الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

رجائى الميرغنى.. فكرة والفكرة لا تموت

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
**70 عاما من الوطنية والمهنية والإبداع
**عندما واجه رجائى الميرغنى على عبدالله صالح مدافعًا عن حرب 73


مع الذكرى السنوية الأولى لرحيل الزميل رجائى الميرغنى وكيل أول نقابة الصحفيين، والذى خاض معارك عديدة من أجل حرية الصحافة وحرية الوطن، وكانت له بصماته الواضحة التى أثرت التشريعات الصحفية في مصر. في هذه الذكرى، ليس هناك أفضل من زوجته الزميلة خيرية شعلان للكتابة عنه، كما ننشر فقرة كتبها رجائى يعرف فيها بنفسه، ونقدم بانوراما شاملة لرحلة الراحل الكبير لتكون أمام الأجيال الجديدة.


"البوابة" تهدى هذه الصفحة إلى روح رجائى الميرغنى الباقى بيننا مهما طال الزمان.




فى عام 1990 عقد الرئيس اليمنى على عبدالله صالح مؤتمرا صحفيا لإعلان مؤازرته لصدام حسين فى غزوه الكويت، ومباركته خطوات عودة الكويت للوطن الأم باعتبارها إقليما عراقيا، وصال صالح وجال فى كلمته معربا عن فخره بما صنعه الرئيس العراقى وعبقريته فى إدارة «أم المعارك» التسمية التى أطلقت على هذه الحرب، وعقب ذلك بدأ الصحفيون يوجهون الأسئلة للرئيس اليمني، وسأل مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط فى صنعاء رجائى الميرغنى الرئيس حول: توقعاته لنتائج الحرب وآثارها على المنطقة وشعوبها، فرد صالح: «أم المعارك» ستنقل المنطقة بأكملها إلى مكان وتاريخ أفضل، مكملا بحماس: إنها ستكون حرب انتصار كبير فى تاريخ العرب وليست حرب هزيمة كحروبهم فى 67 و73.
خيرية شعلان
فى عام ١٩٩٠ عقد الرئيس اليمنى على عبدالله صالح مؤتمرا صحفيا لإعلان مؤازرته لصدام حسين فى غزوه الكويت، ومباركته خطوات عودة الكويت للوطن الأم باعتبارها إقليما عراقيا، وصال صالح وجال فى كلمته معربا عن فخره بما صنعه الرئيس العراقى وعبقريته فى إدارة «أم المعارك» التسمية التى أطلقت على هذه الحرب، وعقب ذلك بدأ الصحفيون يوجهون الأسئلة للرئيس اليمني، وسأل مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط فى صنعاء رجائى الميرغنى الرئيس حول: توقعاته لنتائج الحرب وآثارها على المنطقة وشعوبها، فرد صالح: «أم المعارك» ستنقل المنطقة بأكملها إلى مكان وتاريخ أفضل، مكملا بحماس: إنها ستكون حرب انتصار كبير فى تاريخ العرب وليست حرب هزيمة كحروبهم فى ٦٧ و٧٣.
ولم يكد صالح ينطق بكلماته الأخيرة حتى انطلق صوت الميرغنى مقاطعا له وبقوة: فخامة الرئيس تعلم جيدا الظروف المتعلقة بحرب ٦٧، ويكفى أن أذكركم أن خيرة شباب الجيش المصري، كان هنا فى اليمن يدعم إقامة الجمهورية واستقرار الأوضاع -مضيفا بنفس الصوت الجهورى الثابت-، أما حرب ٧٣ فهى حرب انتصار بامتياز شهد لها العالم ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، واستطرد الميرغني، إنها الحرب التى حررت الأرض ورفعت رءوس العرب جميعا إلى عنان السماء، وفى تصرف تلقائى أشار بيده اليسرى تحت إبطه الأيمن.. قائلا: لقد كنت واحدا من الجنود المصريين الذين حاربوا فى ٧٣، جندى من مليون مصرى شاركوا فى تحقيق هذا الشرف وأصبت بشظية مدفعية ما زلت أحمل أثرها فى جانبي.
وعند هذه النقطة من الرد تدخل الدكتور عبدالكريم الأريانى وزير الخارجية اليمنى -فى ذلك الوقت-، وقدم مبررات لما قاله الرئيس اليمني، عن حرب أكتوبر بقوله إن الرئيس يتحدث بتلقائية وحماس لفخره بالنصر الذى تحقق لـ «أم المعارك»، محاولا تخفيف حدة خطأ صالح، منوها إلى أن اليمن تفخر بحرب أكتوبر وأن فصيلا من الجيش اليمنى شارك ضمن القوات العربية المساندة للجيش المصرى فى ٧٣.


