الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

منير أديب يكتب: سياسة مصر الخارجية

منير أديب
منير أديب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نجحت مصر في كل الملفات التي خاضتها خارجيًا، وفي مقدمة هذه الملفات التي نجحت فيها ملف سد النهضة، رغم وصول الصراع المصري الإثيوبي لذروته؛ إلا أن القاهرة نجحت في هذا الملف ويمكن قراءته من زاويتين.
الزاوية الأولى، أنها نجحت في إدارة الصراع مع دولة عنيدة تلقى دعم ومساندة من دول لا تريد الخير لمصر، وفي نفس الوقت رسمت مصر خطواتها للتعامل مع أزمة السد خلال عقد كامل من التفاوض، بحيث تصل مصر إلى نتيجة مهمة عملت ومازالت تعمل لها ومن أجلها، ألا وهو لا ضرر بأمن مصر المائي، سير مصر في كل طرق الحال السياسي والدبلوماسي يعطيها قوة أمام المجتمع الدولي، أو يعزز فرص توجيه عملية نوعية محدودة ضد السد قد تخرجه من العمل وتعيد إثيوبيا إلى طاولة المفاوضات، وهو بمثابة نجاح لمصر في التعامل مع كل تعقيدات الصراع الإثيوبي الذي يريد أن ينفرد بمياه نهر النيل.


إدارة مصر ملفاتها الخارجية بحكمة وحنكة، وأثبتت الأيام والأحداث صدق الرؤية المصرية إزاء القضايا والملفات العربية والدولية، وهو ما أهلها لإدارة منطقة الشرق الأوسط، من واقع حجمها وثقلها في المنطقة، ومن واقع قوة الدبلوماسية المصرية ذات البعد الإستراتيجي في التعامل مع الملفات المطروحة.
تحسبت الولايات المتحدة الأمريكية عند خروجها من منطقة الشرق الأوسط بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض لشكل وطبيعة المنطقة العربية، تخوف الإدارة الأمريكية كان مرتبط بفوضى متوقعة قد تسود هذه المنطقة، وهنا كان الأداء المصري في سد الفراغ الأمريكي، وهنا اعتمدت واشنطن على مصر في إدارة هذه المنطقة شديدة التعقيد والمليئة بالصراعات السياسية والعسكرية.


من أهم الملفات التي نجحت مصر في إدارتها، ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبخاصة بعد تصاعد حرب الإحدى عشر يومًا، نجحت مصر في إبرام إتفاق رغم عدم وجود مؤشرات لتقارب في وجهات النظر، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي للتنسيق مع مصر من أجل إتمام هذا الإتفاق، وهو ما دفع مصر لتقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس، وإنهاء الإحتراب الداخلي، رغم صعوبة الملف، فالطموح المصري يرتقي إلى الوصول إلى هدف إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وإتاحة فرصة لسلام طويل الأمد بين الجانبين.


نجحت مصر في ملفات كثيرة ولعل أهمها الملف الليبي، الذي عانى ومازال تعقيدًا سواء من حالة الصراع والإحتراب الداخلي بين المكونات الليبية أو من خلال التدخلات الخارجية، وهنا نقصد التدخل التركي من خلال مقاتلين مرتزقة، نجحت مصر في وقف هذا النزيف والوصول إلى حكومة توافق ومجلس رئاسي، تمهيدًا إلى إجراء انتخابات تخلق حالة من الاستقرار في المشهد الليبي بعد أن غاب عنه قبل أكثر من 10 سنوات كاملة.
الموقف المصري مما يحدث في سوريا كان واضحًا منذ اللحظة الأولى، فمصر 30 يونيو رفضت أي تقسم وأي تهديد لأمن سوريا، بل وذهبت إلى أن الأحداث في دمشق قد تنعكس على حالة الأمن في المنطقة بأكملها، تركز الهدف المصري في الحفاظ على سوريا كدولة قوية مستقلة بعيدًا عن استقطاب جماعات العنف والتطرف، التي اختطفت مدينة الرقة، التي باتت عاصمة لدولة "داعش" مدة خمس سنوات كاملة.
لا شك أن الوضع في اليمن يمثل خطوره على أمن المنطقة، بعد انقلاب الحركة الحوثية على الشرعية اليمنية، وأصبحت صنعاء عاصمة إيران الجديدة في المنطقة، وبدأت من خلالها في تسديد طعنات في ظهر الأمة العربية، واستخدامها كخنجر لتهديد أمن الخليج، اختارت مصر ألا تنخرط في حرب مباشرة مع إيران، رغم أنها كانت ومازالت ترى التهديد الذي تمثله هذه الحركة، حاولت تقريب وجهات النظر والوصول لإتفاق لم يتحقق، ولكنه كان الخيار الأهم والأفضل بين كل الخيارات التي طرحت منذ بداية الانقلاب.
الإنسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط قد يهدد أمن المنطقة العربية، خاصة مع وجود مشاريع أخرى منافسة، وقد تمثل تهديدًا في بعض حالاتها مثل المشروع الإيراني والتركي والإسرائيلي، ورغم ذلك كانت مصر هي الحاضر الأول في كل الملفات العربية، فبتدخلها أنهت صراعات في ليبيا وقربت وجهات النظر بين أطراف متصارعة وأنهت حرب كادت أن تطول بين إسرائيل وفلسطين.
واجهت مصر صعوبات كثيرة وتحديات أكبر بعد ثورة 30 يونيو 2013 وخصومة من قبل تركيا وقطر، إلا أن القاهرة نجحت في الخطر، وعزلت هذا الخطر عنها، وباتت أقوى مما توقعه غيرها، وأكثر تأثيرًا، وهو ما دفع تركيا لطلب الود السياسي والدبلوماسي والأمن، ودفع الدوحة لإنهاء مشكلاتها مع القاهرة وبدأ صفحة جديدة، كل هذه الحوادث تؤكد قوة الدبلوماسية المصرية وقوة مصر الدولة التي بات دورها محوري ومؤثر في السياسات الدولية، فأمريكا تراجعها في بعض المواقف وروسيا تخطب ودها وتسعى لإقامة علاقات معها.