الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

69 عامًا على «الحركة المُباركة» ثورة يوليو.. الطريق إلى استقلال القرار

الضباط الأحرار إبان
الضباط الأحرار إبان ثورة ٢٣ يوليو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كان عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين هو أوّل من أطلق وصف «ثورة» على ما قام به الضباط الأحرار فى ليلة 23 يوليو 1952، والتى أطلق القائمون عليها أنفسهم اسم «الحركة المباركة»، والتى جاءت وسط ظروف سياسية واجتماعية بالغة السوء، تجلّت خلال النكبة العربية عام 1948، والتى كانت أحد نتائجها نشأة تنظيم سرى داخل الجيش تكّون من عدد قليل من الضباط ممن ذاقوا مرارة الهزيمة، وأطلقوا على أنفسهم «الضباط الأحرار»، دلالة على الانسلاخ من الخضوع للاحتلال.

 


تراكمت الظروف فى السنوات التى أعقبت النكبة، حتى جاء عام 1952، والذى شهد أحداثًا مُتلاحقة أثارت الغضب فى نفوس المصريين وليس هؤلاء الضباط فحسب، فقد حاصر ضباط الاحتلال الإنجليزى مركز الشرطة فى الإسماعيلية، وجرت مذبحة للضباط فى 25 يناير، وفى اليوم التالى حدثت سلسلة من الجرائم والفوضى عُرفت باسم «حريق القاهرة»، ودمرت مئات المحال والمتاجر والمنشآت وقتل العشرات.
لذلك أقال الملك فاروق، وزارة مصطفى النحاس، واستدعى على ماهر لتشكيل الوزارة الجديدة، قبل أن يستبعده من منصبه ويأتى بأحمد نجيب الهلالى على رأس الحكومة. هكذا تعاقبت الحكومات الفاشلة حتى ليلة 23 يوليو.
بعد 69 عامًا من إعلان قيام «الحركة المُباركة»، تستعيد «البوابة» مع قرائها ذكريات الثورة المجيدة، والأهداف التى سعت إليها من أجل تعزيز الاستقلال الوطني، واستعادة كرامة الإنسان المصري، والتى كانت سنوات من الحلم والبناء، لنرى أنه ما أشبه اليوم بالبارحة.
 


تلك الليلة.. ماذا حدث مساء 22 يوليو 1952؟
فى التاسعة مساء 16 يونيو عام 1952؛ اجتمع مجلس إدارة نادى الضباط بالزمالك، والذى كان التنظيم قد اكتسح انتخاباته بنجاح، ووقف العقيد رشاد مهنا، مقرر الجلسة، وأعلن عدة اقتراحات وصلته، من بينها عدم تمثيل سلاح الحدود فى مجلس الإدارة، وتمت الموافقة على هذا الاقتراح ما عدا صوت واحد.
كان ذلك بمثابة تحدي واضح للملك فاروق ورجله الفريق محمد حيدر، الذى كان أحد الحضور فى الاجتماع، وحاول التخلص من مجلس الإدارة مُعتمدًا على تقديم الأعضاء استقالاتهم من خلال إيهام كل عضو على حدة بأن باقى الأعضاء قدموا استقالاتهم.
بعد شهر من ذلك الاجتماع؛ أصدر حيدر باشا، قراره بحل مجلس إدارة النادي، على أمل استرضاء الملك واستعادة مركزه ونفوذه.
كان هذا القرار ناقوس الخطر، الذى أشعر قيادة التنظيم باقتراب التضييق عليهم. هكذا عقدت اللجنة العُليا للتنظيم اجتماعات متتالية فى أيام 17 و18 و19 يوليو، للرد على قرار حل مجلس إدارة النادي، وتقرر حينها تاريخ الخامس من أغسطس موعدًا لقيام حركة الجيش؛ لكن جاءت خطوات رجال الملك مُتسارعة، ففى 20 يوليو قدم حسين سرى عامر استقالة وزارته، وجاءت الأنباء بتقلده منصب وزير الحربية، كبداية لتنفيذ سياسة انتقامية من هؤلاء، الذين تحدوا الملك والتنكيل بهم، إما بالطرد من الخدمة أو الاعتقال.


