الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الهروب إلى السد".. إثيوبيا فى مفترق طرق وآبي أحمد على حافة الهاوية.. خبراء: التصريحات الإثيوبية عن "ضرب السد" موجهة للداخل وليس للقاهرة.. مصر والسودان لن يغرقا في حالة "ضرب السد"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت إثيوبيا الاسبوع الماضي أحداثا ساخنة، وأزمات متلاحقة، استوجبت غضبا دوليا عارما، على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي ضاق عليه الخناق، بسبب أزمات الداخل والتفكك والانهيار الذي تبدو عليه دولته، بسبب حرب الإبادة التي يشنها ضد قومية التيجراي، إلى جانب النزاعات القبلية، والاشتباكات على أساس عرقي، في مناطق متفرقة من البلاد، إلى جانب التنديد الدولي بالممارسات التي انتهجتها السلطة الحاكمة تجاه المعارضة، قبل وأثناء الانتخابات العامة، ناهيك عن أزمتي الفشقة والسد الإثيوبي.
ويتوقع مراقبون استمرار آبي أحمد، على رأس السلطة في بلاده، وهو أمر لن يكون مفاجئًا في ظل الإجراءات التي انتهجها، قبل إجراء انتخابات يونيو ٢٠٢١، والتي كان أولها؛ تأجيلها ٣ مرات، ولم تنتهْ بمنع أحزاب المعارضة من الدعاية لنفسها، في عدد من الولايات.

وأصبحت إثيوبيا في مفترق طرق، في ظل الأزمات الخارجية والصراعات والحروب الداخلية، التي تموج بها البلد الواقع في القرن الأفريقي، ويواجه نظام الحكم الإثيوبي غضبًا دوليًا عارمًا، بعد تصاعد العنف ضد عرقية التيجراي، إلى جانب استهداف أفراد الإغاثة الإنسانية.

وكان الأسبوع الماضي مليئًا بالأحداث الجسام في إثيوبيا؛ حيث كشف آبي أحمد للمرة الأولى عن وجود خلافات مع الجيش الإريتري، الذي اشترك في الحملة العسكرية، والإبادة الجماعية بإقليم التيجراي، منذ نوفمبر الماضي.

وقال آبي أحمد، بعد تصويته في الانتخابات العامة، إن بلاده لن تدفع بالإريتريين إلى الخارج، لكنها تعمل معهم من أجل "إنهاء القضايا سلميًا"، في إشارة إلى رفض إريتريا سحب قواتها من إقليم التيجراي، الذي يشهد أزمة إنسانية مروعة، بسبب التطهير العرقي والجرائم الجنسية والاغتصاب.

وقتل أكثر من ٦٠ مدنيًا، وأصيب ١٨٠ آخرين، خلال غارة جوية شنها الجيش الإثيوبي، على سوق تجاري في ميكيلي، عاصمة إقليم التيجراي، في اليوم التالي للانتخابات الإثيوبية، التي جرت في ٢١ يونيو ٢٠٢١، وأصدرت عدة منظمات ودول بيانات شجب وإدانة، للغارة التي اعترف الجيش الإثيوبي بارتكابها.

وبعد المذبحة التي ارتكبها الجيش الإثيوبي في التيجراي، أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد؛ تهديدا ضد السودان، بسبب محاولاتها استرداد أرضها المحتلة من الميليشيات والعصابات الإثيوبية، في منطقة الفشقة، والتي بدأ الجيش السوداني في استعادتها، منذ نوفمبر الماضي، لينهي احتلالا استمر أكثر من نصف قرن.


وقال آبي أحمد، خلال لقاء بالتليفزيون الإثيوبي، إنه "لا يمكن للسودان ولا لأي دولة، أن تحتل بشكل غير قانوني قطعة أرض إثيوبية، دون أن يتم الرد عليها، والسودانيون يعرفون ذلك ونحن نعرفه"، ويدعي آبي أحمد أن منطقة الفشقة، هي أرض إثيوبية، على الرغم من توقيع اتفاقية بين البلدين، في ١٩٠٢، لترسيم الحدود بينهما، ووقعت الفشقة في حدود السودان.

ويوم الخميس الماضي؛ قتل ٣ موظفين إغاثة، تابعين لمنظمة "أطباء بلا حدود" الخيرية، وقالت المنظمة في بيانها، إن ما حدث هو "اغتيال وحشي"، وأوضحت أنه عثر على السيارة فارغة، بينما وجدت جثث القتلى الثلاثة، على بعد أمتار قليلة من السيارة".

وأضافت منظمة "أطباء بلا حدود"، في بيانها: "لقد كانوا هناك لمساعدة السكان، ولا يمكن تصور أنهم دفعوا حياتهم من أجل ذلك"، وأكدت عملها "بلا هوادة لفهم ما حدث".


في هذا السياق؛ قال الدكتور ناصر مأمون عيسى، مستشار الشئون الأفريقية في مركز "رع" للدراسات الإستراتيجية، إن آبي أحمد كان ينافس نفسه في الانتخابات الإثيوبية، خاصة بعد الإجراءات التي تسببت في انسحاب عدد من الأحزاب المعارضة من الانتخابات، إلى جانب خروج التيجراي من السباق الانتخابي، وتأجيل التصويت في الإقليم بسبب الحرب الدائرة فيه، منذ نوفمبر الماضي، إضافة إلى انسحاب معظم المنظمات الدولية، من مراقبة الانتخابات، عدا الاتحاد الأفريقي، الذي ينصاع غاليا للتعليمات الإثيوبية.

