الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

التراث.. معركة البقاء في مقاومة الصهيونية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم كل ما تتعرض له الأراضي الفلسطينية المحتلة من حصار مستمر وقصف بمختلف الآليات العسكرية من العدو الصهيوني؛ إلا أن الفلسطينيون أيضًا يخوضون معركة كبرى بجوار المقاومة المسلحة، وربما كانت هي المعركة الأكثر خطورة، والتي يدافع فيها أبناء الحق المسلوب يومًا بعد الآخر عن تراثهم وهويتهم بشتّى الأشكال، سواء عبر الكتابة والسينما والرسوم الجدارية والموسيقى أو حتى فنون التطريز الفلسطينية الشهيرة، لنتذكر جميعًا أنه حتى لو سُرقت الأرض أو دمر الاحتلال مبانيها، فإن هوية أصحاب الأرض باقية ولا يُمكن انتزاعها، حتى لو فُرِض على بعضهم حمل جوازات سفر تحمل شعار الاحتلال.
لذلك، يحرص الفلسطينيون على توريث فلكلورهم وتراثهم الشعبي من جيل إلى آخر خوفًا عليه من الطمس والضياع، وحفاظًا على هويتهم من الاندثار، وفق الروائي ناجي الناجي، المستشار الثقافي بسفارة فلسطين بالقاهرة، والذي أشار في تصريح لـ"البوابة" أن الفلكلور الفلسطيني يُشكّل أحد دعائم الثقافة الوطنية، ويهتم الفلسطينيون بالحفاظ عليه وتدوينه ودراسته وتحليله ونشره في مواجهة محاولات التهويد التي طال كل جوانب الحياة "لأن التجزئة والعولمة والتغريب تُعّد عواصف تلعب دورًا نشيطًا في طمس الشخصية الوطنية الفلسطينية ومحوها؛ فقد تعرضت أسماء الأماكن والشوارع للتحريف، واللغة للتغيير، والزي الشعبي للسرقة، والأماكن الدينية التاريخية للهدم والتخريب".
الدبكة والزجل والتطريز.. من جيل إلى جيل
من أهم الفنون الفلسطينية التي قاومت الاندثار "الدبكة الشعبية"، وهي رقصة فلكلورية تمارَس عادةً في الأعراس الفلسطينية، وتتكون الفرقة من مجموعة لا تقل عن عشرة دبيكة وعازف اليرغول أو الشبابة والطب، وأشهر رقصاتهم الكرادية أو الطيارة، وهناك "دبكة الدلعونا، دبكة زريف الطول، دبكة الدحِّيّة"؛ وتعد الدبكة إحدى أهم صور التراث الذي يستند إلى إرث فني وثقافي يمتد زمنًا طويلًا عبر التاريخ، حيث تشتبك الأيدي خلال أدائها كدليل على الوحدة والتضامن، وتضرب الأرجل بالأرض دلالة على العنفوان والرجولة، ترافقها أغان تعبر عن عمق الانتماء للأرض الفلسطينية. ولا تفترق الرقصات عن الموسيقى الشعبية، وهي ثروة وإرث وطني كبير تعكس روح وأصالة وثقافة الشعب الفلسطيني؛ فالموسيقى الشعبية الفلسطينية زاخرة بكل ما تشتمل عليه كلمة فلكلور من معان ودلالات، فصار لها أغانيها وأدواتها وآلاتها الخاصة، مثل آلتي "المجوز" و"اليرغول"، وهما من أشهر آلات الموسيقيى التراثيّة - وهي من آلات النّفخ وأخوات النّاي- وشكّلت جزءًا مهمًّا من ثقافة الموسيقى الشّعبيّة الفلسطينيّة، ويطلق عليها آلة الفقراء، إذ تُصنع من عيدان البوص المتواجد في البرّيّة الفلسطينيّة، ويستخدمها الرعاة في رعي الماشية. تقف الموسيقى والغناء بجوار الزجل الشعبي، وهو مدى واسع من الفنون الغنائية المتنوعة الأغراض والأوزان والألحان، مع اختلاف في طرق النظم والصيانة؛ فهو يتكون من عشرة أجزاء رئيسية، وكل جزء منها يحتوي على أبوابًا متنوعة.
