الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسامة السيد مرسي.. صفحات مضيئة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أسامة السيد مرسي، هكذا وبالاسم الثلاثي نعرفه، شاعر وصاحب بصمة ثقافية مميزة في الإسماعيلية ويعول أسرة، لا تعرفه جيوب الثقافة المركزية بالقاهرة ولا جماعات المنح والمنع في عالمنا السريالي العجيب، ولكن أسامة الموهوب لم يحزن ولم تلتوي رقبته نحو العاصمة واستقر في المدينة المناضلة يقود- مع آخرين- جماعات ثقافية محدودة العدد قوية التأثير حتى رحل عنا الأسبوع الماضي متأثرا بفيروس كورونا ذلك القاتل الجبان.
تلتهب مواقع التواصل في المدينة تبكي الفتى الذي لم يبلغ الستين من عمره، ومن عمق الذاكرة تستيقظ تفاصيل الرحلة قبل ثلاثين عاما كنا في بدايات الطريق نربط الثقافة بالسياسة ونحاول أن نفتح ثغرة في الجدار، بعضنا مازال في سنوات دراسته الأخيرة وبعضنا حصل على شهادته ودخل سوق العمل، يلتحق أسامة بشركة الإسماعيلية مصر للدواجن مشرفا، ونتخبط نحن حديثي التخرج ضحايا بحر الفساد المتحكم في لقمة العيش، يرافقها أسامة في المقاومة بالقصيدة والشعر والتجمع كخلايا صغيرة تمتلك أحلاما مشروعة.
وتنفرد السنوات سريعا ويرحل الشاعر فجأة ليكون محور حديث قادة اليسار في المدينة الذين أسرفوا في وداعه دموعا وحزنا، ويعلو طوفان الوفاء من رفاق خطوات أسامة الأولى في صالون المواهب الأدبي الذي كان أسامه مشرفا على ادارته منتصف الثمانينات مع رفيق دربه حسن عبدالشافي، والجديد هو أن نقرأ المراثي من تلاميذه الموهوبين طلاب جامعة قناة السويس التي أشرف على نشاطها الثقافي في السنوات الأخيرة.
لذلك يمثل الراحل الكبير أسامة السيد مرسي ظاهرة في الواقع الثقافي في من خلال دوره كشاعر يكتب بإجادة تامة وكذلك دوره كمنظم للجماعات والحلقات حتى وإن بدت متنافرة، أكتب عنه الآن حتى لا تضيع القيمة في زحام الاستهلاك وباقات الإنترنت التي تغرقنا عبثاً. أكتب عنه لكي أؤكد أن في مصرنا العزيزة يعيش الموهوب مقهورا ولا نستيقظ لنرد له حقه إلا بعد أن يغادرنا راحلا في رحاب ربه.
أكتب لأنه من حسن حظي أنني كنت شاهداً لكل أطراف المعادلة في الثقافة والشعر والسياسة.
والجديد الذي أجيء لكم به هو أن أذكر لكم أسامة السيد مرسي مناضلا بكل ما تعني كلمة نضال من معنى والتي أراها باختصار تعني التضحية بلقمة العيش من أجل ما يقتنع به الفرد.
كان الزمن نهاية الثمانينات، وكان إضرابا عن الطعام ينفذه المهندس محمد مختار العريان بشركة الدواجن التي يعمل بها ويزامله في العمل راحلنا أسامة مرسي، صاحب الإضراب قائد متمرس في العمل السياسي ورمز يساري كبير، أما أسامة فهو مواطن شعبي وإبن مخلص لمنشية الشهداء، ولن يعتب عليه أحد لو لم يحدد موقفه من الإضراب، وذلك تقديرا لكون شاعرنا هو ابن نفس الشارع الذي أنجب النائب أحمد أبو زيد الذي يشغل في ذات الوقت موقع رئيس مجلس إدارة الشركة التي تشهد لأول مرة وسيلة يستخدمها أصحاب الحقوق لاستردادها وهي الإضراب عن الطعام.
فزعنا عندما علمنا بخبر الاعتصام المتزامن مع اضراب عن الطعام وتحرك كل واحد منا بأدواته لدعم الإضراب لم نؤثر ونحن أصحاب الحق الواضح في تعديل المشهد، ليبرز من داخل الشركة أقوى الأسلحة غير المتوقعة وهو شلال التضامن الذي قاده شاعرنا أسامة السيد مرسي وتحركاته الذكية بين عنابر المحطات المختلفة لتأييد المهندس الذي أضرب عن الطعام، هنا بالضبط تجلى الشاعر الصادق وترجم القول إلى فعل تساوت كلمته الباحثه عن مجتمع أجمل بخطوة على الأرض دفاعاً عن ما يقتنع، مضحيا بتراث منشية الشهداء القبلي وزعيمها النائب أبو زيد القوي، وكان قرار فصل أسامة من العمل أسرع من قرار التفاوض مع صاحب الإضراب، ليدفع الشاعر الثمن ويفقد مصدر رزقه ولكنه يكسب نفسه ويكسب دموعنا التي نزفت عندما رحل.
أكتب تلك الشهادة المختلفة لأنني على ثقة بأن آخرين سوف يكتبون باستفاضة عن دور أسامة السيد مرسي في حياتنا الثقافية في مدينتنا التي لا تأكل أبناءها.