وأضاف مستشار الشئون الأفريقية في مركز "رع" للدراسات الإستراتيجية، لـ"البوابة"، إن قومية التيجراي من أقوى القوميات "عسكريًا" في إثيوبيا، وتنادي منذ فترة بالانفصال عن البلاد، إلى جانب قوميات أخرى، مثل بني شنقول والأورومو والأمهرة.

وأوضح "مأمون"، أن سياسات آبي أحمد، تجاه التيجراي، تؤكد أنهم ليسوا إثيوبيين، وإنما انتماؤهم إلى العرق أكثر من الدولة، خاصة وأن الجيش الإثيوبي يطلق عليه "أعداء الوطن"، وليسوا خارجين عن القانون، وتعرضوا لانتهاكات كبيرة؛ لافتًا إلى أن المقاومة في الإقليم الشمالي لإثيوبيا، تمكنت من السيطرة على مساحة كبيرة من الأرض، والوضع مرشح للتصعيد خلال الفترة المقبلة.

وأشار، إلى أن الأيام القليلة الماضية، شهدت مواجهات بين "التيجراي"، وجيش آبي أحمد، فر على إثرها جنود الجيش الإثيوبي من الإقليم، والوضع سيزداد سوءًا، خاصةً وأن الجيش الإريتري لم ولن يخرج، وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تأتي الضغوط الدولية على رئيس الوزراء الإثيوبي، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في التيجراي.

وتزامنت بيانات الإدانة لمذبحة التيجراي، مع إصدار ١٢ دولة والاتحاد الأوروبي، بيانا أكدت فيه أن الانتخابات الإثيوبية غير نزيهة بالمرة؛ موضحةً أن تحقيق الديمقراطية لا يقتصر على إجراء الانتخابات فقط، وإنما يمتد إلى إصلاحات أخرى، لا بد أن ينتهجها نظام آبي أحمد.

وهو ما نفس ما ذهبت إليه كبرى الأحزاب الإثيوبية المعارضة، التي أوضحت في بيان، السبت الماضي، أن السلطات اتبعت أسلوب الترهيب ضد الناخبين، إلى جانب التضييق على الحملات الدعائية لمنافسي حزب الازدهار الحاكم.

وبعد كل هذه الأحداث التي شهدتها إثيوبيا، اختتم الجنرال الأسبوع الماضي بتصريحات مفاجئة عن سد النهضة، الذي شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق، وترفض إبرام اتفاق عادل وملزم بشأن ملء وتشغيل السد، الذي يهدد شعبي مصر والسودان بالعطش.

وأعلن الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، أن "مصر لن تحاول مهاجمة السد، ولكن حتى لو هاجموه، فلن يستطيعوا حل المشكلة أو تدمير السد، لأنه لا يمكن تدميره بقنابل الطائرات المقاتلة، وهم يعرفون أن السد متين".

ويبدو من تسلسل أحداث الأسبوع الماضي، أن آبي أحمد يقفز من أزمة إلى كارثة، ومن هزيمة إلى مذبحة، وبيانات الإدانة تترى إلى أديس أبابا، ولا ملاذ له إلا التصعيد في أزمة السد، لصرف الأنظار عن أكبر أزمة تواجهه في الوقت الحالي، وهي الغضب الدولي من التطهير العرقي والإبادة الجماعية، التي يشنها على إقليم التيجراي.


وفي هذا السياق؛ قالت الدكتورة نجلاء مرعي، الخبيرة في الشئون الأفريقية، إن التصريحات الإثيوبية بشأن "ضرب السد"، هي مجرد تصريحات استفزازية، ودائما موجهة إلى الداخل، أكثر ما تكون موجهة إلى مصر، بأن السلطة قادرة على حماية السد.

وأضافت "مرعي"، لـ"البوابة نيوز"، أن هناك خطأ شائعا بشأن ضرب السد الإثيوبي، واستشهدت بأحداث الحرب العالمية الأولى "١٩١٤-١٩١٨"؛ حيث أوضحت أنه حينما كانت تضرب السدود، لم تكن "الخرسانة "أو البناء الإسمنتي هو المستهدف، وإنما "التوربينات" التي تولد الكهرباء هي الهدف الرئيسي من ضرب السدود؛ لافتة إلى أن من يدعي أن السودان ومصر سيغرقان بسبب ضرب السد الإثيوبي، هو كلام عار تمامًا من الصحة، حيث ستوجه إلى التوربينات، وهي الهدف الأساسي لإنشاء السد. وتابعت الخبيرة في الشئون الأفريقية: في الوقت نفسه، فإن مصر ملتزمة بمسار المفاوضات، للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم بشأن السد الإثيوبي، ونوهت إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعلن أن كل الخيارات مفتوحة، لحث المجتمع الدولي على الضغط في اتجاه إيجاد حل عادل وملزم، للأزمة المستمرة منذ نحو ١٠ سنوات.