كذلك يُعتبر فن التطريز من الفنون الشعبية الفلسطينية المتوارثة عبر الأجيال، والتي تطورت مع مرور الزمن إلى حرفة، فأصبحت مورد رزق لفئة كبيرة من النساء في فلسطين؛ حيث توفرت فيها خصائص تتلاءم مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني. رافق هذا التطور ابتكار نماذج جديدة ذات قيم جمالية عالية مستوحاة من أصالة هذه الحرفة، ليخضع التطريز برسوماته وأنواعه لتغيرات أساسية مع مرور الزمن؛ إذ نجد في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أن الأنماط والرسومات التطريزية كانت هندسية الشكل في المقام الأول، أما في الثلاثينيات من القرن الماضي، فقد بدأت تظهر مؤثرات جديدة غيرت في خصوصية التطريز التقليدي، كخيوط التطريز المصنعة في أوروبا، والتي صاحبتها الكتيبات الخاصة بالتطريز الغربي، ووجدت كلها طريقها إلى الأسواق الفلسطينية، فتسربت الرسومات الغربية مثل الأزهار والطيور والحيوانات إلى أثواب النساء التقليدية. وقد ظهر ذلك جليًا في الخمسينيات واستمر إلى يومنا هذا.
الفن والثقافة.. هكذا تحيا الهوية
من أجل إبقاء الهوية الفلسطينية ونقلها عبر الأجيال، نشأت العديد من المراكز الثقافية في شتى أنحاء الأرض المحتلة كجزء لا يتجزأ من هوية الشعب الفلسطيني وتاريخه الحضاري، ولتواكب الحركة الثقافية الفلسطينية وتعمل على تنظيمها وتنشيط فعاليتها وإثبات هويتها أمام العالم أجمع، وتتمثل مهمتها في خدمة المجتمعات الفلسطينية الفقيرة، وتنميتها وتحسين الوضع الثقافي والمعيشي والاجتماعي للفئات المهمشة والمحرومة، من أجل الوصول لبيئة تنموية محفزة للإبداع ومناسبة للأجيال القادمة لإحداث تنمية مستدامة.
من هذه المؤسسات مركز "عشتار للإنتاج المسرحي والتدريب"، والذي تأسس في القدس المحتلة عام 1991 كأول برنامج تدريب مسرحي في فلسطين، موجه بشكل أساسي إلى الطلبة والشباب، وعلى مر السنين قام بتطوير مستوى وأساليب التدريب، وارتقى بجودة أعماله المسرحية؛ وكذلك مسرح وسينماتيك "القصبة"، ففي عام 1989 تم بناء وترميم مسرح القصبة في مدينة القدس ليفي بأغراض العروض المسرحية والأعمال السينمائية المختارة، وليكون مكان عرض دائم للفنون التشكيلية، وملتقى للمثقفين والفنانين؛ وفي عام 1998 تم بدء العمل على بناء وترميم مسرح وسينماتك القصبة في مدينة رام الله، وكان هذا المسرح في السابق صالة سينما تسمى "سينما الجميل" التي أغلقت أبوابها في عام 1987 وتم إعادة فتحها باسم "مسرح السراج" منذ بداية التسعينيات، إلا إنها كانت قاعة غير مجهزة.
أيضًا أسست مجموعة من المثقفين "جمعية الكرمل الثقافية" في مخيم النصيرات عام 1993 بهدف المحافظة على الهوية الثقافية الفلسطينية من خلال سلسلة من البرامج الثقافية التي تحمل رسالة الثقافة للأجيال القادمة بطريقة إبداعية وتنموية؛ هناك كذلك "معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى" والذي تأسس عام 1993 وله فروع ثلاثة في كل من القدس، رام الله، وبيت لحم، وتضم نحو 600 طالب وطالبة ممن يتعلمون الموسيقى الكلاسيكية العربية والغربية؛ إضافة إلى نحو 160 طالبا وطالبة من برنامج التعليم الخارجي. ينظم المعهد طوال العام البرامج الموسيقية التي تستهدف الطلبة والجمهور بشكل عام، مثل تنظيم الأمسيات الموسيقية، المسابقات وإنتاج الاسطوانات والكتب، إضافة إلى تطوير الأوركسترا الأربعة التابعة للمعهد.
