الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

منير أديب يكتب: تونس تكتب نهاية الإخوان المسلمين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من جديد تصدح حناجر الشعب التونسي بقصيدة "إرادة الحياة" للشاعر الشاب أبو القاسم الشابي، فما أن نطق هؤلاء التوانسة "إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر" حتى انتفضت أرجاء القيروان وسوسه وصفاقس وغيرها من مدن تونس الخضراء، جميعهم نطقوا في صوت واحد "الإخوان برا برا.. تونس حره حره" "يا غنوشي يا سفاح يا قتال الأرواح".

لم يرض شعب تونس أن يلحق العار بهذه الدولة التي صدّرت العلم والأدب والثقافة والفنون إلى العالم حتى تكتب نهاية الإخوان المسلمين، الذين قفزوا على السلطة فمنعوا غيرهم منها، وقتلوا المختلفين، وما شكري بلعيد ببعيد، تتزين تونس من جديد، وهناك هذه المره تحذو حذو القاهرة التي سبقتها بثماني سنوات، عندما هب المصريون في يوليو من العام 2013 فخلعوا الإخوان من الحكم، ليس ذلك فقط وإنما حاكموهم على ما ارتكبوه من جرائم، ولعل الأقدار كان لها نصيب حيث انطبعت حرارة يوليو على لهيب النفوس التي طاقت للتغيير في مصر وتونس.

كان الإخوان في تونس يصدّرون للتنظيم الدولي أنهم فصيل الحمائم والمعتدلون في جماعة لم تعرف الاعتدال، فقدموا النصائح للإخوان في مصر، غير انهم ارتكبوا نفس الأخطاء ومارسوا نفس السلوكيات الرامية للعنف ومزاحمة الخصوم، بل ومنعهم من المشاركة السياسية، حتى طبقوا شعارهم (مغالبة لا مشاركة)، تنظيم يهوى النصائح ويدمن الاعتداء على الخصوم وعلى نصائحه قبل هؤلاء الخصوم، اعتداء وصل إلى حد التخلص منهم.

لا شك أن سقوط الإخوان المسلمين في مصر كان إيذانًا بسقوط بقية أفرع التنظيم في كل الأقطار العربية، فعندما تقطع الرأس لا يبقى في الجسد أي حياة، فهي تنتهي بفصل الرأس عن الجسد، فرغم أن جسد الإخوان كان كبيرًا وممتدًا ولكن ذهب هذا الجسد سدى مع قطع رأسه في القاهرة.

وبالتالي ما حدث في تونس يأتي متسقًا مع ما حدث للإخوان في مصر، وما سوف يشهده بقية التنظيم في بقية الأقطار العربية، الإخوان المسلمون ليس لديهم ما يستطيعون أن يقدمونه للناس بخلاف العنف، ولذلك استدعوا دعم الميليشيات المسلحة في ليبيا، وها هم يكررون تجربة الإخوان في مصر، ولذلك لن يختلف مصيرهم في تونس عن نفس المصير الذي حدث لهم في القاهرة.

لا شك أن تونس تمثل رقمًا مهمًا في إدارة التنظيم الدولي للإخوان، كما كانت مصر تمثل رقمًا في إدارة تنظيم الإخوان بما فيه التنظيم الدولي، ولذلك دلالة سقوط كلا التنظيمين بنفس الترتيب يشي بقرب تفكك التنظيم ولكن بشكل كامل، لا تستطيع الجماعة أن تقوم بعده.

ومن المهم الاستفادة من تجربة سقوط الإخوان في تونس والتعامل مع تفكيك الفكرة، بعدما هوى التنظيم وما سبقه من لفظ الشارع العربي للتنظيم، فانتفاضات الشعوب العربية دلالة على مرحلة الانحطاط والتدني التي وصل إليها في الشارع، فتمت ترجمة ذلك في تحركات شعبية غيرت من خريطة وجود وقوة التنظيم وحكمت عليه بالموت المحقق.

سقط الإخوان المسلمون عندما رأتهم الشعوب العربية بصورة حقيقية، عندما أدركت كم الكراهية والعنف الذي يحملونه للناس أولًا وللمختلفين معهم ثانيًا، هذه الشعوب لم تكن مستكينة ولم تخلق لذلك، قد تكون صبورة ولكنها تنتفض وبسرعة ولا ترضى بالدونية، ومن هنا انتفضت عندما فاض كيل التنظيم ورأت أن الظروف باتت تسمح بخلع ضروس أوجعت فم تونس والتي ما عادت قادرة على الكلام بسببها.

تونس في عهد الإخوان المسلمين كانت المصدّر الأول للإرهاب عندما أقام داعش دولته في الرقة والموصل في 29 يونيو من العام 2014، فهناك تقارير أشارت إلى سفر قرابة 10 آلاف تونسي إلى عاصمة "الخلافة" بسبب البيئة الحاضنة للعنف والتي أهلت هؤلاء المتطرفين، وحتى باتت تونس علامة فارقة في تاريخ الإرهاب بين جيرانها، وهي عاصمة الفنون الثقافة قديمًا.

هذه الأسباب وغيرها كانت سببًا رئيسيًا للخروج على الإخوان، ربما مخاض القيروان كان طويلًا ولكن نهارها سوف يكون أطول من ليلها، سوف تعود تونس خضراء كما كانت، سوف تشارك شقيقتها في مواجهة أخطر تحديات العالم "الإرهاب" ممثلًا في تنظيم الإخوان المسلمين، سوف تتخلص تونس حتمًا من سباتها وسوف يعود شعبها كي يغني من جديد "إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"، فلن يغيب القمر عن مدينة القمر مرة أخرى.