الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

مئوية الأنبا ميخائيل.. طاردته المناصب وحافظ على حق الكنيسة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عاش الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، سنوات طويلة، داخل رحاب أبروشية أسيوط، وصنع مسيرة حافلة ومثمرة، ورغم رحيله منذ سبع سنوات، إلا أن ذكري ميلاده المائة، أعادت إلى أذهان المصريين مواقفه الوطنية، ودوره البارز، في مواجهة التطرف؛ فقد كان صاحب كاريزما، وتصريحات قصيرة، لكنها تصيب الهدف، وتصنع حالة مصرية، وليست موجهة إلى الأقباط فقط، بل إلى كل مصري، خاصةً أنه بدأ حياته العملية قائدًا وهو في منتصف العشرينيات؛ حيث تمت رسامته أسقفًا وهو في عمر الـ٢٦عامًا فقط، داخل إبروشية مليئة بالأثرياء، وأصحاب النفوذ، أيام الحقبة الملكية.



قيادة وصدام مبكر
تمت تزكية الأنبا ميخائيل للأسقفية، بعد سبع سنوات فقط من التحاقه بالرهبنة؛ فقد تشبث بدير الأنبا مقار، وترهبن في 19 فبراير عام 1939، ومنحه الدير اسم الراهب القمص متياس المقاري، ونلاحظ تصعيده إلى رتبة قمص، بعد سنوات قليلة.
وقرر البابا يوساب، رسامته أسقفًا في 25 أغسطس 1946، وكانت الإبروشية وقتها تضم مناطق قوية، هي: أسيوط، البداري، وساحل سليم، وقتها قال الأراخنة، وكبار الأقباط: مَنْ هذا الشاب، الذي يأتي ليقود ويتحكم، وعمره لا يزال ٢٦ عامًا؟!.
ومن المفارقات أن الصدام بدأ قبل رسامته مع رئيس الدير، والغريب أن رئيس الدير قرر استبعاده نهائيًا، وكان عمره وقتها 25 عامًا، وكان رئيس دير الأنبا مقار على علاقة قوية بالراهب متياس، وفي إحدى اللقاءات حدثت مناقشة حادة، وأمره بمغادرة الدير، وأنقذ البابا يوساب الثاني، الراهب متياس.
وذهب بنفسه إلى دير أبو مقار، وخاطب الرهبان قائلًا: "نعم سيغادر الدير، ولكن لكي أرسمه أسقفًا لأسيوط". وتطور التصعيد لتتم رسامته مطرانًا، ليصبح أصغر مطران في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، سنًا.

رفض التمييز وتسلط الأثرياء

كل من تعامل مع الأنبا ميخائيل، أكد أنه كان صاحب شخصية قوية وهيبة، وحصد احترام الشعب والمسئولين، وفور توليه مهام الإشراف على الأبروشية، رفض التمييز الطبقي بشكل واضح، والمعاملة الخاصة بأثرياء وباشوات أسيوط، وقال بالنص: "الكنيسة كنيسة الشعب كله، وكان رد فعل الأثرياء، الامتناع تمامًا عن التبرعات، لإجباره على معاملتهم معاملة خاصة، لكنه أصر على موقفه.
ورغم تحريضهم الممنهج للعائلات القبطية، بحجة أنه صغير السن، وفرض عليهم، إلا أنه كان مستمرًا وبقوة، ورصيده البسطاء، وانتصر في وقت قصير، ونجح في كسب قلوب الجميع.



الأنبا ميخائيل إصلاحي وتنويري

خاض المطران معركة شرسة، مع قوات الاحتلال الإنجليزي، وشجع الحركات الرافضة للاحتلال، وأعلن ذلك بشجاعة؛ معتمدًا على شعب أسيوط؛ مسلمين وأقباط، ورفض تصنيف الكنائس، وحرب الطوائف، وقال بالنص: "المسيح لا يريد كنيسة ممزقة، لو كان المسيح أرثوذكسيًا فقط لكان مسيحًا ضعيفًا هزيلًا.
واستمرت مسيرته ثابتة في أصعب محنة مرت بها الكنيسة، في عهد البابا يوساب، بسبب عزله من جماعة الأمة القبطية، وكان دور الأنبا ميخائيل في لم الشمل ورفض الانقسامات واضحًا.
ورغم أن البابا يوساب، كان هو من رسمه مطرانًا، إلا أنه عندما تم اختيار الأنبا ميخائيل، وعمره ٣٤ عامًا، في لجنة إدارة الكنيسة، وقررت اللجنة استبعاد الأنبا يوساب إلى الدير، وأيد الأنبا ميخائيل القرار، وقال حق الكنيسة أولًا، وكان وقتها نفوذ ملك خادم الأنبا يوساب، قد سبب كوارث إدارية وانقسامًا حادًا.



البابا كيرلس والمطران الشاب

ارتبط البابا كيرلس السادس والأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، ارتباطا قويا، بدأ مع اختيار البابا كيرلس، الأنبا ميخائيل، الاشتراك في رحلة الفاتيكان، عام 1973، ورحلة لندن عام 1979، واختير الأنبا ميخائيل، ضمن الوفد الرسمى، الذى رافق جسد القديس مرقس الرسول، في رحلة عودته إلى القاهرة، عام 1968.
وبعد عودته؛ كلفه البابا كيرلس بمتابعة تشييد الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس بالقاهرة. حيث أقام متفرغًا، إقامة دائمة للإشراف على الإنشاءات والتعمير، وانعكس ذلك على مسيرة الأنبا ميخائيل، فقد شارك في تعميير عشرات الكنائس والأديرة.