يقول المؤرخ العسكرى الراحل جمال حماد: «هنا كان السؤال الدائر فى أذهان مجلس قيادة النادي، هل سيتمكنون من الغداء به قبل أن يتعشى هو بهم؟».. كان الرد سريعًا بقدر الفعل نفسه، فقد اجتمعت اللجنة العليا للتنظيم فى مقر اجتماعهم المعتاد، بمنزل خالد محيى الدين، وتحددت ليلة 23 يوليو لتنفيذ خطة الحركة، بعد ساعات قليلة من حلف اليمين الدستورية لوزير الحربية.
وفى ظهر 22 يوليو؛ اجتمع ضباط من قيادات الحركة، فى منزل خالد محيى الدين، لاستعراض الخطة بصورة نهائية، وتقرر أن يظل الأمر طى الكتمان، حتى تمام الساعة 8 مساء، وكانت كلمة السر «نصر».
روى الرئيس الراحل محمد نجيب، فى مذكراته «كنت رئيسًا لمصر»: «من كان يعلم بخطة ليلة الثالث والعشرين من يوليو عشرة ضباط فقط، أما البقية فتم تحديد مهام معينة لهم، فعلى سبيل المثال، عبد اللطيف البغدادي، كانت مهمته الاستيلاء على القاعدة الجوية بمطار ألماظة، وحسين الشافعى وخالد محيى الدين، كان عليهما الاستيلاء على سلاح الفرسان، وكان على عبد المنعم أمين، الاستيلاء على سلاح المدفعية، وكان على صلاح سالم وجمال سالم، الاستيلاء على القوات فى العريش، وكان عليّ البقاء فى المنزل حتى الاستيلاء على مقر القيادة».

 


كانت الخطة مرتكزة على السيطرة على مبنى القيادة العسكرية بكوبرى القبة، ثم اعتقال بعض كبار ضباط الجيش لضمان عدم تحريك قوة عسكرية للتصدى لهم، ثم محاصرة قصر عابدين، وإغلاق مداخل القاهرة، والسيطرة على المطارات الثلاثة الرئيسية فى العاصمة «ألماظة، ومصر الجديدة، وغرب القاهرة».
فى تمام الثالثة فجر 23 يوليو كان الجزء الأول من الخطة تم تنفيذه، القيادة العسكرية تحت السيطرة، وقيادات الجيش فى سجن الكلية الحربية، وجمال عبدالناصر يبلغ اللواء محمد نجيب هاتفيًا بآخر التطورات. يقول نجيب «هاتفنى من الإسكندرية وزير الداخلية حينها محمد المراغي، وأبلغنى وهو يتوسل لى كضابط وطنى إيقاف هذه الحركة، فالضباط إذا لم يتوقفوا سيتدخل الإنجليز، لأتلقى مكالمة مماثلة للأولى من وزير التجارة ثم رئيس الحكومة، إلى أن اتصل بى الصاغ جمال حماد، لإبلاغى بنجاح المرحلة الأولى من الخطة، تحركت إلى كوبرى القبة، واستقبلنى اليوزباشى إسماعيل فريد».

 

زاوية أخرى من الحكاية
ويروى الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، فى كتابه «سقوط نظام.. لماذا كانت ثورة يوليو 1952 الأزمة؟»ـ حكاية البيان الشهير للثورة، وقد كان وقتها أقرب أصدقاء جمال عبد الناصر من المدنيين، قال «عند الساعة الرابعة إلا الثلث فجرًا، وصلت إلى مبنى رئاسة هيئة أركان الحرب، وكان قد وصل اللواء محمد نجيب، واستقبله عبد الحكيم عامر، ليبلغه بأن القاهرة تحت السيطرة، ليسأل نجيب عن موقف الفرقة الأولى مشاة العريش- وتعتبر قوة رئيسية فى ذلك الوقت- ليطمئنه عبد الحكيم، بأن تأييد الفرقة للمعركة مضمون وفى الطريق»، ودخل هيكل فوجد جميع أعضاء مجلس قيادة الحركة.
وتابع: «وفى الساعة السادسة وخمس دقائق، دعا سعد توفيق إلى غرفة اجتماع القيادة لأقل من دقيقة، وعاد ومعه ورقة هى صورة من بيان سوف يعلن بعد قليل -الساعة السابعة- من إذاعة القاهرة وهذا ما تم بالفعل لأن قوات الجيش سيطرت على أستوديوهات الإذاعة، وكان البيان رقم 1 من قيادة حركة القوات المسلحة».