الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

في «عيد وفاء النيل».. قانون جديد لحماية النهر.. آفة حارتنا لم تعد إهدار المياه.. «دياب»: منح «الضبطية القضائية» لمسئولي الري.. «عبدالعاطي»: تحسين إدارة الموارد وتحقيق عدالة التوزيع

النيل
النيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في 15 أغسطس من كل عام، يحتفل المصريون بعيد وفاء النيل، احتفاءً واحترامًا وتعظيمًا لنهر النيل، وقد تطور واختلف الاحتفال بهذا اليوم من العصر الفرعوني مرورًا بالدولة العربية الإسلامية وصولًا لعهد المماليك وحتى وقتنا الحاضر.

ويأتي عيد وفاء النيل هذا العام في وقت مهم، بعدما وافق مجلس النواب بشكل نهائي، في نهاية يوليو الماضي، على مشروع قانون الموارد المائية والري، والذي يعتبره الخبراء والمسئولون نقلة في عملية الحفاظ على النيل، وترشيد الاستهلاك، والحد من هدر المياه، إضافة إلى مراعاته تحقيق الهدف الرئيسي منه، وهو حسن تنمية وإدارة الموارد المائية، وضمان عدالة توزيعها على المُنتفعين، وبما يُحقق أهداف التنمية بكافة مجالاتها.

كما تهدف مواد القانون لتنظيم عملية توزيع المياه، وتحديد المساحات المُقررة للزراعة، وكذا تحديد مواقع ومواصفات مآخذ المياه ومصبات المصارف، وتنظيم استخدام ماكينات رفع المياه، بالإضافة لتنظيم أعمال الري والصرف بالأراضي الجديدة، وعدم تخصيص أي أراضي للتوسع الزراعي الأفقي قبل أخذ موافقة الوزارة عليها.

الدكتور نور الدين عبدالمنعم

يقول الدكتور نور الدين عبدالمنعم، أستاذ المياه والأراضي بجامعة القاهرة، إن أهم مواد القانون هو نصه على تسعير استهلاكات المياه، لا سيما للمُزارعين الذين يروون من الترع مباشرة، مضيفًا أن قضية تسعير المياه تدل على أخذ الحكومة زمام المبادرة في تقييد عملية الري من أجل الحفاظ على المياه.

وأضاف "عبد المنعم"، أن تسعير المياه تعطي للفلاح انطباعًا أنه سيدفع قيمة استهلاكه وبالتالي سيعمل على الحد من الهدر وتقليل الاستهلاك وترشيده؛ متابعًا أن ذلك يدفع المُزارع أو مُستهلك المياه إلى النظر إلى قيمة الفاتورة التي سيدفعها شهريًا وستكون هي المرجع له وسيعمل على الترشيد والقصد في استخدامات المياه.

وأشار، إلى أن القانون لم ينص على شراء كل المُزارعين للمياه، ولكنه حدد هذه النقاط في متنه، موضحًا أن المسألة تتعلق بتركيب عدد كبير من الفلاحين، ماكينات رفع المياه على الترع مباشرة لنقل المياه إلى أراضيهم دون النظر إلى تسبب ذلك في نقص المياه عن مناطق وأراضي أخرى.

وتنص المادة ٣٨ من قانون الموارد المائية الجديد، على أنه لا يجوز بغير ترخيص من الوزارة إقامة أو تشغيل أي آلة رفع ثابتة أو متحركة تدار بإحدى الطرق الآلية "الميكانيكية"، أو غيرها لرفع المياه أو صرفها على مجرى نهر النيل أو المجاري المائية أو شبكات الري والصرف العامة أو الخزانات سواء لأغراض الري أو الصرف أو الشرب أو الصناعة أو غيرها وكذا رفع المياه من بحيرة ناصر.

ويصدر الترخيص لمدة لا تزيد على خمس سنوات قابلة للتجديد وبعد أداء رسم ترخيص بما لا يجاوز ٢٥٠ جنيه على كل سنة ويستحق نصف الرسم عند تجديد الترخيص، ويعفى من هذا الرسم المساحات التي لا تتجاوز ١٠ أفدنة وتنظم اللائحة التنفيذية الإجراءات والبيانات والشروط اللازمة لذلك.

