الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«النهضة».. أيام في الحرام

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استفادت كل تجارب الإخوان من المال التركى لتقوية شوكتها، وجرى ذلك فى سوريا بشغل كتلة الإخوان نحو ربع مقاعد «المجلس الوطنى السوري» لكن تغير المشهد الإقليمى وتحاورت روسيا وإيران من جهة مع تركيا، غير من قواعد اللعبة

 

«إخوان تونس» من حلقات الزيتونة لمبايعة «البنا»

في ذكراها التاسعة والثمانين…ماذا قدمت جماعة الإخوان المسلمين؟ – بصائر

أفول عظيم تعيشه جماعة الإخوان المسلمين، بسقوط آخر آمالها ومعاقلها فى الحكم بالعالم العربي، لقد فشلت فى تقديم نفسها كبديل أفضل للأنظمة الفاسدة التى أسقطتها ثورات الربيع العربى بداية من 2011، منذ عشر سنوات كانت «الإجابة تونس» باعتبارها شعلة تلك الثورات حين هب الشعب فى وجه زين العابدين بن على ونظامه قائلا: «عيش حرية عدالة كرامة». كان الاحتجاج عظيمًا على تردى الأحوال المعيشية، واقتطاف ثمرة الثروة فى يد فئة قليلة من رجال الأعمال والمقربين من السلطة، وانتشار النار فى الهشيم وحملت الراية شعوب أخرى، لنفس الأسباب، وبدا اليوم أن زيدًا لم يكن أفضل من عبيد، وأن نظاما تقوده الجماعة أو تتصدر حكومته وبرلمانه، سيهدى مقدرات البلاد لأتباعه، ويسعى بمنطق الاستحواذ على «التمكين» وليغرق الشعب فى الفقر والجهل والمرض، لا يهم لجماعة لا تسمع غير صوتها ولا تنظر لغير نفسها فى المرآة.

المثير فى الأمر أن حزبه كان يعول عليه أن يلعب دورا محوريا فى الوساطة لإثناء الإخوان عن خوض معترك العنف على خلفية خروجهم من مشهد الحكم فى مصر لينزلق حزب النهضة ذاته فى نفس المنزلق.

فقد أكد لى المحامى الإخوانى السابق، مختار نوح، عقب انهيار حكم الإخوان فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، أنه عُرضت عليه وساطة من راشد الغنوشى فى تونس، لإقناع إخوان مصر بعدم انتهاج العنف والامتثال لإرادة الشعب، وتوسط فى ذلك كل من الإخوانى الكويتى السابق عبدالله النفيس، والقيادى الإخوانى كمال الهلباوي، عن طريق ابنه المقيم فى تونس، لكن سرعان ما وضع حزب النهضة التونسى مختار نوح، على قائمة ترقب الوصول، فسقطت الوساطة، وكان ذلك بإشارة من الغنوشى نفسه، وكأنه يمارس عدة أدوار فى لعبة واحدة.

مختار نوح: لا يوجد جماعة إخوان في الواقع الآن.. انقسمت بسبب محمود عزت - مصر - الوطن

سيصبح ٢٥ يوليو ٢٠٢١؛ يومًا تاريخيًا فى تونس، حين أقال الرئيس التونسى قيس سعيد، رئيس الوزراء هشام المشيشي، وعلق البرلمان وأنهى الحصانة عن النواب والمسئولين الذين هددهم بمحاكمتهم بتهمة الفساد. 

كما نشر قوات فى العاصمة، وأعلن أن مبدأ الصلح الجزائى هو الوحيد المفترض مع رجال الأعمال المتورطين فى سرقة خزانة البلاد، وهو ما يعنى إما إعادة ما سلبوه لصالح مشروعات للدولة أو «السجن»!

الفساد يلاحق النهضة

تواجه حركة «النهضة»، اليوم اتهامات تستند للأدلة الدامغة بخصوص التمويل الخارجى والتركى بالتحديد خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتى جعلت الحركة تحوز المقاعد الأكبر نسبيا وتشكل حكومة النشاشيبي، وتصبح عقبة تغل سلطات الرئيس قيس سعيد، رجل القانون الذى يبدو أنه صبر طويلًا، لقد انشغلت الحركة بخلافاتها مع كل القوى السياسية، كما فعلت فى مصر، وسجلت تونس أسوأ تعامل مع وباء الكورونا، لأن الحكومة مشغولة بما هو أهم، الاستحواذ والتمكين!!!.

