الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى ثورة يوليو.. "التحرير" أول مهرجان مسرحي في العهد الجمهوري

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يحتفل المصريون في الثالث والعشرين من يوليو من كل عام، بذكرى ثورة يوليو 1952؛ تلك الثورة التي تُعد بمثابة الأم في المنطقة العربية، التي بدورها يرجع لها الفضل في تحقيق نهضة حديثة في تلك المنطقة، ويقظة فكرية وثقافية كُبرى أدت إلى نهضة المسرح، والسينما، والتلفزيون، والفنون أجمعها على مستوى العالم العربي من المحيط للخليج.
كان للثورة تأثيرًا واضحًا في شتى المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والعسكرية، لذا لم تُعد فكرة المهرجانات المسرحية ظاهرة حديثة، فبعد نجاح ثورة يوليو، نظم أول مهرجان في العهد الجمهوري، وخصص نصف إيراده لمشوهي حرب فلسطين والنصف الآخر للعجزة من أعضاء النقابة. 
وقال الدكتور سيد علي إسماعيل، أستاذ المسرح بكلية الآداب – جامعة حلوان، إن فكرة المهرجانات المسرحية لم تعد ظاهرة حديثة، وكان أول مهرجان مسرحي أقيم في العهد الجمهوري بعنوان "التحرير"، وبعد قيام الثورة بشهور قليلة تحديدًا في نوفمبر آنذاك، عقد مجلس الوزراء اجتماعًا برئاسة سليمان حافظ، نائب الرئيس اللواء محمد نجيب، ووزير الداخلية، قرروا إنشاء وزارة الإرشاد القومي، الذي تقلد حقيبتها فتحي رضوان بجانب منصبه "وزير دولة"، وحدد يوم 23 يوليو ليصبح العيد القومي لمصر، وعلى الفور تحرك الفنانون من خلال نقابتهم مقترحين على المسؤولين - في قيادة الثورة - إقامة مهرجان فني يستمر أسبوعًا باسم مهرجان الفن، ويشترك فيه أكبر عدد من الممثلين، والموسيقيين، والمطربين، ويخصص نصف إيراد المهرجان لمشوهي حرب فلسطين، والنصف الآخر للعجزة من أعضاء النقابة، وتكونت لجنة لهذا المهرجان من: "محسن سرحان، فريد شوقي، حمدي غيث"، لدراسة المشروع، ووضع برنامج الحفلات وتقديمه لمجلس النقابة.
وتابع: اجتمع الفنانين بقيادة يوسف وهبي، مع قائد الجناح العسكري وجيه أباظة مدير الشئون العامة للقوات المسلحة بمسرح حديقة الأزبكية؛ بوصفه المحرك الأول لمهرجانات التحرير، لإعداد برنامج ضخم للاحتفال بمرور ستة أشهر على حركة التحرير، وقرر المجتمعون الاحتفال بهذه المناسبة يوم 23 يناير 1953، ووقع اختيارهم على أرض الجمعية الزراعية لإقامة مسرح كبير، يسع 5000 مشاهد، وعهد إلى شكري راغب، مدير الأوبرا، إقامة هذا المسرح خلال أسبوع واحد، وبالفعل أُقيم المسرح بفضل جهود "ريمون كحلا"، الذي تبرع بأخشاب المسرح وأستاره وعماله.
وأشار إلى مقالة شكري راغب المنشورة في مجلة "أهل الفن"، ما حدث في الافتتاح، قائلاً: "وفي الثالث والعشرين من شهر يناير سنة 1953، وقف يوسف وهبي ليتحدث إلى 5000 مشاهد، ليقدم نجوم المسرح، والسينما في شكل عرض كبير، بينما تعزف الموسيقى ألحان الجهاد، ثم ألقى كلمة الافتتاح، كما ألقى في آخر أيام المهرجان كلمة الختام، التي أعلن فيها أن أهل الفن في مصر هم أخلص الناس للثورة، بل هم أنفسهم الثورة الكامنة، وأنهم على استعداد لتلبية النداء وتنفيذ الأمر، وتقديم ما يطلب إليهم تقديمه من أنواع الترفيه، وهكذا انتهى المهرجان الأول".
واستكمل راغب، وصفه للحدث، قائلًا: "إن فكرة مسرح التحرير دفعتني لأن أرفع إلى أولي الأمر اقتراحات الترفيه، فقوبلت بالرضا، ولو أن تنفيذها قد استغرق بعض الوقت، وكان اقتراحي الأول إنشاء مسرح عالمي صيفي في حديقة الأندلس، ثم إعداد مرسى على النيل بجواره، لإقامة مسرح عائم، وقد تحقق هذا أيضا في الباخرة سودان، وطالبت أن يقام معرض لإظهار ما حققته الثورة وفعلا أقيم المعرض، ورجوت أن تخصص حديقة الحرية كمدينة للملاهي، وقد خصصت لذلك الغرض، كما التمست أن تخصص الحدائق العامة والميادين في هذا اليوم للفرق الموسيقية التابعة للجيش، وللمسارح الشعبية، وضروب التسلية، وقد علمت أن النية قد اتجهت إلى تحقيق هذا الالتماس، كما طلبت أن تخصص في عدة أماكن هادئة كالساحات الشعبية، حدائق للأطفال بها "المراجيح" وضروب التسلية الخفيفة كل ذلك مجانا يتمتع به الشعب صغيره وكبيره حسب هواه".