وفى تمتمات سريعة ومبهمة أيد الرئيس اليمنى ما قاله وزير خارجيته المحنك، وتم لملمة بقايا المؤتمر الصحفى بسرعة لينفض السامر، وليبدأ سامرا آخر ترتب على ما حدث، وتوالت ردود الأفعال حيث تجمع الصحفيون حول الميرغني، خاصة اليمنيين منهم يرجونه عدم إرسال الجزء الخاص بحرب أكتوبر فى رسالته التى سيرسلها لوكالته حتى لا تحدث أى مشكلات بين البلدين أولا وحفاظا على الميرغنى وعمله فى اليمن وأسرته، وقيل له:
-أنت عندك عيال خاف عليهم
وكان رد الميرغنى نهائيا:
-أنا عندى ضمير قبل أن يكون عندى عيال.


عندما عاد للبيت توجه لمكتبه مباشرة وحين انتهى من إرسال المؤتمر الصحفى لمقر الوكالة بالقاهرة، روى لى ما حدث تفصيلا وقال لى مباشرة إنه من المحتمل أن أتعرض لأي ضغوط مما يستلزم الاطمئنان عليك وعلى سوسنة وحاتم لذلك أخذت قرارا بسرعة الحجز لكم للعودة إلى القاهرة. لم أقتنع بالفكرة ورفضتها تماما وصممت على البقاء معه أنا والأولاد حتى تنتهى هذه الأزمة التى لا نعرف كيف سيتعامل معها اليمنيون، ومع إصرارى وافق مضطرا.
تلقى رجائى فى نفس النهار اتصالا من السفارة المصرية فى اليمن أبلغه خلالها السفير:
-السفارة مش مسئولة عن تجرؤك على الرئيس اليمنى ولن نتمكن من حمايتك.
-شكرا معالى السفير، أنا قادر على حماية نفسى وأسرتى ومتمسك بمواثيق الشرف الصحفية وأخلاق مهنتي، وأتبع نقابة الصحفيين المصرية وأمثل وكالة الأنباء المصرية الرسمية، ومتمسك بما قلته للرئيس اليمنى من منطلق وطني.
كان المؤتمر الصحفى بمثابة طوق نجاة لعشرات الآلاف من المصريين العاملين فى اليمن حيث أذاع التليفزيون اليمنى فى كل نشراته وعلى مدى اليوم المؤتمر الصحفى للرئيس كاملا بلا أى اختزال أو مونتاج.
كان اختلاف المواقف السياسية لكل من مصر واليمن تجاه غزو الكويت سببا فى تعرض مواطنى الدولتين لضغوط معنوية ومادية نتيجة لهذا الموقف، فالموقف السياسى المصرى كان مساندا للكويت فى مواجهة الموقف السياسى اليمنى المساند للعراق، وتحمل المواطن البسيط من كلا البلدين تبعات هذا القرار فى شأن لا ناقة لهم ولا جمل، وكما تعرض المصريون للضغوط فى مواقع عملهم فى اليمن، وذاق اليمنيون العاملون فى دول الخليج والسعودية الأمرين وتم ترحيل الكثيرين منهم.


