الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سد النهضة.. ما بين التقدير والتكدير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد أظهرت أزمة سد النهضة مدى الحِقد البغيض والكراهية الدفينة التي تكنها دول بعينها وجماعات مارقة اتخذت من الإرهاب صناعة ومن الضلال مسلكًا تجاه دولة تضرب بمصريتها وعراقتها سبعة آلاف سنة في أعماق التاريخ البشري والانساني.
إن تلك المواقف الزائفة والصداقة المصطنعة والعروبة الواهية التى ظهرت مؤخرًا من قبل بعض الدول العربية والإسلامية والأفريقية تجاه ام الدنيا فى تلك الأزمة كفيلة بأن تزيد من صلابة وقوة الدولة المصرية وشعبها الأبي في نضاله ضد هذا السد ومَنْ يقف خلفه من قوى إقليمية أو دولية وبخاصة الموقف الإثيوبي.
إن الموقف الإثيوبي الذى تجاوز كل أنواع الهرتلة السياسية والصلف الدبلوماسى والغطرسة الديموغرافية كفيل وحده بأن يفضح نظاما لديه اعتقاد راسخ بأن الوكالة الحربية والعسكرية، وإن شئت فقل السياسية هى بمثابة صمام أمان ودرع واقٍ له.
لقد تناسى هذا النظام الذي يتوهم أنه يقطن برجا عاجيا، ويصم آذانه عن حقائق ضربت بجذورها أعماق التاريخ ودونتها صحائف يشع منها ضياء يرشد البشرية فى غياهب الظلام ووسط ضروب الضلال مؤداها أن مصر هى عمود الخيمة للمنطقة بأسرها وهى منارة العلم وفنارة الخير للقرن الأفريقى بشكل خاص.. مصر هى محمد على الذى أدرك أهمية النيل وكان يرسل حملات تأديبية للجنوب حفاظا على مياه النيل.. مصر هى الملك فؤاد الذى كان يوقع على كشوف الطلاب الأفارقة من الجنوب قبل المصريين تقديرا لدورهم فى الحفاظ على النيل ومجراه .. مصر هى عبد الناصر الملهم المغوار الذى اقترح أن تكون أديس أبابا مقرا لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963 مجاملة لهيلاسيلاسى رئيس إثيوبيا آنذاك.
وليس لنا أن ننسى موقف الرئيس الكينى تراورى حين رفض رشوة من إحدى الدول لتحفيز الدول الأفريقية على التصويت ضد مصر فى انتخابات حركة عدم الانحياز وقال قولته الشهيرة التى لا ينساها إلا كل حاقد أو جاحد: "عد كما جئت أترضى أن يأتينى عبد الناصر فى المنام ويقول لي كيف خنتَ العروبة من بعدي يا تراورى؟!".. الأمر ليس هينا، والعواقب قد تجر القرن كله إلى صراعات ومخاطر ومآلات لا تُحمد عقباها كما أوضح الرئيس السيسى لسان حال كل المصريين .. لن تخنع أو تركع مصر أمام كل هذا النوع من الاستخفاف واللا تقدير تجاه نظام رفض إلا أن يقدم على الانتحار طواعية عندما وضع فى حساباته بأنه مالك للنهر وأن غيره يتلقى المياه تعطفا ومنة.
وأود أن أحيط هذا النظام علمًا بأن التعنت المستمر ورفضكم ترك أبواب النقاش مفتوحة اعتمادا على دعم واهٍ من قوى إقليمية ودولية لن تغني أو تثمن من جوع لديكم، فلن تستطيع أي قوة مهما كان حجمها العسكرى أو السياسى أن تفرض وصاية أو أي طرق تحكم على النيل، فالنيل هبة ونعمة من الله وليس منة أو تفضلا من دولة أو كيان بعينه، نحن لا نعيش فى غابة أو صحراء ولدى مصر أسلحة كثيرة لا يعلمها إلا من يعرف قدر مصر الحقيقى، وأن ما يحدث من هذا النظام الأرعن ما هو إلا عدوان على الحياة، متناسيا أن من يتحكم فى اتفاقية القسطنطينية واتفاقية قناة السويس والعديد من المداخل والمخارج الأفريقية هى مصر ولكن مصر بطبيعتها دولة تجنح للسلام ولديها دبلوماسية واعية ستقوم بالشرح لمن لا يفهم والصبر على من لا يعلم فلسنا فى عجلة من الأمر وأننا قد تمسكنا بشجرة التوت التى تغطي الحياء القومى الأفريقى ولكن مع سقوط هذا الشجرة بكامل أوراقها نقول: إن الخيارات أصبحت كلها محل دراسة وتمحيص ولكن تظل الحقيقة الراسخة التى ينبغى أن يتفطن إليها الجميع أن الشعوب تخرج للحروب فى حالتى التعدى على الأراضى الإقليمية او العبث بالمياه أو التهديد الوجودى ولكن ما زالت مصر تدعو الطرف الإثيوبي إلى أن يفيق من غيبوبته المتعمدة، وأن يقلع عن استعراض القوة الزائفة فسجلات التاريخ توضح أن كل من لجئوا للعنتريات والبطش فقد لجئوا إلى الخراب والدمار وسفك الدماء.
أخيرا وليس آخرا.. لقد فعلت مصر كل ما تستطيع، وتجاوزت كل حدود الصبر، مشاورات... مفاوضات، وساطة ولكن دون أي جدوى. لابد من الاتفاق على أطر قانونية تضمن حقوق الجميع وتراعى مصالح الكل وإلا سينقلب السحر على الساحر، وتدخل المنطقة فى حالة من الفوضى لا يعلم مداها إلا من خلق النيل وشق مجراه.