ووصل اهتمام رجال الثورة بهذه الاحتفالات من أجل إسعاد الشعب بحركة التحرير، إقامة مسرح مكشوف على سفح الأهرامات، قام بتنفيذه أيضا شكري راغب بنجاح كبير، وكانت عروضه في مهرجان التحرير – بمناسبة مرور عام على الثورة – تتمثل في: "الباليه، والموسيقى، والمسرحيات الغنائية الاستعراضية"؛ قدم مخرجو السينما أربعة استعراضات كبيرة، اشترك فيها: "بيرم التونسي، جليل البنداري، أحمد صدقي، عبدالعزيز محمود، أحمد بدرخان، السيد زيادة، محمود السباع، كامل التلمساني، فؤاد الجزايرلي، محمد حسن الشجاعي"، بالإضافة إلى فرقة باليه بإشراف سونيا إيفانوفا، أما رواد هذا المسرح، فكانت الأغلبية من ضيوف مصر الأجانب، ومن السودانيين الذين حضروا جميع أيام المهرجان، وكان عددهم يزيد على الثلاثمائة في كل ليلة، أما المصريون فقد فضلوا مسرح الأندلس؛ لأنه يقدم الريفيو الموسيقي، والغناء المتنوع من فريد الأطرش، ليلى مراد، صباح، مع رقصات لتحية كاريوكا، سامية جمال؛ لم يكن المهرجان مقصورًا على القاهرة فقط، بل شمل أيضاً الإسكندرية، لا سيما النشاط الفني والمسرحي الملحوظ، الذي قُدم في مسرح أنطونيادس، ومسرح السلسلة.
أكد إسماعيل، بعد نجاح مهرجان التحرير الفني، نقلت لنا جريدة "المصري أفندي" في مارس 1953، لقاء جمع الرئيس محمد نجيب مع الفنانين منهم: "يوسف وهبي، محمد عبدالوهاب، أنور وجدي، فريد الأطرش، إسماعيل يس، حسين فوزي" في حضور أعضاء لجنة المهرجان الفنية المتكونة من البكباشي وجيه أباظة، مصطفى نجيب، علي كامل الدين، وما يهمنا من هذا اللقاء، الكلمات التي ألقاها الرئيس محمد نجيب، ونشرتها الجريدة؛ لأنها تُعد وثيقة حية، يجب الحفاظ عليها:
قال الرئيس محمد نجيب: "في الواقع لو أنني أردت أن أشكركم لما وجدت عبارات أفيكم بها، لأنكم جميعا أديتم الواجب نحو وطنكم فاعتبروا عجزي عن وفائكم حقكم من الشكر هو أكبر دلالة على تقدير الوطن لكم، فقد نجحت حفلات التحرير بفضل الجهود التي بذلتموها".
وتابع: "لا يمكنني أن أدع هذه الفرصة تمر دون أن أصارحكم بما في نفسي، فإنني أرجوكم أن تقلعوا في المستقبل، بل والآن عن الإنتاج السينمائي الرخيص الذي يمتلئ بالأغاني الخليعة.. فإن على الفنانين قسطا كبيرا من نهضة الوطن الحديثة وتهذيب الشعب فنيا، وأن أغنية حماسية كالتي تنشدها أم كلثوم، وليلى مراد، تخلق روحا وطنية مشتعلة في النفوس، وقد سرني أن وجدت هذه الأناشيد يحفظها أفراد القوات العسكرية في منطقة سيناء ويبلغ عددها عشرين ألفا، وقد لاحظت عند زيارتي لهم أخيرا أنهم يرددونها في طوابيرهم؛ وعندما يقدم كل واحد منكم على إنتاج فيلم أو لحن أغنية، أن يفكر في مصر أولا وينسى كل شيء عداها؛ فنحن نريد محو الأغاني الخليعة والمبتذلة والإقلاع عن المناظر المخزية كرقص البطن الذي يظهر كثيرا في أشرطة سينمائية تقابل بالاستنكار الشديد والاستياء؛ وأن يساهم الفنانون في تقويم الأخلاق وحب العمل، كما يجب احترام السودانيين في تقديمهم للسينما".
أوضح إسماعيل، أن مهرجان التحرير لم يقتصر بوصفه مهرجانا مسرحيا حكوميا على عروض فرقة المسرح العسكري، والتحرير، والحر.. فقط، بل هناك فرق أخرى شاركت في المهرجان بعروضها، مثل: فرق المسرح الشعبي، والفرقة المصرية التي قدمت مسرحيتين: الأولى "صلاح الدين"، وحضرها الرئيس اللواء محمد نجيب، والأخرى استعراضية بعنوان "70 سنة" ليوسف وهبي، شارك فيها أكثر من مائة ممثل وممثلة، تمثل المسرحية كفاح مصر ضد الاستعمار؛ من خلال جهود: "أحمد عرابي، عبدالله النديم، مصطفى كامل، محمد فريد، سعد زغلول"، وثورة 1919.. إلخ؛ لا سيما وإن عرف القارئ أن عدد الحفلات، التي أحياها المسرح الشعبي في المهرجان، وصلت إلى أكثر من خمسين حفلة في أقل من شهر واحد، قامت بها الشُعب المختلفة للمسرح الشعبي في القاهرة وأقاليم مصر، حسبما ذكرت مجلة "الفن" في فبراير 1953.