إضافة إلى هذا، انتشرت في كافة مدن فلسطين أعمال الفن الجداري -أو "صحافة الجدار" كما يطلقون عليها- والذي تطور حسب المرحلة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية التي كان يمر بها، فكان الشباب يخطها على جدران أزقة المخيم، وساحات المدن، وأسطح القرى، لتكون البوصلة التي توحدهم على نفس الطريق، وقد انتشرت صحافة الجدار بقوة في فترة الانتفاضة الأولى لنقل مجريات الواقع وأصبحت للجدران وظيفة إعلامية، مما جعل جدران فلسطين توصف بأنها "جريدة الشارع الفلسطيني" وأصبحت القيادات المحلية تستعمله لإيصال الرسائل التي لا تستطيع إيصالها عبر مختلف وسائل الإعلام سنة 1987. من هنا بدأت الممارسات الفنية المتخصصة تبرز في جداريات انتشرت في الميادين والساحات العامة، لتؤكد على ضرورة التمسك بحق تقرير المصير، وحق العودة والتمسك بالقدس عاصمة لفلسطين المحتلة، ورفض الاستيطان؛ بالإضافة إلى الجداريات التي تنادي بحقوق المرأة والطفل أو إلى الجداريات التي تعطي بعدا جماليا للمكان، إلى أن خط الفلسطينيون معاناتهم في الفترة الراهنة على جدار الفصل العنصري ورسموا عليه معاناتهم وآمالهم وطموحاتهم في مجابهة المحتل الإسرائيلي.
أدب السجون
كذلك وثّق "أدب السجون" المعاناة التي يواجهها الأسرى في سجون الاحتلال، ليخرج أدبًا ذي نكهة فريدة تسجلها اللحظات التأملية التي يحياها السجين بعيدًا عن أهله وأحبته، ولدت في عتمة الأقبية وظلام الزنازين وخلف القضبان الحديدية؛ فقد تناول المبدعون المعتقلون في كتاباتهم الأدبية، قضايا مرتبطة بظروف اعتقالهم، وتفاعلهم مع الأحداث الخارجية، خصوصًا في مرحلة الانتفاضة، مثل سيرة الكاتبة عائشة عودة الذاتية "أحلام بالحرية" التي قدمتها حول تجربتها في الاعتقال، والتي وصفت حالات التعذيب التي مورست ضدها، حيث تناوب عليها المحققون الإسرائيليون بعدة أساليب من التعذيب في التحقيق، وكذلك المواجهة والتحدي والحرمان والصمود والانتماء والحنين للأهل والأبناء والأصحاب.
إضافة إلى الحديث عن النضالات والإضرابات داخل المعتقل. ورفض القيود والتمرد عليها، وكسر طوق العزلة التي يسعى الاحتلال لفرضها على المعتقلين. بجوار الأدب نشأت سينما الثورة الفلسطينية مرافقة لانطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة في مطلع عام 1965، عبر قسم صغير للتصوير الفوتوغرافي، شرع منذ أواخر عام 1967 بتصوير بعض المواد الخاصة بالثورة، عبر تسجيل صور شهداء الثورة الفلسطينية؛ وكانت سُلافة مرسال، التي تخرجت من المعهد العالي للسينما في القاهرة، تقوم بذلك في منزلها على نحو سرّي وفردي، قبل أن تستشعر الحاجة لإنشاء قسم خاص بالتصوير السينمائي، وهو الذي بدأ أعماله منذ عام 1968، فكان أول فيلم سينمائي تنتجه الثورة الفلسطينية بعنوان "لا للحل السلمي" وهو فيلم تسجيلي مدته 20 دقيقة جاء نتيجة عمل جماعي لمجموعة من السينمائيين الفلسطينيين، للتواتر بعده عشرات الأعمال الأعمال ما بين الوثائقية والروائية، والتي تتناول كلها تاريخ الأرض وأصحابها الأصليين.