الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

من قتل رجل الموز؟ اغتيال رئيس هايتى يقود البلاد إلى الفوضى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع الاضطرابات الجديدة، التى تجتاح هايتي، بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويس، أمس، من الصعب تصديق أن الدولة الكاريبية الصغيرة، تمتعت بميلاد مجيد قبل ٢١٧ عامًا، عندما انتفض عبيدها ضد أسيادهم الاستعماريين الفرنسيين، وهزموا الفرنسيين، وأسست أول جمهورية سوداء في العالم، من الصعب تصديق أن ذلك الانتصار زرع بذور البؤس الحالي. ورفض الرئيس الأمريكى الأسبق، توماس جيفرسون، الاعتراف بالجمهورية الجديدة، خشية أن تكون انتفاضتها مصدر إلهام للعبيد في الولايات الجنوبية ليحذوا حذوها.
وطالبت فرنسا بتعويضات عن خسارة مستعمرة شديدة الخصوبة كانت تزود أوروبا بنصف القهوة والسكر، واستمرت في تلقى تلك التعويضات حتى عام ١٩٤٧. وعُرقلت هايتى اقتصاديًا منذ البداية، وبالتالى أصبحت تحكمها منذ ذلك الحين طغاة وديكتاتوريون ورؤساء مدى الحياة، وكلهم تقريبًا ينتمون إلى نخبة صغيرة ويهتمون فقط بإثراء أنفسهم في الوقت الذى تنهار فيه بلادهم من حولهم. ما قدمه المجتمع الدولى إلى هايتى وباء الكوليرا، الذى استوردته قوات حفظ السلام النيبالية التابعة للأمم المتحدة، والذى تسبب في وفاة ٩٠٠٠ آخرين في الأشهر التى أعقبت الزلزال الذى دمر البلاد.
وصول آخر غير مرحب به من الخارج هو إعصار ماثيو، وهو عاصفة من الفئة الخامسة التى قتلت مئات الهايتيين وتسببت في أضرار بمليارات الدولارات عام ٢٠١٦.
هاييتي، التى كانت ذات يوم الجوهرة الخصبة في تاج الإمبراطورية الفرنسية، هى اليوم أفقر دولة في نصف الكرة الغربى - تعانى من سوء حكم، وتدمرها العصابات العنيفة وتفشى فيروس كورونا، وأزيلت غاباتها، ونسيها إلى حد كبير عالم به اهتمامات أخرى.
في الأحياء الفقيرة القذرة، عدد قليل من الهايتيين كانوا يشعرون بحزن على موت مويس. لقد اعتبروه مجرد شخص آخر في سلسلة لا نهاية لها من السياسيين الفاسدين الذين يرفضون التنازل عن السلطة.
مهما كانت الفوضى في الأيام المقبلة، فإن الناس الذين ليس لديهم ما يخسرونه، من خلال قرنين من التجربة المريرة تعلموا أنه لن يكون أى من خلفاء مويس المحتملين أفضل، لن يحدث أى منهم أى فرق.
أدى اغتيال الرئيس الهايتى جوفينيل مويس إلى تعريض البلاد لخطر الفوضى. ويشكل ذلك تهديدًا إنسانيًا فوريًا لملايين الهايتيين وتحديًا دبلوماسيًا وأمنيًا بنفس القدر للولايات المتحدة والمنظمات الدولية الكبرى.
وهناك حاجة إلى التدخل السريع فقد تولى مويس منصبه عام ٢٠١٧ وحكم بمرسوم على مدى العام ونصف العام الماضيين، مع حل معظم البرلمان وتعيين أعضاء مجلس النواب الخاص به كرؤساء بلديات ليحلوا محل المنتخبين في جميع أنحاء البلاد. وكان مستبدًا حرض على انزلاق البلاد إلى الفوضى وحرب العصابات والاختطاف العشوائى والإفلات من العقاب. حتى قبل أن يقتله مسلحون مجهولون في منزله في وقت مبكر من يوم الأربعاء، اشتدت احتجاجات المعارضة، إلى جانب العنف في الشوارع، وكانت هناك مخاوف مبررة من أن هايتى على شفا الفوضى.
ومن المرجح أن يؤدى موته إلى فراغ في السلطة من شأنه أن يؤدى فقط إلى تسريع دوامة الفوضى في غياب أى من شاغلى المناصب الحاليين المنتخبين تقريبًا ممن لديهم مطالب بالشرعية السياسية. وحتى رئيس الوزراء المؤقت، كلود جوزيف، الذى تولى منصبه لمدة ثلاثة أشهر فقط، كان على وشك أن يحل محله جراح أعصاب غامض رشحه مويس في اليوم السابق لقتله. ببساطة، لا يوجد أحد لديه أى سلطة حقيقية في منصب لإدارة البلاد.
تأكيد جوزيف، الأربعاء الماضي، أن الشرطة والجيش الهايتيين سيحافظان على النظام، الذين ثبت أنهم عاجزون أو متواطئون في مواجهة الفوضى المتزايدة، لم يكن مطمئنًا. تحتاج البلاد الآن إلى انتخابات لإنتاج حكومة يُنظر إليها على أنها شرعية في نظر معظم الهايتيين.
