الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"أنا جاتلي فكرة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كنت دائمًا على خلاف مع صديقي في الرأي، إذ كان يرفض كل ما أقوم به، وفي بعض الأحيان كان يصفني بالمجنون، وكنت أضحك أحيانًا وأغضب أحيانًا وأقول له: "يا بختك إنت عقلك واخد إجازة.. إنت لو فكرت تموت".

بعد سنوات طويلة من حالنا هذا وفي إحدى الجلسات التي كنا نضحك فيها وكأن كل واحد فينا يقرأ "نكات" من على جبين الآخر، قلت له: "بقولك إيه أنا جاتلي فكرة ما تيجي نبدل عقولنا أسبوع، إنت تاخد عقلي وأنا آخد عقلك".

انفجر بالضحك وقال لي: "لا ده إنت كده وصلت خلاص، عقل إيه اللي نبدله!".
حاولت إسكات ضحكاته وبعد أن مرت ساعة كاملة قلت له أنا أقصد أن تعطي عقلك إجازة أسبوع وسيحل محله عقلي والعكس سأفعله.
شعر بأن الجنون أصابني، لكنني وصلت دون عابئ بتجهم رواد المقهى حولنا وقلت له أنا أقصد أنني سأسجل لك كل ما يمليه علي عقلي خلال أسبوع وسأمنحك هذا التسجيل، تضع سماعة في أذنيك وتتصرف كأن هذا التسجيل عقلك.

فرك عينيه وقال وعقلي الحقيقي، قلت له لا تنصت إليه اعتبره غير موجود، ركز مع التسجيل، وسجل أنت أيضا لي ما يمليه عليك عقلك أسبوعا وامنحني إياه.

عاود الضحك وهو يتمتم: "والله شغل جنان لكن نجرب".

في اليوم التالي تبادلنا العقول أقصد التسجيلات وودعته شريطة أن نلتقي بعد أسبوع.

معي مفاتيح في يدي فيما يبدو أنها لسيارة لكن عقله الذي بات عقلي يعطي الأوامر بالقفز خلف الأتوبيس، أقع على الأرض وأنتظر أتوبيس آخر وأقع وأضحك بلا سبب، يضيع الوقت.. أصل للبيت.. أنام من فرط التعب.
لكن عقله الذي بات عقلي يوقظني كل ٥ دقائق لأفتح الهاتف وأقلب في صفحات التواصل، يحادثني أشخاص أعرفهم ولا أعرفهم يتعجبون من ردودي ومن تغير طريقة كتابة "بوستاتي" لكنهم يعتبرون ذلك من باب السخرية.

تصنع لي زوجتي الطعام الذي أحبه، لكن عقله الذي بات عقلي يرفضه ويعطي إشارة لمعدتي فتلفظه.

لا أحب ما يحبه وأحب ما لا يحبه، أذهب إلى الملاهي مع الأطفال وأنا أحمل كتاب عن أرسطو، لا أعرف من هو أرسطو ولا سبب حملي هذا الكتاب في لعبة التزحلق، ينبهني الأطفال الذي لا أعرف من يكونوا إلى وضعه في إحدى حقائبهم فامتثل لذلك، حتى أتمكن من الركوب معهم السيارات الكهربائية، التي أحاول أن أديرها بالمفتاح الذي في جيبي.. فيضحك الصغار وأضحك أنا معهم وأنا مندهش على ماذا نضحك!. 
يطلب مني عقله الذي بات عقلي أن  يستمع إلى "دي جي ساسو." فأبحث على اليوتيوب لكن  تخرج لي أغنية أخرى لا أدري من أين وقع الخطأ، لكن في الغالب أصابعي تعودت على شيء لا أعرفه.
أضع في أدنى قطنة ثم أنزعها وأحاول فهم ما يقوله "ساسو" لكن دون جدوى.
بعد أيام بدأت أشعر بآلام في جسدي وعدم وضوح في الرؤية واكتئاب مع أنه من المفترض أن عقل صديقي الذي بات عقلي يجعلني في حالة لا مبالاة واستهتار وضحك وهزار.
انتهى الأسبوع وأغلقت التسجيل الذي منحني إياه فنطق عقلي بعد أسبوع من الصمت في غضب شديد يا هذا أنت بنيت تجربتك على أن العقل هو الذي يحكم فقط مملكة الجسد، وظننت أنه الآمر الناهي الوحيد فيها، لكن الحقيقة ليست كذلك فهو وإن كانت له مهام أكثر وميزات أكثر لكن الكل يتجانس في منظومة واحدة. فطيلة الأسبوع أنت تسمع نكات لكنك لم تضحك لأن القلب لم يعد متواصلا مع العقل ففقدت النكتة المعنى وفقدت أنت الإحساس.
هذا الطعام الذي تركته إنما كنت تقبله بعد ذائقة صنعها عقلك مع حواسك بعد سنوات من النقاش والرفض والقبول.
هذا الكتاب الذي ذهبت به إلى الملاهي مع الأطفال تعودت يداك على حمله حتى لو لم يدرك عقلك الذي استبدلته عنوانه ومعناه ستظل بالتعود تحمله.
إنما أنت يا هذا مجموع من الأشياء من الإيقاعات المتناغمة، من الأوتار التي لا يكتمل معنى اللحن إلا بالعزف عليها مجتمعة، وكما أنت كما صديقك الذي أعرته عقلك.. كل كيان مختلف وتركيبته مختلفة ولن يفكر أحد كأحد ولو نقلنا العقول.. أفهمت؟. أظن أنني فهمت.

جاء صديقي وفي يده عقلي، أقصد التسجيل الذي منحته إياه على أنه عقلي ليكون عقله أسبوع.
وفى تحفز سألته ماذا فعلت بعقلي وكانت المفاجأة: “يا عم عقل إيه إنت مديني بتاع شوية يوش وشوية يقول كلام لا فاهم منه حاجة”، ضحكنا وضحكنا الآن أدركت بعقلي الأصلي أن ما قاله يضحكني.. مع أنه لعقلي الذي منحني إياه أمر عادي.

ربت على كتفه.. وقلت له أنا أعرف ماذا فعلت يا صديقي، وكان يجب علي أن أدرك ذلك، إذا كنت منحت عقلك الأصلي إجازة، فمن السهل أن تلحق به عقلك المزيف.