الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

درجات علمية: ماجستير ودكتوراه ببلاش!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما كان عنوان المقال صادمًا ومؤلمًا فى الوقت نفسه، وربما يبعث على الحزن والأسى لما وصلت إليه أحوال جامعاتنا المصرية، خلال العقود الأخيرة، من تراجع بالمقارنة بالجامعات الأخرى فى الغرب وبعض الدول العربية، ومنها جامعات يهودية فى تل أبيب!
ربما هناك عوامل كثيرة مجتمعة هى التى أدت إلى تراجع أحوال الجامعات فى مصر وبعض الدول العربية وتزيلها قائمة أفضل الجامعات العالمية فى التقييمات المختلفة، إلا أن أبرز العوامل التى جعلت هناك عثرات فى طريق تقدمنا الجامعى هى رسائل الماجستير والدكتوراه التى تناقش بصورة يومية بشكل متعجل وبسرعة الصاروخ وتجد التهانى والتبريكات، عبر منصات التواصل الاجتماعى، مزينة بالصور والأفراح والليالى الملاح! وهذه السرعة فى مناقشات الرسائل دون فحص وتمحيص وتدقيق من قبل المشرفين على أو المناقشين هذه الرسائل، خاصة فى حقل العلوم الإنسانية، أدى إلى حالة الاستسهال والعشوائية فى منح الدرجات العلمية لكل من هب ودب!
وهناك نماذج أعرفها تناقش ٥ رسائل جامعية أو أكثر فى أسبوع الواحد فى محافظات مختلفة وربما فى دول مختلفة! فمن أين يأتى بالوقت لقراءة هذه الأطروحات، والتى شابها عدم الدقة المنهجية والأصالة العلمية المطلوب والمفتقدة فى معظم هذه الرسائل، بل افتقدت القدرة على الإبداع المنتظر من الباحثين! وتكون النتيجة دوما سالبة، وسرعة فى إنجاز رسائل، يكون بعضها عبارة عن قص ولصق من رسائل أخرى عربية وأجنبية، فضلا عن اقتباس صفحات كاملة وليس عبارات محددة، وربما قص ولصق فصول؛ لكى تضاف إلى الرسالة المقدمة إلى الجامعات، والتى بدورها تمضى بلا توقف فى منح الدرجات العلمية وفق آلية بيروقراطية عفنة ومملة وسمجة، ونالها منذ القدم العطب والفساد والمحسوبية والمجاملات، شأنها فى ذلك شأن مؤسسات أخرى فى مجتمعاتنا العربية!
وهو ما جعل هناك العديد ممن هم يحملون درجات علمية، مثل أستاذ مساعد أو أستاذ لا يرقى ما لديهما من إمكانية التفكير العلمى والعمق المعرفى والانضباط المنهجى اللازم توافره فيهما، فضلا عن الضبط الأخلاقى والسلوكى!
هذا فضلا عن تعيين أبناء الأساتذة بالجامعات وتيسير حصولهم على درجات علمية متقدمة بسهولة، ربما لا يستحقونها بأى حال من الأحوال، ثم إعطائهم مناصب جامعية تزيد من تدهور حال الجامعة نتيجة طغيان الفساد والمحسوبية بها!
ومن ثم فلا طائل من وراء انتظار خريج جامعى حاصل على الماجستير والدكتوراه يكون بحق باحث جاد يرتقى بوظيفة البحث العلمى، والتى من أبرزها جمع المتفرق وإبداع الجديد ومواصلة تحقيق نتائج جديدة استنادا على أبحاث سابقة، وتعيين المبهم وتجلية الغامض وتبين الخاطئ ونقد السائد.. إلخ.
ويضاف إلى ذلك انتشار مكاتب إعداد رسائل الدكتوراه والماجستير تحت أعين وبصر العاملين فى التعليم العالى من أساتذة جامعيين وموظفين بالرقابة والمتابعة، وهناك أساتذة كبار يفتحون مكاتب خاصة لإعداد الرسائل للجامعية للطلاب المصريين والعرب فى وضح النهار ثم يناقشونها فى الليل! وهم أنفسهم أبناء هذا المسار المعوج الذى تسير عليه منظومة الرسائل الجامعية فى بلادنا!
أعتقد أن مثل هذه الرسائل بمثابة عثرات فى طريق العلم وبناء التفكير المنضبط والعلمى للمواطنين فى بلادنا، وهى أيضا مثل البناء غير الآدمى وغير الصالح للسكن الإنسانى والإقامة فيه، بل أصبح مثل النبات الأصفر، الذى لا يرجى منه أى ثمر فى كل الأحوال!
أعتقد أنه لا بد من قيام المجلس الأعلى للجامعات بوضع ضوابط صارمة وحازمة على مناقشة الرسائل العلمية وغن يتم إجازتها غولا من لجنة علمية متخصصة مشهود لها، ويتم اختيارها بكل حيادية من قبل المجلس، قبل أن يتم تحديد موعد لمناقشة الرسالة ولا بد من التشديد على وجود أصالة علمية ومراجع حديثة عربية وأجنبية بالرسالة وأن تكون فيها إضافة للبحث العلمى وليس مجرد بحث للحصول على درجة علمية فقط، وألا يتم مناقشة الرسالة إلا قبل مرور ثلاث سنوات على الأقل للماجستير وأربع للدكتوراه، وأن يتم إقرار عمل أبحاث أخرى بعد المناقشة الفعلية للرسالة، حتى يحصل الباحث على الدرجة العلمية عن جدارة واستحقاق، وأن تتم إعادة مناقشة الرسالة مرات ومرات فى حالة عدم صلاحيتها للمناقشة، وإذا فعلنا هذا سيتغير الوضع للأفضل وسوف تصبح درجات الماجستير والدكتوراه لها قيمتها وانعكاساتها على الوضع العلمى الجامعى وممارساتها فى الحياة فيما بعد!