ويُوضح أستاذ المياه والأراضي بجامعة القاهرة، أن هذه المادة بالقانون تخص ماكينات الرفع الموضوعة على الترع العامة وليس المساقي الخاصة، مضيفًا أن هذه الحالات تستلزم إجراء دراسة هيدروليكية للترعة بما لا يؤثر على الميزان المائي لها، يعني حجم المياه المقررة للترعة، وهذا حتى لا يُوثر على وصول المياه لنهايات الترع، إضافة لأن ذلك يضمن لكل المُزارعين والمُستهلكين حصولهم على المياه.

ولفت "عبدالمنعم"، إلى أن الحكومة تهدف أيضًا إلى توحيد مُحددات الري ومُحددات الزراعة، مشيرًا إلى أن ذلك يعني الحد من الهدر أثناء الاستخدام؛ متابعًا أن سبب هذه المشكلة هو تفتيت الحيازات الزراعية إلى قطع أراضي صغيرة جدًا تكاد لا تتجاوز الفدان الواحد.

وبحسب بيانات النشرة الزراعية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس ٢٠٢٠، فإن أكثر من ٦٠٪ من الحيازات الزراعية للفلاحين المصريين أقل من ٥ أفدنة، وهذا من إجمالي ١٠.٢ مليون فدان هي مساحة الزمام في الأراضي الزراعية.

ويعتقد أستاذ المياه والأراضي، أن القانون سيدفع الفلاحين إلى الانضواء تحت لواء جمعية تعاونية زراعية واحدة أو حوض واحد، يزرعون نفس نوع المحصول حتى يضمنون حصولهم على المياه، لأن تنويع المحاصيل في الحيازات الصغيرة لن يكون ملائمًا للمساحات الزراعية الصغيرة.. "يعني مش هينفع فلاح يكون زارع أرز وفلاح تاني زارع ذرة في نفس الحوض الزراعي، لأنه هذا معناه استهلاك مياه أكثر لمحصول الأرز وبالتالي قد لا يحصل زارع محصول الذرة على مياه للري، لأن كمية المياه ستكون مقننة ومحددة".

الدكتور ضياء الدين القوصي

تغليظ العقوبة.. والتوعية

وأشاد الدكتور ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الري السابق، رئيس قطاع التوسع الأفقي بوزارة الري الأسبق، بمواد تغليظ العقوبات على تلويث مياه النيل والترع والمساقي، والتشديد على كفاءة استخدام المياه للحد من الهدر وترشيد الاستهلاك.

وقال "القوصي"، لـ"البوابة"، إن القانون الجديد استبدل العقوبات الخفيفة التي كانت موجودة في القانون السابق إلى عقوبات رادعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أقرت المادة ١٢٦ عقوبة الحبس ٦ أشهر وغرامة تصل إلى ٥٠٠ ألف جنيه لحماية نهر النيل، وعقوبات على استغلال أراضي طرح النهر وأراضي الدولة أو قطع الأشجار بعقوبات مغلظة.

وأضاف، أن تغليظ العقوبة جزء من الحل، وليس الكل، فالحكومة لن تستطيع أن تضع شرطيًا وراء كل مُزارع، لكنه إلى جانب ذلك يجب توعية المُزارعين وإقناعهم بأن الهدر من المياه يُكلفنا الكثير، وأنه يجب الحفاظ على كل نقطة مياه وعدم الإفراط في استخدام المياه.

ويُطالب مستشار وزير الري السابق، بضرورة طرح مواد هذا القانون في وسائل الإعلام لتعريف المُزارعين به، وأنه يجب إيصال رسالة إلى المواطنين بأن هذه المياه لا تخص الحكومة وحدها، لكنها مياهنا ومياه الأجيال القادمة، لذا يجب الحفاظ عليها وحمايتها، متابعًا أن ذلك يعني أن "التوعية" تسير جنبًا إلى جنب مع تغليظ العقوبة.

وعن حجم الهدر من المياه؛ يُوضح "القوصي"، أن الكميات المُهدرة من المياه ليست في الزراعة فقط، لكن النسبة الأكبر في شبكات مياه الشرب، فرغم وصول حجم المياه المُخصصة للاستهلاك الآدمي إلى أكثر من ١١ مليار م٣، إلا إن الاستهلاك الحقيقي لا يتجاوز ٤ مليارات م٣، ما يعني أن حجم الهدر يتراوح بين ٦٥ إلى ٥٥٪ بسبب الشبكات المُتهالكة.

