الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر تحدد مواقيت معاركها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت مصر في حرب لم تتوقف محطاتها ولا معاركها عبر تاريخها وازدادت وتيرتها من ٢٠١١.. وكانت الدولة تديرها بأدوات وآليات لضمان انتظام الحياة الطبيعية والعمل والتنمية. واتسمت الإدارة المصرية بالنضج والرشد واختيار التوقيت الملائم لمعاركها بحيث لايفرض علينا أخد مواقيته وأجندته وربما يفسر البعض صبر مصر خطأ، فقد حددت مصر خطوطها الحمراء في ليبيا وشرق المتوسط وحدود الأدوار التركية والإيرانيه والإسرائيلية في المنطقة وبدا للجميع أن تلك الدول لم تتجاوز خطوط مصر الحمراء.

ومن المعلوم أن مؤسسات الدولة المصرية تقوم برسم تلك الخطوط بشكل علمي بما يحقق الأمان للأمن القومي وهناك مهام عديدة واتفاقات ومناورات تتم خلف الكواليس حتى إذا ما بدأت معارك التفاوض يكون المفاوض مالكًا لأدواته. وفي معركة التفاوض تكسب مصر دوما، ليس لأن لديها مفاوضين مهرة فحسب، ولكن لأنها تمتلك قوة الحق؛ بدليل أن مصر كانت لديها الفرصة للحصول على حقوقها بسهولة بما تمتلكه من أدوات صلبة وناعمة، وطال الزمن أم قصر ستنتصر مصر على كل جبهات التفاوض، وصحيح أن ضبط النفس والصبر لهما حدود، ولكن الصحيح أيضا أن الرهانات المصرية على الحق والعدل والإنصاف سيمكنها في نهاية الأمر من النصر؛ لأنها سنة الله في الأرض. وفي لعبة المفاوضات والسياسة وتوازنات القوى والمصالح المشتركة هناك العديد من الأدوات والبدائل وأدوات الضغط الاقتصادية والإعلامية والتحالفات الخلفية والقوى الناعمة واللوبيات العالمية والصوت العالي وأشياء أخرى (معلنة أو غير معلنة)، وأظن أنها لم تكن أبدا خارج الاختيارات. كل الحكاية أن مصر في تحد حقيقي على أكثر من جبهة داخليا وخارجيا مخطط له من قبل قوى خارجية عظمى للضغط على مصر، فالمسألة دقيقة جدا ومنظمة ومخطط لها بدقة، وقد اتضح أن مصر لم تكن تفاوض إثيوبيا، ولكنها كانت تتفاوض مع عدة قوى وأجهزة، وأن المفاوض الإثيوبي كان بمثابة الكاحول الذي يجلس نيابة عن آخرين، ولكن إصرار إثيوبيا على البدء في الملء الثاني هو رسالة واضحة تتحدى المفاوض المصري والسوداني والاتحاد الأفريقي كما لو أن المفاوضات تسير طبقا للإرادة الإثيوبية التي لا يهمها ولا يعنيها الاتحاد الأفريقي ولا لجنته الفنية، خاصة أن ذروة موسم الأمطار تكون الشهر المقبل وتستطيع إثيوبيا الملء في أمان دون إضرار لمحطات مياه الشرب في السودان.

وبعد إعلان إثيوبيا أن النيل الأزرق بحيرة إثيوبية، وأن مياهها لم تعد تتدفق إلى النهر، فإن هذا الموقف الإثيوبي الجديد يفرغ مقدما أي مفاوضات مقبلة وكذا الجولات الأخرى الخاصة بالتعاون المستقبلي في النيل الأزرق من مضمونها وغاياتها. وأن الاستمرار فيها على هذا النحو لم يعد مجديا، ولهذا تعلن مصر عدم مشاركتها في جولة المفاوضات القادمة التي أجهضتها إثيوبيا بهذه التصريحات التي أعلنت بعد ساعات قليلة فقط من القمة الأفريقية المصغرة واتخذت قرار استئناف هذه المفاوضات، وكذلك مخاطبة مجلس الأمن رسميا وطلب استئناف جلسته الخاصة بسد النهضة، والتي تأجلت لإتاحة الفرصة للاتحاد الأفريقي لحل المشكلة، مع التأكيد - في هذه الرسائل الثلاث - على أن مصر تحتفظ بحقها في اتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات لحماية حقها في الحياة، والاستعداد الجدي لممارسة هذا الحق، بما يتناسب وظروفنا ومصالحنا. لأننا نعلم من تكتيكات التفاوض أن في هذا النوع من التفاوض، لا يتغير السلوك التفاوضى بناء على تطبيق الأداة الرئيسية للتفاوض من جدل وإقناع، ولا بمئات الحجج القانونية التى تُطرح داخل القاعات المغلقة، وإنما لا بد من الاعتماد بدرجة كبيرة على تكتيكات أو أدوات الضغط في التفاوض، وهى بالمناسبة قائمة طويلة للغاية، تبدأ بالمكافآت، وتشمل التحذيرات والتهديدات، إلى عمليات الضغط والإجبار المادى والمعنوى، والتى قد تنتهى حتى بأعمال محدودة، تمهيدًا لاستئناف التفاوض، ودون الاستغراق في تفاصيل من واقع الدراسات العلمية والممارسات العملية، فإن هذه الأدوات من الاتساع والتنوع بما تتضمنه كل عناصر القوى الناعمة والقوى الخشنة في آن واحد، ويتم اللجوء إلى هذه الأدوات في إطار إستراتيجية متكاملة الأبعاد، وبحسابات دقيقة، ومن بينها الحملات الإعلامية والدبلوماسية المتواصلة.

ومن المهم جدًا أن يصدر الاتحاد الأفريقي بيانًا بما يتم الاتفاق عليه تجنبًا للبلبلة التي أحدثتها بعض التباينات الواردة في بيانات الدول الثلاث، والأخذ في الاعتبار في جميع بنود أي اتفاق يمكن التوصل إليه ألا نركن لوعود أو تعهدات شفهية من الجانب الإثيوبي، والذي ثبت عليه عدم الالتزام.

وأن تحاول مصر الآن تحت مظلة الاتحاد الأفريقي تذليل العقبات بأكثر قدر من الصبر والثبات، وإثبات المخالفات رسميا تحت المظلة الأفريقية، والخروج بواحدة من النتيجتين المنتظرين إمّا (اتفاقية ملزمة) أو (تعنت إثيوبى يشهد عليه الاتحاد الأفريقي)، والتحرك تبعا للنتيجة الفعلية ومن المتوقع أن تكون المفاوضات المقبلة مشابهة للماضية، مع دور أكبر للمراقبين لوقف أى خروج عن الإطار الذي تم الاتفاق عليه!!

ثم إن التسوية العادلة والمتوازنة لأزمة السد الإثيوبي ليست لغزا ولا أمرا صعب المنال.. وهى موجودة في وثيقة واشنطن، ولكنها المطامع والمطامح تجمعت للنيل من مصر، وعلى الخطاب المصرى أن يتغير ويتحدى الجميع بالخيارات الصعبة، وهو مجرد رد فعل للاستفزازات الإثيوبية اليومية. علما أن إثيوبيا ومن وراءها يعلمون أن مصر تكسب دوما في أي مفاوضات والمهم الآن صياغة اتفاق نهائى يضمن حقوق مصر التاريخية ٥٥ مليار متر وبصفة خاصة في سنوات الشح المائى ويحدد الإطار القانونى وكيفية التحكيم إذا حدثت خلافات.