مواجهة التطرف والإرهاب

عُرِفَ عن الأنبا ميخائيل، أنه كان يواجه أي تقصير في حقوق المواطنة، وكان داعمًا بشدة للوحدة الوطنية، وبدأت أولى مواجهاته، داخل بيت السادات، رافضا دعم الرئيس لمحافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل، الذي كان يدعم الإخوان وقتها.
وتم اختيار الأنبا ميخائيل في وفد المجمع، لمقابلة الرئيس أنور السادات، بعد اعتداءات ممنهجة من جماعة الإخوان على طلاب المدن الجامعية، واستمرت مسيرة المطران أمام التطرف في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، ورفض مغادرة الأبروشية، على مدى سنوات طويلة.
كان يقف بجوار أبناء أسيوط ومراكزها، يشجعهم على مواجهة جيوب الإرهاب، ودعم الوطن، وكان يعتبر الإرهاب ليس فقط ضد الأقباط، بل ضد كل المصريين، خاصةً مع انتشار حوادث استهداف رجال الشرطة، في مواقف صعبة، مثل أزمة اغتيال الرئيس السادات، وقتل العشرات من رجال الشرطة في مديرية أمن أسيوط.
وفي منتصف التسعينيات؛ كان يتجول بنفسه، يتفقد شعب أسيوط، مستنكرا استهداف ممتلكاتهم من جماعات العنف والتطرف، كل ذلك مهد لعلاقة احترام بينه وبين أصحاب السلطة، وكانوا يذهبون إلى مكتبه، للتشاور وسماع رؤيته، خاصة في حقبة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ونفوذ الحزب الوطني.

البابا شنودة والأنبا ميخائيل

فشلت كل محاولات الوقيعة بين البابا شنودة والأنبا ميخائيل، وارتبط البطريرك والمطران بعلاقة قوية، خاصةً أن بعضهم ردد شائعة أن الأنبا ميخائيل سيكون البطريرك البديل، وهي شائعات طاردت آباء وأساقفة منهم الأنبا صموئيل أسقف الخدمات، والأب متي المسكين، ومع مرور الوقت ظهر كذبها، خاصةً وأن البابا شنودة كان دائم الاطمئنان على صحة الأنبا ميخائيل.
وفي 21 مارس 2009؛ أعلن الأنبا ميخائيل استقالته من رئاسة دير الأنبا مقار، وأرسل الأنبا ميخائيل برقية إلى البابا شنودة الثالث يلتمس فيها إعفاءه من مهام منصبه كرئيس لدير الأنبا مقار وناظر لأوقافه قال فيها: أشكر المسيح الذى تفضل بمعونته لى طوال 65 عاما، مدة خدمتى لهم بأمانة، منذ عام 1944.
وكان الأنبا ميخائيل مطران، هو الرئيس رقم ١٧ في تاريخ دير الأنبا مقار، والرابع في سلسلة الأساقفة ممن تولوا رئاسة رهبنة الدير، بعد الأنبا ياكوبوس مطران المنيا، والأنبا باسليوس مطران ابو تيج، الذى رسم أسقفا على الدير عام 1896، والأنبا إبرام، وخلال رئاسته للدير، قدم الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، عام 1981 خدمات مميزة بتكريس مكتبة القديس بولس الرسول بالدير، وهيكل السيدة العذراء.
وبعد مرور ثلاث سنوات؛ وفى 22 مارس 2012، بعد رحيل البابا شنودة، توجه رهبان الدير، يرجونه العودة، وعاد، ثم استقال من منصبه بشكل نهائي، وتولى من بعده الراحل الأنبا ابيفانيوس، رئيسًا للدير، من 10 مارس 2013، وفى نفس السنة بتاريخ 23 أغسطس.

رافض للسلطة الكنسية محب للبسطاء
واقترب الأنبا ميخائيل من الفقراء والبسطاء وكانوا فعليا ظهيره الشعبي وساندوه بمحبة جارفة ظهرت في أيام تعرضه لوعكات صحية فقد عاش وسطهم قرابة ٦٥عاما وعاصر أربعة بطاركة هم البابا يوساب والبابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث والذي كان أيام رسامته بطريركيا قائم مقام وأيضا تم اختياره رئيسا لدير أبومقار.
وفي واقعة نادرة اعتذر عن الاستمرار في رئاسته وعندما رحل البابا شنودة الثالث رفض أن يكون قائم مقام، وتنازل للأنبا باخوميوس، مطران البحيرة، وتم اختيار البابا تواضروس الثاني، وعاش بعدها الأنبا ميخائيل عامًا ونصف العام.
ورحل عن عمر ناهز الـ٩٣ عامًا؛ في ٢٣ نوفمبر عام ٢٠١٤، بعد حياة حافلة، ومسيرة عظيمة، اقترب فيها من الشعب، ورفض السلطة الكنسية، والتمييز بأنواعه، ونجح في الوصول إلى قلوب المصريين عامة، وأبناء أسيوط خاصةً، مسلمين وأقباط.