خبراء وسياسيون: حركة "النهضة" الإخوانية سبب الإرهاب في تونس

ثم تواجه حركة النهضة اتهامات بتمكين المقربين منها من مفاصل مهمة فى السلطة، وبإغراق البلاد اقتصاديا وتحويلها لسلة للسلع التركية، هذه فقط عينة من تدخل حركة النهضة فى الحكم!

لقد كان الغنوشى ذكيا حين رفض الترشح للرئاسة، بعد سقوط إخوان مصر، ورفض أن يدخل فى صراع مع الجيش، وراح يدير اللعبة من بوابة الحكومة، التى سعت الحركة لتشكيلها، وكسبت الرهان بعد غلبتها النسبية بين الأحزاب فى البرلمان، فى بلد لا يزال يعمل بنظام مختلط يجعل السلطات التنفيذية فى يد البرلمان والرئاسة، لكنه لا يضمن نزاهة الانتخابات المؤدية إليها!

وبعد عشر سنوات من مشاركة حركة النهضة فى الحكومات المتعاقبة؛ لا يزال الفساد مستشريًا، والبطالة آخذة فى الارتفاع، والخدمات الحكومية فى حالة تدهور مستمر.

كانت أمريكا والغرب الأوروبى سعداء بالتجربة التونسية، ووصفها بالديمقراطية طيلة السنوات السابقة، وكعادة الغرب فى تبنى حركة الإخوان، ضمن ما اصطلح عليه من تبنى حركات الاعتدال الإسلامى كشوكة فى ظهر الأنظمة، ثم التبرؤ منها بعد سقوطها كما حدث فى مصر وتونس.

وعلى العكس؛ لم يهتم حزب النهضة ببناء تحالفات مع تلك الدول، بقدر اهتمامها بالمحور الذى يشكل مصالحها المباشرة أى (تركيا- قطر)، وبدأ استقواء الغنوشى محل ريبة بعد زيارته لأردوغان قبل شهور والتى أثارت غضبا واسعا.

الإخوان واجهة مشاريع تركيا بالمنطقة

لقد استفادت كل تجارب الإخوان من المال التركى لتقوية شوكتها، وجرى ذلك فى سوريا بشغل كتلة الإخوان نحو ربع مقاعد «المجلس الوطنى السوري» لكن تغير المشهد الإقليمى وتحاورت روسيا وإيران من جهة مع تركيا، غير من قواعد اللعبة.

وفى ليبيا تغير اسم الجماعة إلى «جمعية الإحياء والتجديد» كمحاولة التفاف على اسم الجماعة المرتبط بأزمات الإخوان الكارثية، وأيضا تحصل الجماعة على دعم تركى لا متناهيا، ولا تخفى أطماع تركيا فى البترول الليبي، إضافة لابتزاز أردوغان للحكومة الانتقالية الليبية لتعويضه عن المشاريع المتوقفة منذ ٢٠١١، بنحو مليار دولار مستحقة الصرف لصالح الشركات التركية.

تم إقرارها بالفعل من موازنة ليبيا المحملة بالأعباء، ثم محاولة تركيا الالتفاف من جديد عبر مشاريع إعادة الإعمار، ناهيك عن الدعم الخبيث العلنى للميليشيات التى تشيع الفوضى والدماء وشحن المرتزقة، أي علاقة يا غنوشى مع تركيا ويا إخوان!!!

إن جماعة تحمل الخير لا بد أن تركز على بناء دولة قوية ذات مقدرات وعلاقات وثيقة مع العالم، تنظر لمصالح أمتها، تحمى حدودها، تحترم القوى السياسية الداخلية وتستمع لهم، توزع السلطات بمنطق الكفاءة لا الثقة، لا تتحالف مع من يخربون البلاد، هذا ما يسمى أن تحمل الخير لوطنك.

بالطبع بعد إطاحة الرئيس التونسى قيس سعيد بحركة النهضة وتعطيل البرلمان وغلق مقار الإخوان وفتح ملف التحقيقات معهم فى قضايا الفساد، انبرى حلفاء الحركة فى جميع أنحاء العالم فى الدفاع عنها، وأهمهم تركيا وقطر، ثم اتحاد علماء المسلمين برئاسة أحمد الريسوني، وقد أفتى الاتحاد بأن قرارات الرئيس التونسى «لا تجوز شرعا ولا أخلاقا» وأن القرارات «تمثل انقلابا على إرادة التونسيين والمؤسسات المنتخبة واتخاذ إجراءات أحادية أمر خطير ولا يجوز شرعا ولا أخلاقا ولا عرفا».