ويُتابع، بأن القاهرة تتحمل وحدها نسبة هدر تتراوح بين ١٠ إلى ١٥٪ وهي أولى المحافظات التي المُهدِرة للمياه، تليها محافظة بورسعيد، ثم السويس حيث يتم هدر نحو ٥٠٪ من مياه الشرب.

وبحسب النشرة السنوية لإحصاءات مياه الشرب والصرف الصحي الصادرة عام ٢٠٢٠، فإن نسبة الفاقد والهدر من المياه في المحافظات تُقدر بنحو ٢٩.٧٪ من إجمالي الكمية المُنتجة من مياه الشرب في مصر. ومع الزيادة السكانية خلال الـ٢٠٠ عام الأخيرة، تراجع نصيب الفرد المصري من المياه من ٢٠ ألف م٣ سنويًا خلال القرن التاسع عشر إلى نحو ٥٠٠ م٣ سنويًا، علمًا بأن حد الفقر المائي يبلغ نحو ١٠٠٠ م٣ في السنة وهو الحد الأدنى للفرد في العالم.

الدكتور أحمد فوزي دياب

الضبطية القضائية

ويقول الدكتور أحمد فوزي دياب، أستاذ المياه واستصلاح الأراضي، بمركز بحوث الصحراء، إن أهم ما جاء به قانون الموارد المائية الجديد هو "الضبطية القضائية"، حيث يمنح القانون المُختصين هذا الحق لمواجهة التعديات، والحفاظ على الموارد المائية المصرية.

وينص القانون الجديد في المادة ١٠٧ منه، على منح المُهندسين المُختصين أو غيرهم من العاملين المُكلفين كل فيما يخصه صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والتي تقع في دوائر اختصاصهم بناء على اقتراح الوزير المختص، وقرار من وزير العدل.

كما تنص المادة ١١٠ على أحقية المهندس المختص أو المُكلف بعمله عند وقوع تعدي على أملاك الدولة وذات الصلة بالموارد المائية والري، بأن يُكلف المُتعدي أو المُستفيد شفويًا وتلغرافيًا أو بأي طريقة أخرى بإعادة الشيء لأصله فورًا، وإثبات هذه الإجراءات في محضر المُخالفة فإذا لم يتم إعادة الشيء إلى أصله فيتم إخطار رجال الإدارة لإيقاف المخالفة وحراستها لحين تنفيذ الإزالة.

وأضاف أن الأمر المهم أيضًا في القانون هو إدخال مواد لحماية نهر النيل والترع والمساقي للحفاظ عليها سواء من التعديات والتلوث، إضافة لحماية شبكة مياه الشرب والصرف الصحي من التعديات، وهذه بنود لم تكن منصوص عليها في القوانين السابقة؛ متابعًا أن "التجريم وتغليظ العقوبات أيضًا مهمة جدًا"، إضافة نص القانون على الحفاظ على منسوب المياه الجوفية ومنع نضوبها.

كما نص القانون على إدارة وتشجيع وزارة الري للمياه، بالتعاون مع وزارات أخرى مثل البيئة والصحة وغيرها، بحسب أستاذ المياه واستصلاح الأراضي بمركز بحوث الصحراء، مضيفًا أنه من الأمور الإيجابية الأخرى الحفاظ على المساقي المائية والمصارف.

ويُوضح "دياب"، أن مرحلة إقرار القانون انتهت، وبدأت المرحلة الأصعب وهي تنفيذ القانون على أرض الواقع، ومشاركة المواطنين في تنفيذ القانون، وذلك لأن القانون حتى الآن لا يعلم المواطنون والمُزارعون عنه شيئًا، وهذه مشكلة، لأن هؤلاء هم المعنيون مباشرة بالقانون، وهذا دور وزارة الري والإعلام في تعريف وتوصيل نص القانون إلى الأهالي.

