لوضع تصور كامل للتعاون والاستفادة من الوضع الجديد، ولا عزاء للشعب الأفغاني وجموعه المؤلفة سواء المحتشدة في المطارات أو المختبئة في البيوت في انتظار الساعات الحاسمة القادمة!

يقول المتحدث باسم طالبان أن "الحرب انتهت في أفغانستان" وقد "وصلنا إلى ما كنا نسعى إليه وهو حرية بلادنا واستقلال شعبنا" وأن "طالبان لا تعتقد أن القوات الأجنبية ستكرر تجربتها الفاشلة في أفغانستان مرة أخرى"، هكذا ببساطة خرجت طالبان مستفيدة من تضارب الأجندات ضد الإرهاب، ولا عزاء لمن يعيشون في "مدينة الأشباح" التي احتل المتشددون قصرها الرئاسي!..

 “مخطئون فيما قالوه عن الماضي، لقد تعلمت كيف أدفنه، إلا أنه دائمًا يجد طريق عودته”، يقول أمير بطل رواية "عداء الطائرة الورقية" وهو نجل الثري الأفغاني الذي اضطر لترك صديقه الخادم في أفغانستان، حاملا جبلا من الذنب لا يمكن محوه، وبالفعل الماضي فيما يخص جماعات التشدد يستعيد نفسه أكثر من مرة لمن يتعلم الدرس!