ابن جامع الزيتونة الذى انتهى بمبايعة أردوغان 

ولطالما كانت ما تسمى «الحركة الإسلامية»، قوية فى بلدان المغرب العربي، لكنها التفتت لنداء السياسة فى ستينيات القرن الماضي، وارتبك المشهد كثيرا بتحالف بعضها وانضوائه تحت عباءة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، مما خلق تبديلا لأولويات العمل التربوى الدعوى وجعل السياسة وصراعاتها للوصول للحكم الغاية التى تبرر كل وسيلة!

سنحاول فهم تفاصيل ما جرى وفق رؤيتين متعارضتين، لكاتبين تونسيين، يمثلان النظرتين المتعارضتين أو الدينية والمدنية.

يصف ابن القيادى التونسى الهاشمى الحامدى أحد رفقاء الغنوشى فى وثيقته المهمة «أشواق الحرية.. قصة الحركة الإسلامية فى تونس» وضعية البلاد فى أواخر الستينيات، وكانت بعيدة عن التجربة الاشتراكية الأولى ومستعدة لمرحلة الانفتاح الليبرالى أو ما وصفه الكاتب بـ«موسم الهجرة إلى الشمال» فى إشارة للرواية السودانية الأشهر للطيب صالح.

صراع بورقيبة والثعالبي

كانت تونس تشهد صراعات قوتين بارزتين كأغلب العواصم العربية، حزب دستورى حر قائم على مبادئ فصل الدين عن الدولة بزعامة بورقيبة، وجامع الزيتونة بثقله الإسلامى والعروبى القديم، وكانت عودة عبدالعزيز الثعالبى أحد الزعماء الدينيين البارزين من جولة للحشد ضد الاستعمار الفرنسى إلى تونس أواخر الثلاثينيات مناسبة تاريخية تفجر فيها الخلاف على أشده بين الحزبين، وكان الثعالبى من مؤسسى العمل الوطنى فى تونس، وله صلات بحسن البنا وجماعة الإخوان فى مصر ومتعاطفا مع فكرة الجماعة وأوهام الخلافة.

وباعتراف الهاشمى فى وثيقته؛ كان بورقيبة أكثر ذكاءً من الثعالبي، حين وجه خطابا لفرنسا يوحى بالاقتناع بمبادئ الثورة الفرنسية ويتحاشى الحديث عن «الاستقلال» إلا فى مرحلة متأخرة، وكان خطابه الآخر للجماهير فى تلك المرحلة يحمل آيات الجهاد ويخاطب عاطفتهم الدينية، بل إنه زار البنا وطلب تأييده، وأمام قدرة حزبه الحركية وانتشاره، بهت تأثير الزعماء الإسلاميين.

لقد كسب بورقيبة جولته الأولى ضد السلفية فى تونس قبل إعلان الاستقلال، وحال تسلم الحزب الجديد للحكم نهائيا بعد الاستقلال عن فرنسا، بدأت الجولة الثانية الأكثر وضوحا وركزت على نشر ثقافة عصرية، ولكنها لم تستند لأى مرجعية إسلامية بل همشت الوجود الدينى وجففت منابعه تدريجيا، وظهرت معارك الحجاب ونحوها على السطح، وهى مرحلة اتسمت بسياسات متطرفة علمانية أججت المشاعر الدينية لاحقا لاستعادة البلاد لجذور هويتها العربية الإسلامية!

تونس بين هويتين!

تؤكد الوثيقة التى بين أيدينا أن التعليم قد ذهب والحركة الثقافية لمناهج ورؤى غربية تماما، وأصبح الحديث عن هوية متوسطية لتونس، نسبة لدول حوض المتوسط وحضارته، بدون إشارة لهويتها العربية الإسلامية، وطال ذلك اللغة العربية التى أصبحت محصورة فى حصص التربية الوطنية والنحو دون غيرها من سائر العلوم حتى الأدبية منها كالفلسفة مثلا، فكانت كلها بالفرنسية!