ويقترح أستاذ الموارد المائية، بعمل محكمة خاصة لسرعة الفصل في أمور التعديات على نهر النيل والمساقي والترع وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي بأنواعها، أو مسألة تلويث المياه. وتابع، بأن مشكلة مصر أن الهدر دائمًا مرتبط بالاستخدام، لأنه في مصر دومًا ما يتم رفع المياه من أسفل إلى أعلى، لأن مصر تعتمد بشكل كلي على الزراعات المروية، والاستخدام بهذه الطريقة يتسبب في تلوث المياه، وأضرار صحية للمواطن المصري، وتأثير على إنتاجية الفدان.

ويُكمل "دياب"، أن هذه المُلوثات تُكلف خزينة الدولة أموالًا سواء لإعادة معالجة المياه واستخدامها في الزراعة والري، أو في عملية الاستصلاح الزراعي، وهذا يعني أن الهدر ليس في كمية المياه، لكن في زيادة مُعدل المُلوثات.

ويكشف عن أن مشروع تبطين الترع والقنوات الهدف منه تقليل حجم المُلوثات ومنع تسرب المياه وإسراع عملية توصيل المياه من أفمام الترع والقنوات إلى الأراضي الزراعية للحد من تبخر المياه.

وبحسب بيانات وزارة الري، فإن مشروع تبطين الترع تهدف مصر من خلاله إلى تحقيق وفر مائي يُقدر بنحو ٢١.٧ مليار م٣ سنويًا، إضافة لأن هذا سيؤدي لتحقيق وفر في الأسمدة يتراوح بين ٨ و٥٥٪، وزيادة في إنتاجية الفدان بين ١ و٥٠٪؛ مشيرًا إلى أن المشروع أيضًا سيكون له أهداف أخرى مثل تحويل بعض هذه الترع لممشى ومتنزه، إضافة لتوسعة الشوارع في بعض المناطق وهكذا.

وحول تخوف بعض المُزارعين من العقوبات المفروضة في القانون، يعتقد أستاذ الموارد المائية، أن النص على فرض غرامة على الفلاح في حال استخدامه آلة رفع مياه لري أرضه، في حاجة للتعديل، لأن الفلاح يُعاني من مشكلات ضخمة، تتمثل في ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج وانخفاض أسعار المحاصيل، وتردي عملية تسويق المحاصيل، وتعرضه لتغييرات مناخية، وكل هذه أمور تحد من رفاهية الفلاح، وفرض غرامة عليه يؤدي لتحميله أعباء إضافية.

ويُتابع: لكن في نفس الوقت يجب على الفلاح الالتزام بنصوص القانون للحفاظ على المياه من أجله ومن أجل غيره، لأن القانون يعمل على توحيد الرؤى والمشاركة المجتمعية بين المواطنين، لأن هدف القانون في النهاية هو توفير المياه لأماكن تُعاني من عجز المياه، لأن مصر واحدة من أكثر الدول التي تستخدم الزراعات المروية بنسبة تتخطى ٨٠٪.

 الدكتور محمد عبد العاطي

تطوير تشريعي لتعظيم الاستفادة

كما يُوضح الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، أن القانون الجديد يهدف لتحسين إدارة الموارد المائية وتحقيق العدالة في التوزيع على المُستهلكين، مضيفًا أن التطوير التشريعي يأتي أيضًا ضمن المحور الرابع من محاور الخطة القومية لإدارة الموارد المائية.

ويُضيف الوزير، في بيان صادر عن الوزارة بعد إقرار القانون في الجلسة العامة لمجلس النواب، أن القانون أيضًا يهدف لتوفير الإجراءات التشريعية والمؤسسية، بما يُمكن الوزارة من تعظيم الاستفادة من الموارد المائية المحدودة.

وتابع بأن القانون يهدف لتيسير تعامل المُنتفعين مع أجهزة الوزارة، وتنظيم عملية توزيع المياه، وحماية مجرى نهر النيل وجسوره، وحماية الموارد المائية وشبكة المجاري المائية، ومنشآت ومعدات وأملاك الري والصرف ومخرات السيول، ومنشآت الحماية من أخطار السيول، وشبكات الصرف المغطى من كل أشكال التعديات، وتحقيق الاستخدام الرشيد للمياه الجوفية، للحفاظ عليها للأجيال القادمة.

ويُشير الوزير إلى أن القانون أيضًا يهدف لتطوير استخدام نُظم الري الحديث في الأراضي الزراعية، وتفعيل روابط مُستخدمي المياه، وتعزيز إمكانات مشاركة القطاع الخاص للوزارة، في تحمل مسئوليات إدارة وتشغيل وصيانة أجزاء من نظم ومرافق شبكات الري والصرف بشروط محددة.

