الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النعمة والنقمة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خيرا فعل كاتبنا الكبير صلاح منتصر عندما يذكّر في أحد مقالاته الرجال بنعمة النساء قائلا: "حينما ولدت كنت في رحم امرأة، وحينما مرضت كنت في حضن امرأة، وحين أحببت كنت في قلب امرأة... فهل عرفت نعمة المرأة؟".
للأسف لا يبدو أن الجميع عرفوا هذه النعمة... لعل القصّة التي تابعها الرأي العام منذ أيام تعكس ذلك، حيث ترك الرجل زوجته وتزوج بثانية بعد نحو عقدين كاملين كان مسافرا خلالهما للعمل بالخارج يبني مستقبله و يراكم أرصدته في البنوك بينما أحالت زوجته طموحاتها الشخصية جانبا و ساندت زوجها وجسدت خير معنى للزوجة النعمة و انكفأت على تربية أطفالها الثلاثة و كل أملها في الحياة أن تربيهم تربية صالحة وتعلّمهم أحسن تعليم وتعوضهم عن غياب والدهم.
و كان مصيرها الجحود ونكران الجميل و انقلب عليها كأبشع ما تكون النقمة، حيث لم يكتف بزواجه بل كتب أيضا ممتلكاته باسم الزوجة الثانية. اضطرت الزوجة لطلب الطلاق فرفض تطليقها، ثم ساومها للتنازل عن حقوقها الشرعية، من ذلك مؤخر الصداق، وأجبرها على ترك منزلها مع أبنائها.
ورغم أن محكمة الأسرة أنصفتها وقضت لصالحها بمبلغ مليون جنيه و 100 ألف نفقة عدة و متعة و تعويضًا عن الأذى المادي والمعنوي الذي تعرضت له مع أولادها إلا أن كثيرا من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي لم تنصفها، بل تحدثت عن حق الرجل شرعا في تعدد الزوجات مستشهدين بالقرآن في غير محله، ثم ترويج ادّعاء منزوع الأخلاق بأن ما جمعه في سنوات العمل هو نتيجة جهده و تعبه وهو حر فيه؛ فما هذا الظلم والتجني على الزوجة والأم الفاضلة و كأنها كانت منشغلة بأربائه و ربائبه و ليس بأبنائهما!!
لماذا يصاب المجتمع بفقدان الذاكرة كلما طرحت قضية تعدد الزوجات... فيتناسى حجم الضرر الواقع على الزوجة و الأبناء، كما يتناسى البعض رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام و ما ذكره بصريح العبارة بشأن ابنته فاطمة عندما أراد زوجها عليّ بن أبي طالب الزواج بثانية. ما كان من الرسول إلا أن اعتلى المنبر وقال "إن بني فلان استأذنوني أن ينكحوا بنتهم عليا، ألا فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا إذا أراد علي أن يطلّق ابنتي ويتزوج منهم، فإن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، ويريبني ما يريبها".
زواج علي رضي الله عنه بأخرى ظلم لفاطمة وإهدار لكرامتها، لذلك قال الرسول إن ما يؤذيها يؤذيه ولن يسمح به.
فلماذا لا يتصرف المجتمع مع بناته أسوة بفاطمة ابنة سيد الخلق؟! ألا تكفي "لا" ثلاث مرات حتى يرفض معشر المسلمين ما رفضه رسولهم مع ابنته؟!
مرض فقدان الذاكرة يزول على الفور عندما يستشهد المجتمع مرارا وتكرارا بحق الزوج في " مثنى و ثلاث ورباع"؛ لكن المرض ينتابه من جديد وفي نفس اللحظة فيُهمل ذكر تعذّر العدل بين الزوجات الضرائر، كما ورد قوله عز وجل: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) (النساء: 3) ، وقوله عز وجل: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا ) (النساء: 129).
كما يهمل الكثيرون سياق آيات سورة النساء التي تتحدث عن ثلاث عناصر (النساء- اليتامى- النكاح). و الحقيقة أن السياق يوضح أنها ثلاث عناصر مرتبطة و مترابطة كليا في قضية واحدة هي قضية نكاح يتامى النساء، و استخدام نكاحهن كمطيّة لضمّ مالهن والطمع فيه لأكله ظلما وعدوانا. وهذا التخصيص أي يتامى النساء ورد في الآية 127 من سورة النساء. و أولى بالرجل أن يتقي الله ويتّقي الأرحام فيتزوّج بزوجة واحدة و يعدل فذلك هو الأصل!
ولعل من يدرس ويتروّى في حقب الازدهار التي شهدتها العديد من الحضارات يكتشف أنها تقترن غالباً بإعطاء الحقوق للنساء وإعلاء شأن الإنسان بشكل عام دون تفرقة بين رجال و نساء؛ ومن هنا فإن التلازم بين الازدهار والتطور وحقوق المرأة ينعكس على الحضارة إيجابا فتسمو بقيمها وعلومها و ريادتها.
ولن تقوم لمجتمعنا قائمة من جديد ولن تعود حضارتنا للصفوف الأولى ما لم يعترف بمساواة المرأة قانونا وممارسة. وحتى يتحقق ذلك على الفتيات أن يسجلن شروطهن في عقد الزواج مع النصّ في حالة الطلاق على اقتسام الممتلكات التي يكتسبها الزوج بعد الزواج حتى لا ينسى أنها كانت نعمة!
أقول هذا بينما مشروع قانون الأحوال الشخصية المعروض من الحكومة على البرلمان يثير جدلا، و تتفوق رؤية الحكومة مقارنة بالعديد من البرلمانيّين في منظروها التقدميّ المنصف للمرأة والمراهن على تمكينها من حقوقها، ليس فقط لإصلاح أحوالها وإنما أيضا لكونها عاملا حاسما في التعجيل بتحقيق أهداف التنمية المستدامة و نهضة المجتمع ككل.
olfa@aucegypt.edu