الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مائة بيت من الشعر العربي القديم.. عدي بن زيد (62)

مصطفى بيومي
مصطفى بيومي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.

62 – عدي بن زيد
" لستُ أدري إذ أكثروا العذل فيها
أعدو يلومني أم صديقُ؟ "
يُذكر للأعداء بالخير أنهم لا يقدمون النصح الماسخ، ذلك أنهم لا يضمرون للعدو العاشق خيرا، ويستمتعون بما يتوهمونه عذابا يغمره ويعكر صفو حياته، أما الأصدقاء فإنهم يقتحمون منطقة ملتهبة، مدججين بأسلحة الحكمة، ويجهلون أبعاد وخبايا الوجع. تتوالى كلماتهم البائسة المحنطة التي توشك لفرط جفافها وقسوتها أن تحيلهم إلى أعداء ألداء.
تكمن الأزمة دائما في هؤلاء الذين تدفعهم النوايا الطيبة واليقين بأنهم حكماء راشدون ناضجون، إلى إهمال جوهر ما يتسم به المحبون المتفردون بقوانين خاصة توجه الأفكار والسلوك. يتجاهلون استحالة خضوعهم للإيقاع الآسن الرتيب الذي يرضخ له الآخرون، ويُقال عنه بلا منطق مقتع إنه النمط الوحيد الجدير بالاحتذاء.
لا يصدر عدي حكما نهائيا حاسما يدين به الأصدقاء من مدمني العذل، فهو يبدأ بيته ب "لستُ أدري"، معلنا بذلك التوجه عن حيرته وشكه، ثم يطرح القضية في صياغة استفهامية استنكارية تنبىء عن الضيق المكتوم الذي يتجلى في سؤال غاضب، يحمل مزيجا من الغضب والدهشة والاستياء، ولعله يفكر أيضا في غباء أصدقائه هؤلاء ومحدودية وعيهم وهشاشة رؤيتهم. أليسوا أنهم بلومهم وتقريعهم يزيدون النار اشتعالا، متوهمين لفرط سذاجتهم وسطحيتهم أنهم رجال يرسلهم القدر لإطفاء الحرائق؟.