لقد كنا نفتح بوابة بيتنا الخارجية كل يوم ونجد عليها كلمة واحدة مكتوبة بالطباشير «الفراعنة»، وقمت مرات عديدة بمحو الكلمة ولكن مع كل صباح أجدها مكتوبة وبإصرار، وحين أبديت ضيقى من ذلك.. كان رجائى يبتسم بود ويقول لى إنهم بسطاء وأنت صحفية وتدركين ماذا تفعل آلة الإعلام فى عقولهم ونفوسهم، ثم يكمل وما الضرر من كلمة فراعنة إنها وسام وليست سبا أو قذفا «هو احنا مش فراعنة فعلا»؟!!
كنت أبتسم راضية لتفسيراته وتسامحه وإصراره على التمسك بمبادئه التى لم يحد عنها يوما فى أشد وأصعب المواقف.
ويشهد الله أننا تلقينا من الحب والفخر والدعاء من المصريين فى اليمن على موقف رجائى فى المؤتمر الصحفى ما أسعدنا ليس لما قام به رجائى، ولكن لما استطاع أن يقدمه لهم من حماية معنوية ودعم إنسانى قام به بشكل فردى، وذلك لوطنيته ومبادئه المترسخة فى شخصيته.



كنا نقابل المصريين فى الشارع أو ونحن فى سيارتنا وحين يلمحون رجائى يرفعون له علامة النصر بأصابعهم أو يطرقون زجاج السيارة فيقف وينزل يحادثهم. فمنهم من يشكره ومنهم من يحتضنه وآخرون يلهجون بالدعاء له والفرحة تملأ وجوههم.
وأعترف أن المواقف المتوترة والضاغطة خفت تدريجيا بسرعة التدخل لاستعادة الكويت، ولكن العنصر الأكثر صدقا هو طيبة أهل اليمن وسماحتهم، وقد تأكدت من محبتهم لمصر والمصريين طوال فترة وجودى هناك وامتنانهم الدائم لما قدمته مصر لهم على كل المستويات بدءا من مساندة قيام الجمهورية للدعم فى كل المجالات وعلى رأسها التعليم والصحة.
وكان مسك الختام لردود الأفعال تجاه المؤتمر الصحفى ما جاء فى صباح اليوم التالى مباشرة، حيث كان حسنى مبارك فى إحدى جولاته التفقدية وقال له أحد الصحفيين المرافقين: سيادة الرئيس، بالأمس قال الرئيس اليمنى على عبدالله صالح فى مؤتمر صحفى فى صنعاء «أن حرب ٧٣ كانت حرب هزيمة» !! فرد عليه مبارك بهدوء شديد وبلا أى انفعال: والله الأخ على عبدالله صالح ده مش عارفين نعلمه تاريخ ولّا نعلمه جغرافيا؟!


هذه بعض من نفحات الميرغنى عشتها معه وأرسلها له اليوم تحية حب وتقدير منا تؤنسه فى عالمه الفسيح الذى رحل إليه فى مثل هذا اليوم العام الماضي، ولتظل بصماته وقيمه وتاريخه شاهدا على رجل عاش بيننا وترك لنا الكثير.

**رجائي الميرغني يتحدث عن نفسه
مازالت مؤمنا بساعة نصر الفلسطينيين
- أنا من مواليد «عام النكبة».
- بدأُتُ دراستى الجامعية فى "عام النكسة"، وخلالها كنت واحدا من الجيل الذى أسهم فى عودة الحركة الطلابية الوطنية المستقلة إلى الجامعة، وشهد إنبعاثها فى " عام الغضب ورفض الهزيمة "، وأنهيتها فى "عام اللا حرب واللا سلم" بعد قبول عبد الناصر وقف إطلاق النار على جبهة القتال مع إسرائيل.
- استلمت أول عمل لى كمحرر صحفى فى «عام الحسم»، الذى تراجع عنه السادات وأعاد تسميته بـ«عام الضباب».
- أصبحت مقاتلًا فى جبهة القناة فى بداية «عام العبور»، وخضت معارك الدفرسوار وأصبت بشظية مدفعية خلال حرب أكتوبر المجيدة.
- حُبست للمرة الرابعة بسبب موقفى السياسى فى عام انتفاضة الخبز التى أسماها «السادات» بـ«إنتفاضة الحرامية»، وهو نفس العام الذى شهد زيارته للكنيست التى ترتب عليها إهدار ما تبقى من نتائج حرب أكتوبر، وفتح باب التطبيع مع العدو.
رجائى الميرغنى