الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

درجات علمية.. ماجستير ودكتوراه ببلاش!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما كان عنوان المقال صادمًا ومؤلمًا في الوقت نفسه، وربما يبعث على الحزن والأسى لما وصلت إليه أحوال جامعاتنا المصرية خلال العقود الأخيرة من تراجع بالمقارنة بالجامعات الأخرى في الغرب وبعض الدول العربية ومنها جامعات يهودية في تل أبيب!
ربما هناك عوامل كثيرة مجتمعة هي التي أدت إلى تراجع أحوال الجامعات في مصر، وبعض الدول العربية، وتزيُّلها قائمة أفضل الجامعات العالمية في التقييمات المختلفة، إلا أن أبرز العوامل التي جعلت هناك عثرات في طريق تقدمنا الجامعي هي رسائل الماجستير والدكتوراه التي تُناقَش بصورة يومية بشكل متعجل وبسرعة الصاروخ وتجد التهاني والتبريكات عبر منصات التواصل الاجتماعي مزينة بالصور والأفراح والليالي الملاح! وهذه السرعة في مناقشات الرسائل دون فحص وتمحيص وتدقيق من قِبل المُشرفين أو المناقشين على هذه الرسائل خاصة في حقل العلوم الإنسانية، أدى إلى حالة الاستسهال والعشوائية في منح الدرجات العلمية لكل من هَبَّ ودبَّ!
وهناك نماذج أعرفها تناقش ٥ رسائل جامعية أو أكثر في الأسبوع الواحد في محافظات مختلفة، وربما في دول مختلفة، فمن أين يأتي بالوقت لقراءة هذه الأطروحات، والتي شابها عدم الدقة المنهجية والأصالة العلمية المطلوبة والمفتقدة في معظم هذه الرسائل، بل افتقدت القدرة على الإبداع المنتظر من الباحثين؟! وتكون النتيجة دومًا سالبة، وسرعة في إنجاز رسائل يكون بعضها عبارة عن قص ولصق من رسائل أخرى عربية وأجنبية، فضلًا عن اقتباس صفحات كاملة وليس عبارات محددة وربما قص ولصق فصول لكي تضاف إلى الرسالة المقدمة إلى الجامعات والتي بدورها تمضي بلا توقف في منح الدرجات العلمية ما يؤدي إلى بيروقراطية عفنة ومملة وسمجة، ونالها منذ القدم العطب والفساد والمحسوبية والمجاملات، شأنها في ذلك شأن مؤسسات أخرى في مجتمعاتنا العربية!
وهو ما جعل هناك العديد ممن هم يحملون درجات علمية مثل أستاذ مساعد أو أستاذ لا يرقى ما لديهم من إمكانية التفكير العلمي والعمق المعرفي والانضباط المنهجي اللازم توافره فيهم، فضلا عن الضبط الأخلاقي والسلوكي!
هذا فضلا عن تعيين أبناء الأساتذة بالجامعات، وتيسير حصولهم على درجات علمية متقدمة بسهولة، ربما لا يستحقونها بأي حال من الأحوال، ثم إعطاؤهم مناصب جامعية تزيد من تدهور حال الجامعة نتيجة طغيان الفساد والمحسوبية بها.
ومن ثم فلا طائل من وراء انتظار خريج جامعي حاصل على الماجستير والدكتوراه يكون بحق باحثا جادا يرتقي بوظيفة البحث العلمي؛ والتي من أبرزها جمع المتفرق، وإبداع الجديد، ومواصلة تحقيق نتائج جديدة، استنادًا إلى أبحاث سابقة، وتعيين المبهم، وتجلية الغامض، وتبيين الخاطئ، ونقد السائد ... إلخ.
ويضاف إلى ذلك انتشار مكاتب إعداد رسائل الدكتوراه والماجستير تحت أعين وبصر العاملين في التعليم العالي من أساتذة جامعيين وموظفين بالرقابة والمتابعة، وهناك أساتذة كبار يفتحون مكاتب خاصة لإعداد الرسائل الجامعية للطلاب المصريين والعرب في وضح النهار ثم يناقشونها في الليل. وهم أنفسهم أبناء هذا المسار المعوج الذي تسير عليه منظومة الرسائل الجامعية في بلادنا!
أعتقد أن مثل هذه الرسائل بمثابة عثرات في طريق العلم وبناء التفكير المنضبط والعلمي للمواطنين في بلادنا، وهي أيضًا مثل البناء غير الآدمي وغير الصالح للسكن الإنساني والإقامة فيه، بل أصبح مثل النبات الأصفر والذي لا يرجى منه أي ثمر في كل الأحوال!!
أعتقد أنه لابد من قيام المجلس الأعلى للجامعات بوضع ضوابط صارمة وحازمة على مناقشة الرسائل العلمية، وأن تُجاز أولًا من لجنة علمية متخصصة مشهود لها، وتُختار بكل حيادية من قِبل المجلس، قبل أن يُحدد موعد لمناقشة الرسالة، ولابد من التشديد على وجود أصالة علمية ومراجع حديثة عربية وأجنبية بالرسالة، وأن يكون فيها إضافة للبحث العلمي، وليس مجرد بحث للحصول على درجة علمية فقط،  وألا تُناقش الرسالة قبل مرور ثلاث سنوات على الأقل للماجستير وأربعة للدكتوراه، وأن يُقر عمل أبحاث أخرى بعد المناقشة الفعلية للرسالة حتى يحصل الباحث على الدرجة العلمية عن جدارة واستحقاق، وأن تجرى إعادة مناقشة الرسالة مرات ومرات في حالة عدم صلاحيتها للمناقشة، وإذا فعلنا هذا سيتغير الوضع للأفضل، وسوف تصبح درجات الماجستير والدكتوراه لها قيمتها وانعكاساتها على الوضع العلمي الجامعي وممارساتها في الحياة فيما بعد!