السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مائة بيت من الشعر العربي القديم.. الشريف الرضي"53"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
53 – الشريف الرضي
" وتلفتت عيني فمذ خفيت
عنها الطلول.. تلفت القلب "
يرحل الشريف الرضي قبل ألف عام من اختراع السينما، فكيف له أن يتسلح بأدواتها على هذا النحو الذي يسبق به عصره؟. إنه شاعر يكتب بالكاميرا المحمولة فائقة الحساسية والدقة في التقاط الصور والمشاعر، ويقدم دروسا بليغة في "المونتاج" و"الفلاش باك" وفن الحركة وعبقرية اختيار موقع التصوير. يرى ببصيرته ما لا يُرى، ويخاصم الثرثرة والبلاغة المحنطة الفجة، ويعانق الرضا الاضطراري بما لا يروقه.
يتحتم على قارىء البيت المتوهج إغماض عينيه ومبايعة الخيال غير المقيد، وعندئذ يعانق ما كان قبل الف عام. قافلة تمر قرب المضارب المهجورة المهملة، وإنسان رقيق لا تفارقه أكوام الذكريات القديمة. يتغلغل المشهد في أعماقه فيندمج وينفعل ويتفاعل،وإذا به يتأمل في وجد وشجن، منفصلا عن ضجيج القطيع المحيط به. في لحظة فارقة مرعبة كأنها الكابوس، تنتصر قوانين الطبيعة على قدرة العين، ولا يجدي التلفت. عندئذ يعود إلى المنظومة البائسة التي تسير، ويترك للقلب حرية أن يتلفت ويرى.
أي المعاصرين لا يشبه الشريف؟. في السيارة والقطار والمترو، وربما الطائرة أيضا؟. أي إنسان سويّ، في كل زمان ومكان، لا يشعر بما كان يسكن الشريف؟. يتقدم في العمر، ويمر بشارع قديم كان يسكنه، أو مدرسة أو قهوة، فلا يرى إلا الأطلال، ويتلفت القلب بعد أن تستسلم العينان عاجزتين عن المتابعة.