الحقيقة الصعبة، في هذه المرحلة، هى أن تنظيمهم وضمان الأمن من خلال حملة واقتراع، مع عدم وجود أى مسئول، قد يكون مستحيلًا. لمنع الانهيار الذى قد يكون له عواقب وخيمة، يجب على الولايات المتحدة والأطراف المؤثرة الأخرى- بما في ذلك فرنسا وكندا ومنظمة الدول الأمريكية- الضغط من أجل قوة حفظ سلام دولية، ربما تنظمها الأمم المتحدة، والتى يمكن أن توفر الأمن اللازم لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هذا العام كما هو مخطط لها.
هناك سابقة حديثة لمثل هذه القوة- بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي، التى قامت قواتها ذات الخوذات الزرقاء بدوريات في هايتى لمدة ١٣ عامًا قبل مغادرتها عام ٢٠١٧.
وكانت تلك المهمة، التى شاركت فيها قوات من البرازيل وأوروجواى ودول أخرى، بعيدة كل البعد من الكمال. أدخلت قوات الأمم المتحدة من نيبال وباء الكوليرا الحاد في هايتي، وأنجب آخرون مئات الأطفال الذين ولدوا لنساء وفتيات محليات فقيرات. كانت هناك مزاعم ذات مصداقية عن الاغتصاب والاعتداء الجنسى من قبل القوات.
ومع ذلك، نجحت قوة الأمم المتحدة في تحقيق قدر ضئيل من الاستقرار في هايتى في أعقاب انتفاضة عام ٢٠٠٤ التى أطاحت بالرئيس جان برتران أريستيد. في هذه اللحظة المحفوفة بالمخاطر، قد يكون قدر ضئيل من الاستقرار أفضل من معظم السيناريوهات الأخرى.
كانت رئاسة جوفينيل مويس مرهقة وصعبة بل حتى قبل توليه منصبه، كان عليه أن يقاوم الاتهامات بأنه، بصفته مُصدِّر موز غير معروف فعليًا، فهو دمية منتقاة بعناية للرئيس السابق، ميشيل ج.
قال مويس لصحيفة نيويورك تايمز عام ٢٠١٦، بعد فترة وجيزة من فوزه في الانتخابات، في محاولة لدحض الاتهامات: «جوفينيل هو رجله الخاص». ووعد بإظهار النتائج في غضون ستة أشهر في منصبه. وبعد أكثر من أربع سنوات في المنصب قتل في منزله فجر الأربعاء عن عمر يناهز ٥٣ عاما. ترك زوجة وثلاثة أطفال.
وفى عامه الأخير في المنصب، مع تزايد الاحتجاجات ضده ورفضه التنحي، كان عليه أن يدافع عن نفسه بطرق أخرى: «أنا لست ديكتاتورًا»، قال لصحيفة التايمز في وقت سابق من هذا العام.
عندما ظهر كمرشح رئيسى في عام ٢٠١٥، لم يسمع عنه سوى قلة من الناس أطلقوا عليه لقب «رجل الموز». فاز بأغلبية الأصوات في ميدان مزدحم حيث كلف القليل من الناس أنفسهم عناء الإدلاء بأصواتهم.
وكما اتُهم باستخدام عصابات عنيفة قوية لقمع المعارضة السياسية. قالت دراسة أجرتها عيادة حقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق بجامعة هارفارد: «إن تورط العديد من مسئولى إدارة مويس وضباط الشرطة في التخطيط للهجمات وتنفيذها يشير إلى سياسة الدولة لمهاجمة المدنيين».
في نزاع حول موعد انتهاء ولايته، رفض التنحى وحكم بمرسوم حيث انتهت مدة كل مسئول منتخب تقريبًا في البلاد ولم يتم إجراء أى انتخابات. لقد حاول الدفع من خلال دستور جديد من شأنه أن يمنح مكتبه مزيدًا من السلطة والقدرة على تأمين المزيد من فترات الرئاسة.
جيمس موريل، مدير مشروع هايتى للديمقراطية، وهى مجموعة شكلها سفراء سابقون للولايات المتحدة يراقبون الانتخابات في هايتي، اختلف مع أولئك الذين يعتقدون أن مويس بقى في السلطة بشكل غير قانوني. واتهم الولايات المتحدة والمجتمع الدولى «بسحب البساط» من تحته من خلال سحب قوات الأمم المتحدة التى كانت توفر الحماية.
وقال موريل: «كانت المعارضة تطلق النار عليه منذ البداية تقريبًا». وأضاف: حتى منتقديه يتفقون على أن مويس استخدم سلطته لمحاولة إنهاء الاحتكارات التى قدمت عقودًا مربحة للنخبة القوية.
لكن آخرين رأوا حملته الصليبية على أنها منافقة، لأنه عندما حاربهم، أصبح هو نفسه واحدًا منهم.