كانت النصوص الدستورية لتونس الحديثة تؤكد أن الإسلام دين الدولة والعربية لغتها، لكن هذا على الأرض كان الحزب الحاكم ضائقا به ذرعًا، ومن جهة أخرى فإن كل النصوص المتعلقة بحرية التجمع والنشر لم تكن واقعا وبخاصة بالنسبة للتجمعات الإسلامية، ترى وثيقة «أشواق الحرية»- لنجل الهاشمى الحامدى أحد مؤسسى النشاط الإسلامي، مع راشد الغنوشى أواسط الستينيات والذى سُجن معه فى الثمانينيات- أن تلك الفترة كرست الدكتاتورية السياسية، وتوابع ذلك كثيرة، فالارتقاء فى الوظائف والسلك الجامعى والمناصب العامة يعنى ليس كفاءتك بقدر ولائك للحزب الحاكم!

لقد شهدت تلك الفترة ظهور طبقة جديدة تتمتع بثمرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهى مرتبطة بمراكز القوى داخل وخارج البلاد، أى الحزب الحاكم والغرب، ولقد طبقت تونس الاشتراكية فى فترة الستينيات، وصودرت أملاك ليس الميسورين فقط لكن بعض متوسطى الحال لصالح الدولة، ومنى الاقتصاد التونسى بخسائر مهولة، وبدأ الانفتاح على الغرب مثل حال العالم العربى والارتباط بالمراكز المالية الكبرى وشروطها. هذه هي جزء من تبرير ظهور ونشاط ما يسمى الحركة الإسلامية فى تونس والتى تحولت إلى حزب النهضة. 

فى تلك الفترة بزغت بوادر نشاط تلك الحركات، مع توقيف مجلة «المعرفة» الإسلامية للشيخ عبدالقادر سلامة، وهو أحد علماء الزيتونة، وكان راشد الغنوشى فى الثلاثين من عمره آنذاك عائدًا من دمشق بعد تحصله على الأستاذية من قسم الفلسفة بكلية الآداب بدمشق ١٩٦٨ ومنقطعا عن إعداد رسالة دكتوراه سجل لها بجامعة السوربون لكنه عاد بعد عام واحد ليدرّس الفلسفة الإسلامية فى المعاهد الثانوية.

الغنوشى ومورو.. نواة جماعة النهضة 

تونس.. لائحة جديدة لعزل الغنوشي بسبب "الأسلوب الدكتاتوري" | أخبار سكاي نيوز عربية

خلال إقامته فى سوريا تعرف الغنوشى إلى الحركة الإسلامية السورية، وكان يمقت مكوث عشرات الشباب فى سجون عبدالناصر، ولهذا عاد لبلاده رافعًا شعار «بالإسلام وحده تنهض الأمة وتتوحد»، وكانت دراسته للفلسفة عاملا مهما فى إدراك بعض نواقص الخطاب الإسلامى المشرقى وحدوده.

أما الشيخ عبدالفتاح مورو فكان خريجا للحقوق، وكلاهما درس على يد الشيخ بن ميلاد فى جامع الزيتونة، ثم ألحق بهما أحميدة النيفر خريج اللغة العربية من دمشق، وكانت تلك نواة انطلاق العمل الإسلامى الجديد فى تونس.

كانت البلاد تدخل ما اصطلح على تسميته بالتجربة الليبرالية بزعامة الهادى نويرة وتحت إشراف الحبيب بورقيبة، بعد سقوط التجربة التعاضدية الاشتراكية، وساءت الأوضاع الاقتصادية، وسادت النخب الثقافية نزعة ذاتية مادية، لا تعرف من الدين إلا اللمم، وكرس الإعلام نسقا قيميا جديدا للحياة.

وعلى الجانب الآخر كان الحزب الإسلامى التابع للغنوشى يقوم على طريقة جماعة التبليغ بالدعوة عبر الطواف على المدن ودعوة الناس إلى المساجد والحديث عن مفاهيم الإسلام الكبرى، ثم لاحقا قرروا اقتحام ساحة الشباب من خلال المعاهد الثانوية، بعد انتشار ما قال عنه مؤلف الكتاب بأنه سيادة «الإلحاد» والذى وصل لتمزيق المصاحف علنا من قبل بعد المنتسبين للنخب وداخل حرم الجامعة!، وكانت هذه أيضًا ضمن مبررات الغنوشى وجماعته لتبرير النشاط المكثف فى الجامعات التونسية.

مؤتمر الأربعين ومبايعة الغنوشى أميرًا

مع عودة راشد الغنوشي؛ انطلقت الحركة الإسلامية، وبصحبة الشيخ الحبيب المستاوي، مؤسس جمعية لتحفيظ القرآن، سُمح للغنوشى ومورو ببث دروس دعوية إصلاحية داخل الجمعية، وقد أسند إلى الغنوشى عضوية المكتب الجهوى لمدينة تونس ١٩٧١، وارتقى مورو إلى عضوية الهيئة المديرة للجمعية.

