الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بين البوركيني والفستان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بمناسبة واقعتي فتاة الفستان وفتاة البوركيني، تذكرت واقعة تعرضت لها عند مشاركتي في جنازة أحد الأقارب وكانت في محافظة ساحلية قريبة من القاهرة. فوجئت بعد صلاة الجنازة بسيدة منقّبة تقتحمني دون سابق معرفة، وتشير بيدها إلى الطرحة فوق رأسي تكاد تلمسها، مبدية ضيقا وضجرا وكأنني آذيتها أو اعتديت عليها كما فعلت هي، وأمرتني قائلة: "شدي الطرحة، شعرك باين!". وباغتتني سيدة أخرى تمشي في ركبها ووضعت يدها على رقبتي دون استئذان وشدت طرف الطرحة وجذبتها إلى كتفيّ، ورفعت إصبعها في وجهي: "استري نفسك هو أنت مش مسلمة وإلا إيه؟!". هرولت لأبتعد عنهما لشعوري بأني وقعت في كمين، لكن حاصرتني سيدة ثالثة كدت أن أتعثر في ذيل ثوبها الأسود الأغبر، وتلهيت بالبحث عن حذائي لتفاديها ثم انطلقت مسرعة كالسهم للنجاة من هذه المصيدة وألحق بالجنازة وهي متجهة للمقابر. ومع ذلك لاحقني تعليق من صوت لم أميّزه يلومني على التأفّف "لأن السيدات عملهن دعوي ويشجّعن على التقوى والالتزام".
لاشك أن هذه المواقف أصبحت متكررة ونستمع لروايات مماثلة من نساء وحتى رجال يشتكون من تنمّر أشخاص بهم داخل المساجد أو من يزعمون أنهم أئمة ودعاة في المساجد بينما ينشرون أفكارا متطرفة، مثل عدم المعايدة على المسيحيين في أعيادهم أو حرية الزواج بأكثر من امرأة مادام الرجل ميسور الحال، وغيرها من الأفكار التي تقال على المنابر ويلبسونها رداء الدين والدين منهم براء. ويتحول هؤلاء الذين يزرعون الفتنة ويفرّقون شمل العائلات إلى "دعاة" للفضيلة وتقويم سلوك المسلمين، بينما يكشف بعد ذلك عن علاقتهم بتنظيمات إرهابية وتسفير الشباب تحت مزاعم الجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام!
هذه قصص حقيقية لبعض الأشخاص الذين ارتبطت أسماؤهم بالعمل الدعوي. ولكن ما معنى العمل الدعوي؟ هذا منطق البعض الذين يعتبرون المجتمع "دار كفار" يحتاجون لمن يهديهم إلى طريق الإيمان. وكل تلك الممارسات تتم تحت شعار براق مغر ومخادع وهو الجهاد فى سبيل الله. يختص بعضهم بالجهاد بالأسلحة والقتل وآخرون للجهاد "السلمي" بغسل الأدمغة. ولا فرق بينهما في الغايات!
الطالبة في الفرقة الثانية بكلية الآداب جامعة طنطا سألها المراقب عن دينها وعما إذا كانت مسيحية وتنمّرت عليها المراقبة في الامتحان ساخرة بأنها "نسيت تلبس بنطلونها". وفتاة البوركيني التي حكت وهي تبكي عن واقعة منع الفتيات من ارتداء المايوه الشرعي والتنمر بهن فى بعض الشواطئ والنوادى. وعلى عكس ما جرّته النقاشات حول الواقعتين من اختلافات في وجهات النظر، إلا أنهما وجهين لمشكلة واحدة لا يمكن فصلها عن السياق العام للمجتمع؛ فانزلاق المجتمع لهذه المعركة المدبّرة بعناية من الجماعات المتطرفة المتأسلمة يخدم الأهداف السياسية لهذه الجماعات التي تستخدم الدين كمطيّة لتنفيذ خطط المرشد والتنظيم للوصول لمفاصل الدولة وإقامة الخلافة.
غالبية المصريين وحتى المسؤولين لديهم قناعة راسخة الآن بأن جماعة الإخوان والتنظيمات التي فرّختها ومن عُدَّ فيهم وتأشَّب إليهم قد حفروا قبورهم في مصر إلى غير رجعة منذ 30 يونيو 2013 عندما انكشف وجههم الحقيقي بعد أن كانوا يتخفون تحت برقع كثيف من الكذب والمراوغات. لكنّ الدروس المستفادة من تاريخهم علمتنا أنهم دائما يقبعون في "الردّة".. والردّة هي نخالة الخبز البلدي التي تبقى بعد غربلة طحين الحبوب، كناية عن سهولة التخفّي في بيئة يصعب فيها التمييز بين قشور الحبوب وبين الجراثيم سريعة النمو عادة ما تعرضها للتلف والفساد السريع.
نعم البقاء دائما للأوطان وليس للمشاريع الرابضة في "ردّة العيش" على أهبة الاستعداد للانقضاض على الكرسي، لكن محاولات إحياء المشروع الإخواني لن تستسلم للهزيمة، ليس فقط لأن ذلك هدفهم منذ عام 1928 وإنما أيضا لكون هدفهم في الوصول للحكم متداخل المصالح محليا واقليميا ودوليا، ناهيك عما فرّخته الجماعة من تنظيمات إرهابية مدرّبة على السلاح وحروب العصابات وزعامات دعوية للجهاد من داخل المساجد والزوايا والجامعات والمصانع والقطارات والنوادي، ويحظى بعضها بدعم لوجستي من دول ومخابرات خارجية، إضافة إلى الدعم بالمال والسلاح ووسائط الإعلام.
لذلك، من الضروري اليقظة والتنبه بأنهم موجودون "كالردة في العيش" ويسعون دائما لجر المجتمع لهذه المعارك المغلوطة ظاهرها التديّن وباطنها التفرقة، يفصّلون الدين على مقاسهم لبلوغ غاياتهم؛ وكم سُفكت من دماء باسم الدين ودُمّرت أوطان وقُسّمت مجتمعات وتحوّلت فئات ضالة جاهلة إلى أئمة يجنّدون الشباب لخدمة أعداء الشعوب، وأعداء السّلام والمحبّة، وأعداء الله والإنسانيّة!
olfa@aucegypt.edu