ويُتابع، بأنه سيعمل أيضًا على تحديد الأملاك العامة ذات الصلة بالموارد المائية والري، وتنظيم العلاقة بين مُلاك وحائزي الأراضي أو المستأجرين لها، فيما يخص حق الانتفاع والارتفاق بالمساقي والمصارف الخصوصية المشتركة، بالإضافة لحظر أي عمل يمس خط المسار الطبيعي للشواطئ المصرية.

ويُوضح "عبد العاطي"، أن القانون يُتيح تقنين أوضاع المخالفات المُحررة للمنشآت والأعمال الواقعة خارج منطقة حرم النهر سواء المُقامة على أراضي مملوكة ملكية خاصة للدولة أو غيرها، أو المُقامة بالمنطقة المُقيدة لمجرى النهر، والقائمة قبل تاريخ إصدار القانون، فضلًا عن جواز دراسة تقنين أوضاع مآخذ المياه المُخالفة بشرط موافقة جهة الولاية وأداء أي تعويضات عن سابق استغلال المياه أو الأراضي، وتحمل تكاليف تأهيل شبكات الري والصرف.

على أبو دشيش

عيد وفاء النيل.. وأسطورة "عروس النيل"

يقول على أبو دشيش، الباحث الأثري، إن عيد وفاء النيل يعني "وفاء النيل للمصريين القدماء بما يحمله معه من المياه والطمي، لذلك تم تقديس النهر، مشيرًا إلى إقامة احتفال ضخم خلال شهر أغسطس سنويًا وهو موعد حلول الفيضان.

ويُضيف "أبو دشيش"، لـ"البوابة"، أن فيضان النيل يتم الاحتفال به لمدة أسبوعين، حيث كان الفراعنة يخرجون في موكب عظيم يتقدمهم الملك ورجال الدولة، ثم يلقون عروسا من الخشب في مياه النيل، دليلًا على العرفان للنهر.

ويُشير، إلى أن أشهر أسطورة مُرتبطة بعيد وفاء النيل هي التي تحكي عن تقديم المصريين القدماء لإله النيل "حابي إله الخير والنماء والخصب" فتاة جميلة، حيث يتم تزيينها ثم تُلقى في النهر قربانًا له.

وتابع بأن هذه الفتاة تتزوج من الإله في العالم الآخر؛ إلا إنه في إحدى السنوات لم يتبق من الفتيات سوى بنت الملك الجميلة فحزن الملك حزنًا شديدًا على ابنته، ولكن خادمتها أخفتها وصنعت عروس من الخشب تُشبهها، وخلال الحفل ألقتها في النيل دون أن يتحقق أحد من الأمر، وبعد ذلك أعادت البنت إلى الملك الذي أصابه الحزن الشديد والمرض على فراق ابنته.

ويتفق هذا مع الدراسة التي قدمها الباحث الفرنسي بول لانجيه، أحد علماء الحملة الفرنسية على مصر، والذي تفرغ لدراسة حكاية عروس النيل، بأن المصريين القدماء كانوا لا يُلقون بفتاة في النيل، لكنهم كانوا يحتفلون بإلقاء سمكة من نوع "الأطم".

وهذا النوع من السمك قريب الشبه بالإنسان ويصفه بعض العلماء بإنسان البحر تتميز أنُثاه بأن لها شعرًا كثيفًا فوق ظهرها، أما وجهها فأقرب إلى كلب البحر وحين تسبح فوق الماء تتمايل كأنها راقصة. ومنذ أعوام تم كشف سمكة من هذا النوع في بحيرة قارون بالفيوم.

كما تكشف الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، في كتابها "القاهرة في حياتي"، أن حكاية عروس النيل ليس لها أساس تاريخي، ولم ترد إلا في قصة ذكرها المؤرخ بلوتراك والتي تقول إن ايجيبتوس ملك مصر أراد اتقاء كوارث نزلت بالبلاد فأشار إليه الكهنة بإلقاء ابنته في النيل ففعل ثم ألم به ندم شديد فألقى بنفسه في النيل فهلك مثل ما هلكت.