وفى عام ١٩٧٢ انطلق «مؤتمر الأربعين» التأسيسى للحركة الإسلامية «حزب النهضة حاليا»، بمشاركة ٤٠ شخصية إسلامية بارزة، وبحسب كتاب «النهضة.. تنظيمات الإرهاب فى العالم الإسلامي»، للمؤلف التونسى عبدالله العمامي؛ فإن هذه الشخصيات شكلت بوادر الدعوة لأعمال العنف الدينى والإرهاب.

إلى جانب العمل الدعوى خرج المؤتمر التأسيسى بعدة قرارات أولها هوية الحركة التى أصبح اسمها الجماعة الإسلامية بتونس، وأنها تعبير محلى عن التيار العالمى للإخوان المسلمين الذى مقره فى مصر، وتم ترتيب البيعة للمرشد العام للإخوان المسلمين، حسن الهضيبى الذى بقى فى المنصب حتى عام ١٩٧٣، وبالفعل تمت البيعة فى السعودية خلال مؤتمر جمع الأعضاء الأربعين للجماعة فى تونس بالهضيبى فى أثناء موسم الحج.

ولقد حظى الغنوشى بعد هذا المؤتمر بـ«إمارة» الجماعة الإسلامية فى تونس، والتى أصبح لها هيكل تنفيذى ومجلس شورى وأسر وشعب وهو ما ينفى تبرؤ الغنوشى الدائم من أخونة حركة النهضة.

وفى عام ١٩٧٧؛ دعا ما يسمى الإسلاميون فى تونس إلى أول اجتماع رسمى باسم «الاتجاه الإسلامي» فى كلية العلوم فاعترض الماركسيون وهاجموه هجومًا عنيفا، وبين هذا المشهد ومشهد انعقاد المؤتمر الطلابى العام فى أبريل ١٩٨٥ وبناء الاتحاد العام التونسى للطلبة فى غلبة تامة للتيار الإسلامي، بدا وجه مميز من أوجه التجربة الإسلامية فى تونس.

وهنا نلاحظ نفس ما حدث فى مصر فى أوساط السبعينيات من قيام الجماعة الإسلامية الطلابية بالاحتكاك بالحركة اليسارية فى الجامعات المصرية وخاصة جامعات أسيوط والمنيا والقاهرة لفرض وجودها بالقوة.

الغنوشي: أنا تلميذ البنا والمودودى والخميني

إيران تعلن وفاة تلميذ الخميني - Sputnik Arabic

شهد الغنوشى وحركته نهوضا كبيرا، مع نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية بزعامة الخميني، عام ١٩٧٩، ومع تولى حكومة المزالي، أصبح المجال أكثر انفتاحا على التعددية السياسية والاجتماعية، ليس اقتناعا بوجود هذه الحركة، ولكن لامتصاص آثار انتفاضتى ١٩٧٨ و١٩٨٠، وصرح بورقيبة أنه لا يرى بذلك مانعا طالما تم احترام شروط أهمها: الاعتراف بشرعيته، التمسك بالنظام الجمهوري، عدم الولاء للخارج، تجنب العنف. وكانت خطب الغنوشى واضحة فى الحشد لمواجهة النظام: وقد انطلق يقول: «إن الجهاد من أجل الحرية هو جهاد من أجل الإسلام». وفى عام ١٩٨١؛ أعلن الغنوشى عن تشكيل المكتب السياسى العلنى الأول لحركة الاتجاه الإسلامى والتقدم بطلب رسمى إلى وزارة الداخلية للحصول على الترخيص لحزب سياسي، كان ذلك ممنوعا عليهم منذ دخول الحقبة الاستقلالية ١٩٥٦.

ويسلط كتاب «النهضة.. تنظيمات الإرهاب فى العالم الإسلامي»، للكاتب التونسى عبدالله العمامي، الضوء على مقال كتبه الغنوشى فى مجلة المعرفة التونسية خلال فترة تأسيس الجماعة، أشاد بجماعة الإخوان فى مصر، ونظيرتها من حركات باكستان برعاية المودودى وإيران برعاية الخوميني، فكتب: «إن الاتجاهات الكبرى فى الحركة الإسلامية المعاصرة هى الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية فى باكستان والحركة الإسلامية فى إيران، أما ما تبقى من الاتجاهات الإسلامية فهو تابع بشكل أو بآخر لأحد هذه الاتجاهات الكبرى».

واستطرد: «إنى أتردد فى تقديمهم نظرا لما أشعر به من حرج أمام تقييم رجال وعلماء فطاحل لست أنا إلا تلميذا صغيرا من تلاميذهم». ثم يدعو لتأييد الحركات الانقلابية بقوله: «الآن سقطت الخلافة فسقطت الشرعية وعند إذن فالموقف الإصلاحى لم يعد كافيا، إذ البيت قد سقط ويحتاج لتأسيس جديد».

تهم الإرهاب تلاحق جماعة الغنوشي

لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، ففى عام ١٩٨٠ حاولت مجموعة مسلحة السيطرة على مدينة «قفصة» بالجنوب التونسى كمرحلة لإسقاط النظام، ضمن احتجاجات واسعة طلابية وشعبية ضد الفساد، ساندتها حركة الغنوشي، ثم تدخل الجيش مسنودًا بمساعدات عسكرية سريعة من فرنسا والمغرب وسحق الانتفاضة، وتوجهت أصابع الاتهام للحزب الإسلامى باعتبار أنه المساند لاحتجاجات الطلاب والجماهير ضد الفساد، وكانت تلك مقدمة لأحكام سيلقاها الغنوشى ورفاقه فى المحاكم.

واتهمت السلطات الحاكمة، الحزب بممارسة العنف والحض عليه، وفى ١٨ يوليو أقدموا على اعتقال رئيس الحركة الإسلامية وأمينها العام وأكثر من سبعين من قادتها، واتهمت الحركة الجهات الأمنية بممارسة القمع والتعذيب ضدهم فى التحقيقات لانتزاع اعترافات مكذوبة، وحكم على الغنوشى وصالح كركر وبن عيسى الدمنى وعلى نوير وعبدالفتاح مورو وغيرهم بعشر سنوات.

وتنوعت الأحكام بين المدانين، ولكن تكرست محاكمات ١٩٨١ فى نظر الإسلاميين باعتبارها بداية عصر القبضة الحديدية وملاحقة مشروعهم، ثم أطلق سراح الغنوشى ١٩٨٤ وعاد ١٩٨٥ رئيسا للمكتب السياسى العلنى لحركة الاتجاه الإسلامي، قبل أن تبدأ حلقة اعتقاله من جديد عام ١٩٨٧، ثم خروجه من البلاد.

وكان حزب النهضة وقت تأسيسه ١٩٧٢، يسمى بـ«الحركة الإسلامية» ثم «الجماعة الإسلامية» تبعا لجماعة الإخوان فى مصر، إلى أن تحولت لـ«حزب النهضة» بعد ثورة تونس عام ٢٠١١ التى أطاحت بالرئيس بن على.

وهكذا انحرفت هذه الحركة عن أهدافها المعلنة بعد حقبة الاستعمار، وانحدرت إلى مزالق السياسة، وسافر الغنوشى ينظّر لعلاقة الإسلام بالديمقراطية والغرب، وعاد مع اندلاع الثورة التونسية ٢٠١١، واستقبله الآلاف، ولكن الفعل لم يكن انعكاسا للكلام، وسقط حزب النهضة فى نفس مزالق الإخوان المسلمين فى مصر وحول العالم، وظهر الفساد الاقتصادى والاستقواء بالخارج وتردى البلاد.

ألم تكن تجربة الإخوان فى مصر وسقوطهم درسا لتونس؟!، خاصةً أن حركة النهضة المنتمية فكرا لجماعة الإخوان، ورئيسها راشد الغنوشي، أظهرا مزيدا من النضوج عن سياسات الإخوان التقليدية، وكانت لديهم رؤية أكثر تطورا بخصوص الديمقراطية كمبدأ إسلامي.

وتعد تلك النقطة محور أغلب محاضرات راشد الغنوشى خارج البلاد، بعد أن اضطر للجوء إلى لندن واختارها منفى بعيدا عن ملاحقته قضائيا فى بلاده، على إثر تصريحاته المعارضة تارة والمستقوية بالخارج تارة أخرى ليحتل منصبا مرموقا فى اتحاد علماء المسلمين، وكانت مبادئ الشفافية ونبذ العنف والديمقراطية، عمدة أعماله ومحاضراته وكتبه، فأين ذهب كل ذلك ؟!